بعيدا عن أي عاطفة… عذرا “تيار المرده”
بقلم: حياة الحريري

النشرة الدولية –

دياليكتيك –

في العام ٢٠١٨، كانت المرة الأولى في حياتي التي أتبنّى علنيا تأييدي لحزب أو لتيار سياسيّ ما وهي كانت خطوة جريئة ومتسرعة (أعترف الان) لتأييدي العلنيّ والمطلق ل “تيار المرده” بمقال من جزئين تحت عنوان “بعيدا عن أي عاطفة…لماذا أنا مرده”. ولم يحدث ذلك من قبل مع أي من التيارات ولا حتى الأقرب إليّ في الاعتبارات التقليدية عائليا ومناطقيا باستثناء تأييدي العلنيّ للمقاومة ضد إسرائيل حصرا (وضد الجماعات التكفيرية) وهو ما تعلّمته في مدرسة الشهيد رفيق الحريري في صيدا. وفي كلّ ما نمرّ به في لبنان، لم أكن في وارد كتابة هذا المقال لوجود قضايا كثيرة للاهتمام بها، لكنني ومن منطلق المصداقية تجاه نفسي أوّلا وتجاه كلّ من قرأ المقال السابق وكل من عرف رأيي وقدّره أو تحفّظ او اعترض عليه، كان لا بدّ من هذه المراجعة وهذا حقّ في الحياة الديموقراطية التي ننادي بها جميعا.

 

في العام ٢٠١٨ لأسباب عدة وجدت نفسي عاطفيا أنحاز للمرده.  بعد قراءات عن تاريخه وعقيدته السياسية والوطنية (ولا أحد يمكن أن يشكك بذلك لا سيّما اذا قرأ عن ١٣ حزيران ١٩٧٨) اعتقدت للحظة أن هذا التيار سيكون خطابه مختلفا عن الأحزاب المتناحرة المتسابقة على التقاسم المتنصلّة من دورها ومسؤوليتها انطلاقا ممّا يعرف به رئيس “تيار المرده” سليمان فرنجية من صدق ووضوح في الخطاب السياسي ولما توسّمته من طوني فرنجية.

 

بالعرف اللبناني، ثمة أزلام لدى الأحزاب والتيارات السياسية ينصّبون أنفسهم “مطاوعين” لرؤساء أحزابهم. والحقيقة هي أنهم يسيئون للتيار وللقائمين عليه. لن أخوض في نقاش قبضايات الأحزاب ذلك لأنني تناولت هذا الموضوع في مقال سابق في سياقه التاريخيّ في الحياة السياسية اللبنانية. ولكن ما يعنيني هنا هو هذا السلوك الخاطئ الذي طالني شخصيا أكثر من مرة، والذي لا يحترم الآخر وللسخرية هذا الاخر كان محسوبا عليه بالمعنى العاطفي، دون أي رادع اخلاقيّ او محاسبة من قيادة التيار. وهذا سلوك ينطلق من حادثة بسيطة ليعطي مثالا واضحا حول ضعف “تيار المرده” في المحافظة على مؤيّديه ومحبّيه، فكيف إذا كان هؤلاء المؤيّدون من خارج الجغرافيا السياسية والطائفية للتيار، وأكثر من ذلك، فهم ينتمون إلى عائلات سياسية في الضفة الأخرى من الوطن. وهنا أضع هذا الأمر في عهدة رئيس “تيار المرده” والنائب طوني فرنجية وأنا أكنّ لهما المحبة على المستوى الشخصي، لا سيّما أنهما يتحدّثان دائما عن كرامة أناسهم، فعساهما يعلّمان بعض أزلام جمهورهما عدم التطاول على الآخرين. وسأكتفي عند هذا القدر.

 

أما في الخطاب والأداء السياسي العام:

 

يشكّل انفجار مرفأ بيروت بالنسبة لي نقطة الفصل تجاه كلّ الأحزاب السياسية وليس فقط “المرده”. فأمام الاستهتار المستمرّ في تعاطي الطبقة السياسية مع هذا الموضوع ومنهم “المرده” لم يبق لأي منّا، نحن الذين لا ننتمي بالمعنى الحزبيّ إلى أي فريق أي مبرّر لأي منهم. لم يعتذر أحد ويقول “ما تواخذونا غلطنا” والمرده منهم هو الذي كان ممثلا لسنوات عدة في وزارة الأشغال التي تعتبر مسؤولة بما يتعلّق بالإهمال الوظيفيّ!

 

  1. في ما يخصّ الازمة الاقتصادية أو الانهيار الاقتصادي الذي نعيشه، بالطبع لا يتحمّل “المرده” المسؤولية المباشرة ولكنه في المقابل، كان شريكا أساسيّا في كلّ الحكومات والعهود والمجالس النيابية منذ الطائف حتى اليوم، أي حتى في هذا العهد الذي يعتبرونه الخصم الأول. بحثت عن أجوبة في خطاب “المرده”، فلم أجد إلا تحميل المسؤولية للعهد بكل شاردة وواردة ولعلّ الجملة الشهيرة “”نحن ما خصنا…عم نتفرج” تختصر الخيبة من الخطاب.

 

  1. في “سليمان عنا” على “الجديد” في العام ٢٠١٨، أشار رئيس “تيار المرده” بنوع من التبرير لكلّ الأخطاء التي اقترفتها الطبقة السياسية بأن المشكلة هي في النظام السياسي في لبنان. من هنا، اعتبر في ما معناه أنه من غير المفيد محاسبة الطبقة السياسية بسبب هذا النظام والأجدى هو الانطلاق من جديد بمبدأ “عفا الله عمّا مضى”. هذه الفكرة، كرّرها في مقابلته الأخيرة في برنامج “صار الوقت” عندما انتقد سلوك “التيار الوطني الحرّ بأنه يريد زجّ الجميع في السجون”. وهنا، بالطبع لا أؤيد للوطني الحرّ والتي سيتمّ تناولها في مقال لاحقا.

 

  1. ظهر في خطاب “تيار المرده” أكثر من مرة دعم للخصخصة وبيع أصول الدولة من باب الإصلاح. هذا الطرح قد يصحّ في بلاد لديها من الاستقلالية في القضاء ما يكفي لحماية الخصخصة من المحاصصة من قبل الأحزاب والمسؤولين في الدولة. أما في نظامنا هذا، فالخصخصة لن تكون سوى “تمريرة” للأحزاب التي سرقت ونهبت وهي مسؤولة عن هذا الانهيار الحاليّ.

 

  1. عاتبني كثر على قولي أكثر من مرة أنني كنت أعتقد أن “تيار المرده” يختلف عن الأحزاب الأخرى. صحيح أنه منذ العام ١٩٩٢ لم يصوّت لكل السياسيات الاقتصادية التي أقرّت في السابق لكنه لم يعارضها، وتحالف مع القوى التي اعتمدتها، وشارك في حكوماتها ولم يمارس المعارضة العلنية، لا بل كان مسّهلا لعدة قرارات بذريعة عدم لعب دور المعرقل وهذا باعتراف رئيس التيار.

 

  1. في انتخابات العام ٢٠١٨، رفع “تيار المرده” شعار “نحن مبارح ونحن بكرا”. خلال ٤ أعوام ماذا كان برنامج التيار؟ للأسف سقط التيار في فخّ الانفعال السياسيّ واختصر خطابه بالتعليق ومهاجمة خصمه أو منافسه في الحكم في حين لدى سليمان فرنجية كما طوني فرنجية أفكار وقوانين كنت أتمنى التركيز عليها إعلاميا. فالاختلاف والمنافسة هي في مشاريع القوانين والخطاب السياسي غير المنفعل، وفي إظهار تاريخ المرده وبرنامجه.

 

  1. عطفا على النقطة رقم ٥، يقول القيّمون على “المرده” أنهم لا يستغلون الاعلام لتسويق مشاريعهم. ولكن، إذا قمنا بنظرة سريعة على المؤتمرات والتصريحات والتغريدات لكلّ المسؤولين والقياديين في التيار، نراها تعجّ بردود الفعل بينما يغيب أي نقاش عن أي برنامج او عمل تشريعيّ باستثناء مشروع الكهرباء الذي تقدم به النائب طوني فرنجية مؤخرا ولا نعلم ماذا حلّ به.

 

إن “تيار المرده” جزء من هذا النظام. ولأنه يتفادى في سياسته الاشتباك السياسيّ،  نراه يبرّر قرارات عدة أو يصمت عن أخرى. في المقابل، أظهر التيار ازدواجية في التعامل مع قضايا عدة منها القضاء، وهي أيضا علّة الجميع في هذا النظام.

 

في تاريخ المرده نقاش يصحّ مثله مثل أيّ حزب حول القرارات والأداء وغيره. للشهيد طوني فرنجية وحميد فرنجية إنجازات كثيرة في الدولة طبعا لا يعلم بها إلا من أراد البحث عنها. في ال٢٠١٨، انتخب طوني فرنجية الحفيد وبعيدا عن اعتراضات الناس حول قضية الوراثة السياسية، كنت أتأمّل شخصيا وما زلت أن يترجم ما قرأته في الكتابات التاريخية عن “المرده” وما سمعته عن طموحه بالفعل وليس بالشعارات. لا يمكن لوم طوني فرنجية في ما وصل اليه لبنان بالطبع من انهيار وأزمات متلاحقة. ولكن، كان يمكن له أن يطوّر الأداء السياسي أو المقاربة السياسية في الكثير من الأمور، او بالحدّ الأدنى أن يحاول مع الوزراء الذين يمثّلون “المرده”، أن يقدّموا أداء يشبه الشعارات التي ترفع، ويشبه مناقبية آل فرنجية على المستوى الشخصي. وفي هذا الإطار، لا يمكن إنكار أو عدم الاعتراف بأنهم على المستوى الشخصيّ اكثر الناس مناقبية واحترام في التعامل مع الآخرين من كل الانتماءات دون استثناء. لكن للأسف منذ سنوات عدة ولأول مرة في تاريخ “المرده “يتمّ التصويب أو طرح علامات الاستفهام على عمل الوزراء ويدخل التيار في بازار الاتهامات بالفساد. ومن يعرف هذه العائلة عن قرب لا يطيب له هذا الاتهام لأنه ببساطة لا يشبههم.

 

كثر لا يعرفون في لبنان ماذا يعني الرأي الحرّ، وعدم الانتماء الحزبي أو تأييد تيار سياسيّ بعيدا عن العامل المناطقي والعقائدي وهي ليست تهمة ولا إساءة لمن يعتنق الفكر من مبدأ العقيدة والانتماء المناطقي.  ففي لبنان، لطالما قامت مناطق عدة على علاقة وجدانية وجودية بين السياسيّ أو العائلة السياسية والناس. ولكن، في الإطار الزمنيّ والوطنيّ يجب تطوير هذه الطبيعة اقلّه في مقاربة الملفات الوطنية وفي التعامل مع الآخرين وخاصة أن وسائل التواصل الاجتماعي اليوم والإعلام بشكل عام هو السلاح الأقوى في السياسة، وكلنا نعي تأثير الإعلام في قيام حروب وسقوط أنظمة حكم، وهذا أيضا تناولته في مقال سابق. كل كلمة اليوم تحسب، وكل تغريدة من هذا الفريق أو ذاك هو تصريح علنيّ يحاسب عليه. لذلك، بعد ٤ سنوات، عذرا “تيار المرده”.

 

محاضرة جامعية في الإعلام

 

باحثة دكتوراه في التاريخ والعلاقات الدولية

 

المؤسسة والمديرة التنفيذية ل “دياليكتيك”

زر الذهاب إلى الأعلى