نيفين شلبي ترفع شعار النبش في المسكوت عنه

فيلم "النهارده يوم جميل" فيلم يفضح عورات المجتمع

النشرة الدولية –

تتحرّك المخرجة المصرية نيفين شلبي مسكونة بهواجس بنات جنسها للحديث عن معاناتهن في مجتمعات ذكورية، وتصوير أهم القضايا المسكوت عنها التي تعاني منها النساء منذ عقود، فتجعل من أفلامها الجريئة صوت من لا صوت لهن وسلاح المرأة مصرية كانت أو عربية لتوجيه الرأي العام إلى مواضيع صار من الضروري إيجاد حلول لها تضمن للمرأة حقوقها وخاصة في مؤسسة الزواج.

لم تخصص السينما المصرية -طوال عقود- فيلما بأكمله للحديث عن ظاهرة الاغتصاب الزوجي وتوضيح التعاطي القانوني والمجتمعي معها، وحتى وإن طُرح الأمر فقد كان في أغلبه حدثا ضمن سلسلة من العلاقات المتشعبة داخل الفيلم دون تركيز على انتفاض المرأة ضد سطوة الزوج.

ومن الأفلام التي تطرقت لهذا الموضوع هي في أغلبها الأعمال السينمائية المنتجة في فترة الستينات والخمسينات مرورا بفترة التسعينات مثل أفلام “الآخر” ليوسف شاهين (1999)، و”سيدة القصر” للمخرج كمال الشيخ (1958)، و”العائلة الكريمة” لفطين عبدالوهاب (1964)، وكذلك تناوله فيلم “لوعة الحب” للمخرج صلاح أبوسيف (1960)، وفي مجملها كان تناول هذه الأفلام وغيرها لمسألة الاغتصاب الزوجي سطحيا وسريعا وربما يعود ذلك إلى طبيعة الزمان والثقافة السائدة آنذاك.

وربما يكون أيضا لعدم وجود السوشيال ميديا ومواقع التواصل دور كبير في عدم تسليط الضوء على تناول الأفلام لقضية الاغتصاب الزوجي رغم تحقيقها انتشارا وشهرة واسعة جعلتها من أيقونات السينما العربية.

ويعد فيلم “النهارده يوم جميل” للمخرجة المصرية نيفين شلبي أول فيلم سينمائي مصري يناقش أزمة الاغتصاب الزوجي بشكل حقيقي وواقعية وبكل جرأة، وهو ما يمثل نقلة نوعية في السينما على مستوى طرحها ومعالجتها لقضايا المجتمع المخفية والمسكوت عنها، خاصة في ما يتعلق بالعلاقات الزوجية، المشكلة التي يجتنب طرحها بشكل مباشر وصريح، وتسكت عنها السينما والدراما مثلما يسكت عنها المجتمع ويجبر الزوجات ضحايا الاغتصاب على الصبر والاحتساب، كما تناول الفيلم ظاهرتي التنمر والمراهقة المتأخرة.

والفيلم من بطولة باسم سمرة وهنا شيحة ونجلاء بدر وأحمد وفيق وإنتاج شريف مندور وعن المجموعة القصصية “سوء العرسان”.

وفي هذا الفيلم الذي رفضت الرقابة المصرية طرحه في صالات السينما، تنتصر نيفين شلبي لبنات جنسها، إذ تتجول كاميراتها بين نماذج من بيوت قد تكون في ظاهرها مصرية لكنها تنسحب على كل العالم العربي، وهي بيوت تستحقر المرأة وتستضعفها وتقهر فيها قوّتها وطموحها وحتى رغبتها الجنسية والعاطفية.

وتؤسس نيفين شلبي لطرح موضوع الاغتصاب الزوجي من خلال شخصيات وعلاقات متشعبة تجتمع في ما بينها بخيط مهني حيث تعمل كل الشخصيات في أحد فروع البنوك المصرية، ومن هذه الشخصيات سميحة (هنا شيحة) الموظفة الملتزمة، وهي امرأة لها كيانها المادي وعاملة ومثقفة لكنها تتعرض للاغتصاب الزوجي ولا تملك القدرة على الدفاع عن نفسها، وحتى خالها وهو ولي أمرها الوحيد، فلا يسمعها سوى “الله يهدّي سرّكم” ردا على تعرضها اليومي للاغتصاب.

وسميحة هنا نموذج يوجد منه الكثير في مجتمعاتنا العربية، وهي وإن كانت مستقلة ماديا إلا أنها لا تجرؤ على اتخاذ قرار الخلع من زوجها إلا بعد تعرضها للإجهاض وفقدانها للقدرة على الإنجاب. ورغم قرارها المتأخر، تظل خائفة من الذكور في حياتها، من خال انتصر للزوج بتعلة أن المرأة المحترمة لا تعصي زوجها، ومن زوج لم يقتنع بتعليمات طبية، لا بل يبدو للجميع أنه ملتزم متدين ومحترم حتى أن لا أحد يصدق ما يحدث داخل منزله.

وفي رحلتها لافتكاك حقوقها، تعري سميحة خور القانون المصري الذي لا يعتبر الاغتصاب جريمة يعاقب عليها إلا حين تتعرض لها المرأة من طرف شخص آخر غير الزوج، حينها فقط قد تصل العقوبة إلى السجن المؤبد، لكن في إطار مؤسسة الزواج لا يعتبر هذا الفعل “جريمة” عملا بمقولة “كل ما أحلّه الله لا يحرّم أبدا”.

مجتمع يسيّره الرجال
مجتمع يسيّره الرجال

وتكشف نيفين شلبي من خلال حوار قام على المباشرة بين الضحية والرائد في مركز الشرطة أنه لا وجود لنص قانوني يمكنه مناصرة الزوجة المُغتصبة ما لم يخلف لها الاعتداء عاهة مستديمة.

والمخرجة بتأسيسها لحوار مباشر أحيانا ومبطن في أحيان أخرى، تنتصر لحقوق المرأة التي هي حقوقها أيضا، وتشرّح كل أنواع العنف المسلّط على النساء.

وبالفعل فإن قانون العقوبات المصري لم يذكر مسمى “الاغتصاب الزوجي” ولم يشتمل عليه صراحة برغم تناوله لجريمة الاغتصاب في عمومها المطلق في المادة 267 التي تنصّ على “أن من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد”.

والملاحظ أن هذا النص قد جاء عاما مشتملا على كلمة أنثى ولم يتم عليه استثناء على غرار العديد من التشريعات العربية التي أوردت استثناء على هذا النص أن من واقع أنثى غير زوجته أو من أكره غير زوجته، ورغم أن هذا الأمر بمفهومه الواسع قد يجعل الاغتصاب الزوجي مدرجا بقانون العقوبات المصري دون حاجة إلى نص خاص، إلا أن القضاء لا يعتمده لإدانة المغتصب بل يظل الحكم اجتهادا فرديا من القضاة تتحكم فيه قناعاتهم الشخصية، بالإضافة إلى أن تناول العديد من النصوص الجنائية في قانون العقوبات المصري للعنف الأسري جاء خاليا من نصوص صريحة قاطعة الدلالة على تجريم مفهوم الاغتصاب الزوجي.

في رحلتها لافتكاك حقوقها، تعري سميحة خور القانون المصري الذي لا يعتبر الاغتصاب جريمة يعاقب عليها إلا حين تتعرض لها المرأة

وتتماهى الألوان المستعملة في الصورة مع ثيمة العمل وتركيبة الشخصيات المعقدة والمضطهدة في أغلبها والمهووسة بالجنس في عالم يكبت الإنسان ويستنكر الشذوذ ممن توحي مظاهرهم بالرقي والتدين والالتزام والاحترام.

وكانت اللقطات الأكثر توظيفا في الفيلم، لقطات قريبة جدا وأخرى واسعة. وتكشف الأولى المعاناة والرغبة في الانتفاض التي تبوح بها وجوه الأشخاص وخاصة أعينهم، “فالعين مرآة القلب” هنا، بينما تظهر اللقطات الثانية صورة العائلات والأفراد من بعيد كما يراها الآخر الذي لم يتكشّف بعد على “أسرار البيوت”.

ويذكر أن فيلم نيفين شلبي اختير للمشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان هوليوود للفيلم العربي 2022، ويأتي ذلك بعد أيام من عرضة في افتتاح المهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان في تونس بدورته السابعة يوم الثامن مارس احتفالًا باليوم العالمي للمرآة.

Back to top button