مجرمو الحرب بين الجَدّ واللعب
بقلم: أ.د. غانم النجار

النشرة الدولية –

لا حرب عادلة إلا الحرب الدفاعية، فالدستور الكويتي مثلاً يحرّم الحرب الهجومية مطلقاً، كما أن الاحتلال مرفوض أياً كان مسماه، وإن كان ذلك نظرياً لدى الكثير من الدول، فهو ليس كذلك بالنسبة إلى الكويت، الدولة الصغيرة، وبالتالي جاء الموقف الرسمي الكويتي متسقاً مع المبدأ العام، فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية.

فإن كانت بعض الدول قد اتخذت موقفاً مؤيداً، أو متوسطاً، للحرب، أو الغزو، أو كما تسمّيها الأوساط الروسية والسورية “عملية عسكرية خاصة”، فذلك شأنها السياسي، ولا علاقة له بمبادئ الأمم المتحدة، ولكن بمصالحها السياسية، وهي مسألة لن تكون ثابتة، بل متغيرة حسب مَن يكون الضحية ومَن يكون الجلاد، والظروف المحيطة، وهو موقف يتحول إلى فخ لا قرار له كلما ابتعد عن المبدأ الأساسي.

ولأن الحروب مدمرة بطبيعتها، ومَن يتحمل معاناتها الإنسانية هم الناس العاديون، فقد نشأت منظومة القانون الدولي الإنساني، أو قانون الحرب، لإلزام الدول بمجموعة من القواعد الحاكمة، التي تحمي البشر والأرض والضرع، والتي لا يتم الالتزام بها كما ينبغي.

في الحرب الأوكرانية، هناك الكثير من الأمور التي تحدث للمرة الأولى، ولذلك حديث آخر. أحدها كان اتهام الرئيس الأميركي، في تصريح عابر للرئيس الروسي، بأنه مجرم حرب. فالمصطلح له إشكالياته، ليس لأنه غير صحيح، ولكن لأنه أطلق تهمة، قد تنعكس بسهولة عليه، أو على دولته. ولأن الاتهام كان مرتبكاً، وخارج السياق، فقد كان الردّ الروسي مرتبكاً ومفاجئاً، انطلاقاً من أن أميركا متهمة بجرائم حرب لا تُعد ولا تُحصى، أو حسب المثل “مَن كان بيته من زجاج فلا يقذف الناس بالحجارة”، مع أنه تم تصنيع الزجاج ضد الكسر وضد الحجارة، بل وضد الرصاص، ولكن لا بأس، فالأمثال تتعامل مع الحالة الراكدة لا المتغيرة.

أما ما هو أهم من سلوكيات الدول الكبرى العدوانية، والجرائم ضد الإنسانية، هو مَن، وكيف يتم تحديد مجرم الحرب، وما هي الجهة التي ستتعامل مع تلك الجرائم، وكيف يتم المحاكمة، ومن سيقوم بالتنفيذ، وماذا لو تمت تسمية مسؤول كبير مهم في بلد قوي له نفوذ، أو تحميه دولة كبرى ذات نفوذ؟ وهل بالإمكان أن يتم تنفيذ حكم المحكمة، في حالة انعقدت لها الولاية القضائية؟ أم أنها مصطلحات مستخدمة في سياقها السياسي، وليس للبعد الإنساني فيها أي معنى؟ وللحديث بقية.

Back to top button