(قراءةٌ في كتاب “ألقي عليكَ الشهوة” للشاعرة وفاء أخضر). د. عماد يونس فغالي

شهوةُ من وفاء!!

النشرة الدولية –

قرأتُ عنوانَ الكتاب، وتوقّفتُ متأمّلاً في كمال. هو في الشائع عنوان. لكنّه القصّةُ كلّها. “أنا ألقي عليكَ الشهوة”. هو ومضةٌ، نصٌّ سرديّ. وهو بَوحٌ غزليّ وغزلٌ إباحيّ، دفقُ مشاعر في امتلاء!

منذ العنوان هذا، يروحُ فكرُكَ إلى حالةٍ، هي الحبكةُ النصيّةُ كلّها. الكتابُ في مضمونه جميعِه، إلقاءُ شهوةِ الشاعرة عليك. والكافُ الحبيبُ طبعًا، لكنّها أنتَ يا قارئُ أيضًا!

في البدء تأخذكَ الشهوةُ إلى انزياح. هي عرفًا انحدارٌ أخلاقيّ يقودُ إلى انحرافٍ مسلكيّ. لكنْ حذارِ، أمَا الجمالُ يُشتَهى، والحبُّ؟ الشهوةُ ميلٌ جارفٌ في اتّجاه، حبّذا متى كانَ يرتفعُ!

“أنا ألقي عليكَ الشهوة”، جملةٌ تفاعليّة بين ضمير المتكلّم وكافِ المخاطَب، يتّكئُ فيها الأوّلُ على دالّته في قلب الثاني. تلقي الأنا، الشاعرةُ، على كاف المخاطَب الشهوةَ حالةً، تحوّلُ مسارَه إلى متفاعلٍ ، إلى مشتهى. وتدخلُ بالشهوةِ السياقَ من دون استئذان، كأنْ صار المشتهى من أهل البيت، رُفعتْ كلُّ كلفةٍ عنه.

في قراءةٍ قصائديّة للكتاب، يلفتُكَ توجّه الشاعرة إلى الحبيب، كأنّما هو واحدٌ تحدّثُه على الامتداد، أو تتحدّثُ عنه في بعض أحيان. وفاءٌ ظاهرٌ وطاهر. هل صدفةٌ ما يوحيه حرفُها، أم هي عنايةٌ اسمُها يرادفُ صفتَها الأمّ؟

المضمون يأتيكَ بتحديدٍ جامع: هو كتابُ القلب. إنْ تقل القلب، تقصد أوّلاً الحبَّ، لكن المشاعر كلّها هنا والحالات الإنسانيّة.

القلبُ المحرّكُ الأوّل لمسار المرء الحياتيّ، فكريًّا ومشاعريًّا، وتفاعليًّا أيضًا، بدفعٍ كامل.

يبثّكَ السياقُ النصّي، غلبةً لفعل الأمر، شبهَ وارفة في القصائد. لا غرابةَ والكلامُ مع الحبيب الذي يطيع! وإلاّ يولّد الحبُّ عذابًا وألمًا.

فعلُ الأمر يحوّل النمطَ الأدبيَّ إلى حوارٍ ولو من طرفٍ واحد أحيانًا، هو الشاعرة. يتبدّل المخاطَب أحيانًا بين الحبيب أو آخر تحدّثه الشاعرة عن حبيبِها.

أدخلتْ وفاء في السياق النصيّ وقفاتٍ خاصّة، تشكّلتْ في نوعٍ أدبيٍّ يأخذُ اليوم مكانةً من حيّزِ اهتمام: الومضة. هي اللمعةُ الشعريّة في الأدب الوجيز. ومضاتُ وفاء ألقتها علينا شهوةَ الملء، جاذبةٌ لِما تُهدي من تكثيفٍ وسرعة إيصال. أرادتها ضوئيّةً في مفاصلَ تضيفُ جمالاً لموضوعاتيّةِ القلبِ نبضًا سريعًا…

وفاء أخضر، ألقيتِ الشهوةَ لا “عليكَ”، لكنْ على كلّنا. اشتهينا أن نكون “الكافَ” تلك، أن نكونَ الحبيب نذرتِ له هذا الوفاء… في كلّ حال، نحنُ هنا نلقي عليكِ امتناننا ونحتفي بوفائكِ في أجواقِ المبدعين نشوةَ ألقٍ مدّ الأفق!

Back to top button