الأم كل يوم…. يوم الأم العالمي..
بقلم: د.دانيلا القرعان
النشرة الدولية –
بدايةً أبارك للأمهات بكل مناسباتهن الحلوة، لكن هناك كثير من الناس من يرى أن الإحتفال بـ «يوم الأم» في كل عام يعدّ فرصة مواتية للتعبير العلني عن الحب الإستثنائي الجياش الذي يكنه معظمنا لـ (الأم) التي تمجدها الديانات والأعراف قبل أن تقرر الأمم المتحدة تخصيص يوم عالمي لها، وهي حقاً كذلك، فمن المؤكد أن هذا اليوم لم يسن الا لإهميته حتى بات موعده عند البعض تذكير موسمي بـ (الأم). وهنا، علينا الإعتراف، شئنا أم أبينا، أنها مناسبة تحولت للأسف مع الأيام الى موعد وحيد للإحتفال بـ ست الحبايب، رغم تحفظ البعض بإعتباره مجرد عادة دخيلة تؤكد إجحاف المجتمع بحق من تستحق الحب والتقدير كل العمر وليس في يوم محدد.
المهم، من وجهة نظري المتواضعة، وادراكاً مني أن الأم بكل ما تحمله من معاني للحب والعطف والحنان والإهتمام والرعاية، وبكل ما توصف به من كلمات بالقرب والمودة والرحمة والاخلاص الذي تبذله لأجل أسرتها، ستظل المخلوق العظيم بلا منازع، وأن الأعظم هي مشاعرها الإستثنائية التي تبثها لإسرتها من غير كلل وملل ونفاق ورياء ودون إنتظار شكر من أحد.
أما الحزن والحسرة فهما لمن ليس لديه أم، نعم، الخاسر هو من يفتقد لمشاعر الأم الحانية الرقيقة الجياشة ذات القلب الحنون العطوف بلا حدود، وهو المتألم الوحيد لغياب صاحبة الكتف والحضن الدافيء الذي يمكن أن يركن اليه بعد الله للتخفيف عن همه وغمه وإبدال دموعه وأحزانه الى ضحكات وسعادة، والخسران الأكبر لفاقد أمه وهو على كبر، المتزوج الأن ولديه شريك وأبناء، فعلاً هنا الألم بعينه.
أما نحن الكبار، وبعد أن كبرنا، وجدنا أن حب (الأم) مزروع في قلوبنا ولا يمكن لنا استبداله بأي حب أخر ما دام عرق الحياة ينبض فينا، فما بال من فقد أمه وتيتم وهو صغير؟ أقسم أننا لن نجد في كل قواميس اللغة ولو كلمة واحدة يمكن أن تترجم لنا مشاعر هذا اليتيم حين يتذكر أمه.
أقول لمن ينوي اليوم الإحتفال بـ «يوم الأم» وأمه تعيش بين ظهرانيه، إحتفل كما تريد، لكن، هل أنت فعلاً باراً بأمك؟ هل تُحسن معاملتها؟ أقول هذا لأني قرأت عن فتاة مراهقة أحضرت لأمها هدية يوم الأم، وفي اليوم التالي مباشرة صرخت في وجه امها وكلمتها بأسلوب لا يليق لسبب تافه، مما سبب للأم إرتفاعاً في الضغط قامت على اثره برمي هدية ابنتها وكأنها تقول ما معناه: لا أريد هداياكِ طالما أنتِ هكذا، وإنفجرت بالبكاء.
للأسف، الحال لا تسر هذه الأيام، لكن يبقى السؤال، هل «يوم الأم» مناسبة لتقديم الهدايا فحسب؟ هل تقديم الهدية يعني أن الهادي قد عمل ما عليه ونجا من تأنيب الضمير؟، أجيب، طبعاً لا، فهذا لا ينطبق على أهل الشرق بقدر ما ينطبق على أهل الغرب الذين لا يتذكرون أمهاتهم الا في هذا اليوم، يأتوا ويسلمو هداياهم ثم يرحلون، ودون إحساس ومشاعر طيبة وحنونة، هنا علينا أن نفتخر بوصايا ديننا الحنيف الذي ميزنا عن تلك العوالم، وجعلنا نقدر الام في كل الأوقات، لكن للإسف لا تزال قلة من تحاول تقليد الغرب في طقوسه.
بإختصار، واستناداً لقيمنا الشرقية والتراثية والدينية، لا يجوز لنا أن نحصر الاحتفاء بالأم في يوم واحد بالسنة، لأن من حقها علينا أن نرعاها ونعتني بها ونقوم على طاعتها في غير معصية في كل زمان ومكان، لذا، وفي ظِلال يوم الأم هذا، أدعو الى الإحسان للأم في كل وقت وحين، فمن كانت أمه من الأحياء فليغتنم وينعم بفرصة وجودها، ومن كانت من الراحلات، فليدعو لها ويترحم عليها، ما عدا ذلك، يكون الأمر قد خرج من ايدينا وجعلنا نتظاهر كالغرب أن يوم الأم عبارة عن يوم للبهرجة فقط، اللهم إشهد فإني قد بلغت.