المدرّسة و«لوبون»
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

تتسم مجتمعات الدول الإسلامية بقدر كبير من التدين الذي تراه على وجوه الناس وشعارات الجدران، وأسماء الأشخاص والأماكن، وكثرة دور العبادة، ومن خلال وسائل الإعلام، وما يتخلل كلام الناس من كلمات دينية دائمة التكرار واستخدام الغليظ من القسم لإظهار المصداقية. كما نجد المساجد عامرة، وبالذات في المناسبات الدينية، ونجد تدافعاً في أداء فريضة الحج، والصيام شبه متبع من الجميع، والصلاة تقام في مواقيتها، وصوت المقرئ يسمع في الشارع وسيارة الأجرة، وداخل محل خياطة الملابس ولدى بائع العصير، وغير ذلك، ولكنها تبقى مظاهر، فالجوهر مختلف تماما، والكل يعرف عنه، ولكن لا أحد تقريباً يريد الحديث فيه.

***

انتشر فيديو على وسائل التواصل يبين تجمعاً نسائياً ورجالياً غاضباً يحاول دخول مبنى مدرسة وسيارة الشرطة وعدد كبير من رجالها يحاولون منعهم من ذلك، والقبضات ترتفع مهددة والأصوات تتعالى بالمسبات، وفجأة تخرج امرأة محجبة من المبنى، وتدلف بصعوبة في سيارة الشرطة التي تنطلق بها، تلاحقها اللعنات والحجارة، ويستمر الوضع متوتراً بين الشرطة والأهالي، الذين تبدو على محياهم جميعاً مظاهر الورع والتقوى من ملابس النساء، وبعضهن منتقبات، والزبيبة المرسومة على وجوه الرجال، ونكتشف بعدها أن المرأة التي نالتها بضع لكمات قوية، وكان من الممكن جدا أن يمزق، رجال ونساء ذلك التجمع المتدين، ملابسها، وتُقطع أوصالها وتُقتل بدم بارد وغاضب، ليست سارقة ولا متهمة بتفجير مسجد، ولا قاتلة، بل مدرسة في مدرسة إعدادية «رفضت السماح لطالباتها بالغش»!

فكان ذلك التجمع، الذي بدا ورعاً وتقياً ومؤمناً، حتى النخاع، في مظهره، ولكن داخلياً وخارجياً كان على استعداد لقتل مدرسة، لأنها «أصرت» على تربية أبنائهم على عدم الغش!

هذه التصرفات الغريبة والقاتلة، والمتناقضة مع كل منطق ومع الإنسانية، لا يمكن أن تجدها في أي مكان غير دولنا، المؤمنة.

وفي فيديو كليب مشابه نرى عدداً من أولياء أمور طلاب أو طالبات مدرسة ما في مصر، وبالسحنات نفسها ومؤشرات وعلامات الإيمان بادية على وجوههم، يقفون على الرصيف المقابل للقاعة التي تؤدى فيها الامتحانات. ويبدو أن طرفاً ما هرّب لهم أسئلة الامتحانات، فقام كل أب وأم وأخت، وهم يحملون نسخاً من الكتب المدرسية، وفي منظر مثير للضحك والبكاء في الوقت نفسه، ولا يمكن تصور رؤيته إلا في دولنا التعيسة، يرفعون الصوت عالياً بأجوبة أسئلة الامتحان من على رصيف الشارع، من الكتب المدرسية، لكي تسمعها ابنتهم أو ابنهم «الأمين» ويحقق العلامة الكاملة، بالغش!

منظر تعيس ومؤلم، ويذكرني بمقولة «غوستاف لو بون»: «.. الشعوب المتدينة لا تشعر مجاميعها بتأنيب الضمير عندما تقترف أو ترتكب خطأ أخلاقياً أو قانونياً، لأن هؤلاء نشأوا على مفهوم أن العبادة تمحو الذنوب»!!

لا أدري ما الذي نتوقعه من الأجيال القادمة، وتحديات الحياة تزداد صعوبة امام «شعوبنا» كل يوم؟

زر الذهاب إلى الأعلى