ماذا بعد «اعتراف» زيلينسكي: باب «الأطلسي» مُغلق أمامنا؟
بقلم: محمد خروب

النشرة الدولية –

خسِر النازيون الجدد ورهط المتطرفين القوميين في أوكرانيا وخصوصاً «رئيسهم», الذي أوقع نفسه وشعبه وبلاده في حبائلهم وخضع لخطابهم القائم على التعصّب والعنصرية.

خسروا جميعاً رهانهم على الغرب الاستعماري, بعد أن صدّقوا بأنّ الذين خلعوا على أنفسهم صِفة «العالم الحرّ» سيلتزمون الوعود التي بذلوها لهم وضمان عضويتهم في حلف شمال الأطلسي، وما عليهم سوى الصمود أمام روسيا وتحدّي بوتين ورفض طلبه إلغاء الخطاب الذي قدّمته أوكرانيا للانضمام إلى الناتو رسمياً.

تنكّر زيلينسكي بـ”بزّة الجنرالات» فأوصل بلاده إلى حافة الهاوية، وها هو الآن يدعو «شعبه لأن يفهَم أنّ أوكرانيا لا يمكنها الانضمام إلى الناتو, كحقيقة يجب أن نعترف بها (كما قال حرفياً)، بل أضاف أنّ «على الأوكرانيين الآن أن يعتمدوا فقط على أنفسهم».

فهل يعتقد الرئيس الذي ترك «الفكاهة» لينخرط في العمل السياسي منذ انتخابه في العام 2019 أنّ اوكرانيا (والعالَم) بعد 24 شباط الماضي (بما هو اليوم الذي بدأت فيه موسكو عمليتها العسكرية الخاصة في الدونباس), هي أوكرانيا والعالم قبل ذلك التاريخ؟ وخصوصاً بعد عملية التحريض والتضليل الهوجاء التي شنّها المعسكر الغربي، وتحديداً أولئك في واشنطن الذين يريدون الطمس على الهزيمة, كما الانسحاب المذلّ من أفغانستان, وتخلّيها عن حلفائها الأوروبيين/الأطالسة الذين شاركوها أو قل خضعوا لأوامرها وذهبوا لقتال الأفغان, رغم أنّها ليست ?ن مهام هذا الحلف, الذي يزعم «أصحابه» أنّه حِلف دِفاعي، ناهيك عن أنّ أي دولة من أعضائه لم تتعرّض لغزو أو اعتداء من قِبل أحد, وفق ما تنصّ عليه المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي.

لم يتعِظ الأوكرانيون من عِبر ودروس التاريخ, كما هذه الوقائع التي ما تزال طازجة منذ الانسحاب الأميركي الفوضوي في 15 آب الماضي، ناهيك عن مرارة الخذلان الذي شعر به الأوروبيون وعبّروا عنه ببيانات غاضبة, دفعت كلّ من باريس وبرلين خصوصاً إلى الدعوة العلنية لتشكيل جيش أوروبي «منفصل”, يتولّى الدفاع عن أوروبا, بعيداً عن مظلة الأطلسي, الذي ثبت لهم أنّه حِلف لا يأتمر سوى بأوامر واشنطن ولا يعمل إلا وفقاً لمصالحها. رغم أنّ الرئيس بايدن وبعد انتخابه, أطلق شعارات وألقى بيانات في عواصم أوروبية فاخرَ فيها بأنّ «أميركا عادت ?أوروبا”, وأنّ خطواته وقراراته ستختلف عن تلك التي بدأها أو سعى إليها سلفه ترمب, الذي كان قال ذات تصريح: إنّ حلف الأطلسي بات من الماضي، فيما وَصفَه الفرنسي ماكرون بأنّه/الناتو «أُصيب بشلل دماغي».

لن تتراجع أو ترتخي سطوة الهيمنة الأميركية المُطلقة على حلف الأطلسي، بل ثمة أصوات مُرتفعة الآن تتغنى بمقولة المُتطرفين وأصحاب الرؤوس الحامية, بانّ «غزو» بوتين لأوكرانيا أفاد الأطلسي, الذي بات اليوم مُوحداً وأقوى من أي وقت مضى. لكن السؤال يبقى الآن «أوكرانِيّاً». بمعنى.. ماذا يفيد ذلك أوكرانيا بعد أن تأكّد رئيسها كما شعبها, وأولئك أصحاب الخطاب القومي المُتطرف ونظرائهم من المدافعين عن الفكر النازي المتجدد, الذين ظنّوا أنّ الأطلسيّ سيحميهم وسيقف من خلفهم داعماً ومُدافعاً ونصيراً، فإذا بهم الآن «وحدهم”, ولم يتس?ّب بوتين أو روسيا بذلك, بل هم الذين أوصلوا أنفسهم إلى هذا المأزق الخطير, الذي ستترتب عليه أكلاف باهظة.. سياسية وجغرافية وخصوصاً اقتصادية بل وربما وجودية، رغم كلّ ما يُطلقه بايدن وبلينكن وماكرون وساكِن 10 داوننغ ستريت في لندن، ناهيك عن الذين يريدون تصفية حساباتهم «التاريخية» القديمة مع روسيا، في بولندا وتشيكيا وسلوفاكيا ودول البلطيق الثلاث.

يُحسِن الرئيس الأوكراني صنعاً ووفده المفاوض.. لشعبه وبلاده, إذا ما انخرطوا جدياً وبنِيّات حسنة في مفاوضات عميقة ومثمرة مع الجانب الروسي، وعدم التمسّك بأوهام وخزعبلات ظنّوا أنّ بمقدورهم تحقيقها, اعتماداً على وعود خُلّبِيّة من المعسكر الغربي بقيادته الأميركية, صاحبة الإرث الكبير في التخلّي عن حلفائها، ما بالك عن أدواتها وأتباعها؟

 

 

Back to top button