هل تتخلى أوروبا عن الوقود الأحفوري لإضعاف بوتين؟
بقلم: فورين بوليسي
النشرة الدولية –
بعد بدء هجوم روسيا غير المبرر ضد أوكرانيا في الشهر الماضي، فرض الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول أوروبية أخرى عقوبات جارفة على الأنظمة المالية الروسية، لكن هذه الجهات تتابع منح البلد مليارات الدولارات على شكل مدفوعات مقابل واردات الوقود الأحفوري، بما في ذلك النفط والغاز والفحم.
لا يزال الرد الأوروبي يفتقر إلى آليات لتحويل الخطوات الأخيرة إلى تراجع فعلي في التدفق النقدي إلى روسيا خلال الأيام والأسابيع المقبلة، إنها خطوة أساسية لدعم نضال أوكرانيا التي تحاول الصمود وإضعاف قدرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على متابعة الهجوم.
أصبحت أوروبا اليوم مُصمّمة على وقف اتكالها على واردات الطاقة، وقد اتضح ذلك في خططها لتأمين مصادر الطاقة المتجددة في أسرع وقت، لكن رغم تسريع جهود نشر الطاقة النظيفة، تبرز الحاجة إلى تدابير مؤقتة، لا سيما خلال فصلَي الشتاء المقبلَين، يُفترض أن تستورد أوروبا أكبر كمية ممكنة من الغاز من مصادر أخرى، لكن تبقى قدرات استيراد الغاز الطبيعي المُسال محدودة، إذ تتطلب هذه العملية محطات متخصصة للنقل ولا تزال الإمدادات المتاحة ضئيلة، كما تحصل معظم العمليات التجارية في هذا القطاع بموجب عقود طويلة الأجل، وقد بدأ كل بلد قادر على تصدير الغاز الطبيعي المسال يشحن أكبر كمية ممكنة اليوم نظراً إلى المستوى الذي بلغته أسعار الغاز الراهنة، ولتضخيم الواردات، تحتاج أوروبا إلى التفاوض مع دول مستوردة صديقة مثل اليابان وكوريا الجنوبية، ومع مصدّرين مثل الولايات المتحدة وأستراليا وقطر، لإعادة توجيه الشحنات بموجب عقود طويلة الأجل.
على صعيد آخر، يجب أن تبقي أوروبا محطاتها النووية مفتوحة، أغلقت ألمانيا حديثاً أربعة مفاعلات نووية ومن المقرر أن تغلق ثلاثة أخرى، كذلك، خفّضت المجموعة الفرنسية “إي دي إف” المتخصصة بالتشغيل النووي توقعات الإنتاج لعام 2022 بسبب الأعطال، وقد يكون هذا الخيار مثيراً للجدل، لكن من الضروري أن تزيد إمدادات الكهرباء التي لا تتكل على الوقود الأحفوري.
ولا بد من تحضير محطات الفحم والوقود الناشطة اليوم لساعات عمل إضافية، لكن من دون أن تتكل طبعاً على الوقود المستورد من روسيا، وتتطلب هذه العملية تحديد مصادر الفحم البديل في عدد من محطات توليد الكهرباء المُصمّمة لحرق أنواع معينة من الفحم الروسي، وتبرز الحاجة إلى متابعة تشغيل المحطات التي كانت تتجه إلى إغلاق أبوابها، أو يمكن الاحتفاظ بها كخيار احتياطي على الأقل.
إذا قرر بوتين قطع الإمدادات فعلاً، فستصبح تدابير الحفاظ على مصادر الطاقة وتقنينها ضرورية أيضاً، وخلال التظاهرات التي نُظّمت في بداية الهجوم الروسي، حمل الكثيرون لافتات كُتِب عليها إنهم يفضلون أن يتجمدوا من البرد على تمويل حرب بوتين، لكن قد لا تكون التدابير الطوعية التي يتخذها الرأي العام كافية، بل يجب أن تنظّم الحكومات وضعها تحسّباً لسنة صعبة من خلال مكافأة الناس على تخفيف استهلاكهم لمصادر الطاقة. ولتأمين الإمدادات اللازمة، يجب أن تنسّق أوروبا جهودها في مجال استيراد الغاز واستهلاكه واحتياطياته، وقد تضطر الدول التي تملك أفضل القدرات لاستيراد كميات غاز تفوق ما تستعمله أو ترسله إلى الدول الأخرى، ويجب أن تتابع هذه الدول تأمين الغاز لبعضها إذا تراجع المخزون.
وفق هذا السيناريو، ستكون التدابير اللازمة لتجاوز الشتاء المقبل مكلفة، وتحتاج إلى دعم الرأي العام لأكثر الفئات تضرراً، ويجب أن يتحمّل الناس أيضاً بعض المواقف المزعجة، وسط هذه التطورات يجب أن تكثّف أوروبا استثماراتها في مجال الطاقة الخضراء بموجب “الصفقة الخضراء الأوروبية” ومختلف البرامج الوطنية، فقد جاء الهجوم الروسي الوحشي ليسلّط الضوء على الرابط بين الوقود الأحفوري والصراعات، وليدفع الرأي العام وصانعي القرار في أوروبا إلى التخلص من هذه التبعية الشائكة.