من يقبل التحدي؟
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

لم تحدث عملية «تحرير دولة» من نير الاحتلال، في تاريخ العالم الحديث، كما حدثت ملحمة تحرير الكويت، عندما شاركت 34 دولة، وجميعها تقريباً دول ثرية بكل شيء، وديموقراطية وحرة، وبعضها دفع مليارات الدولارات في شكل هبات، وأخرى شاركت بنصف مليون مقاتل، وتحملت جزءاً كبيراً من تكاليف الحرب وفقدت أرواح أبنائها، وكانت وراء كل هذا «الزخم والتعاطف الدولي»، غير المسبوق، أسباب، فمن الاستحالة كسب كل هذا العدد من الدول للمشاركة في حملة دولية لتحرير دولة صغيرة لا يزيد عدد مواطنيها على 1.2 مليون نسمة، لولا وجود أسباب منطقية وإنسانية، عنت الكثير لها، ومنها:

1 ــ رفض العالم لغزو واحتلال دولة كبيرة أو قوية لدولة أخرى مستقلة، وعضو في الأمم المتحدة، عن طريق القوة أو عن أي طريق آخر.

2 ــ كراهية دول العالم لنظام الدكتاتور صدام، وشخصيته المجرمة.

3 ــ رفض صدام الانصياع لكافة القرارات الدولية بالانسحاب.

4 ــ استمرار عمليات التخريب وقتل المواطنين الكويتيين، وتهجير الملايين من سكان الكويت وترويعهم وسرقة ممتلكاتهم وممتلكات الدولة.

5 ــ (والأهم) شرعية نظام الحكم في الكويت واحترام قيادتها للمواثيق الدولية ولكرامة شعبها والتزامها مبدأ العدالة والديموقراطية.

***

لاشك أننا، منذ التحرير وحتى اليوم، ابتعدنا تدريجياً عن الكثير من مُثُلنا، وثوابتنا، كدولة ديموقراطية حرة تحكم بالحزم والعزم والعدالة، وهي الفضائل التي دفعت أفضل دول العالم لأن تسارع لتحريرنا، بعد أن أصبحنا، مع الوقت، نتقبل تجاوزات «الكبار» ونحاسب الصغار على أكثر القضايا سطحية. كما شاركت حكوماتنا ومجالس الأمة المتعاقبة في هذا الابتعاد، حيث رأينا أحكاماً غريبة وعجيبة تصدر عن مختلف المحاكم، وغالباً بسبب نقص التشريعات، وعدم وضوح نصوص ما صدر من قوانين، وما اكتنف بعضها من عوار تشريعي، ومع هذا لم يكترث لا الوزراء ولا المشرعون قبلهم بالتدهور التدريجي للأوضاع، والتفتوا كلياً إلى إصدار القوانين والقرارات التي تكسبهم قلوب وبطون وجيوب ناخبيهم بدلاً من عقولهم ومستقبل أبنائهم ورخاء وديمومة وطنهم!

كما تقاعست السلطتان عن وضع الحلول الناجعة للقضايا الخطيرة، كمشكلة «البدون» ومزدوجي الجنسية، والتركيبة السكانية، والشهادات المزورة، والوضع الاقتصادي المتردي، والخراب الإداري الذي عجزنا، طوال سنتي الكورونا، وقبلها بثلاثة عقود، عن وضع الحلول لترديها. ولا ننسى في هذه العجالة ذكر القضية الأهم والأكبر والمتعلقة بتدهور التعليم، وتردي أخلاق النشء للدرك الأسفل.

***

يجب أن تعي الحكومة جيداً حقيقة أن صورتنا كدولة ديموقراطية تؤمن بالقانون والعدالة قد تعرضت للتشويه، بسبب سوء تصرفات بعض سلطاتنا، ولو تعرضنا اليوم للغزو فستتردد غالبية الدول التي شاركت في تحريرنا في فبراير 1991 في المشاركة ثانية في أية حملة!

إن الوطن في أشد الحاجة إلى إعادة الدماء لوجهه، وهذا لا يمكن أن يتحقق بغير تطبيق القانون على الجميع، من دون استثناء، ولنا في الراحل الكبير عبدالله السالم القدوة الحسنة، يوم لم يتردد في الطلب من أقرب الناس إليه ترك البلاد.

نحن دولة صغيرة وغنية، ولكن لا صغرنا ولا كل ثرائنا يمكن أن يكسبانا احترام العالم، مهما دفعنا من مساعدات وبذلنا من معونات، بل احترامنا لأنفسنا ولقوانيننا، وتطبيقها بحزم وعدالة من دون تردد ولا تراخ، فهذه هي الأمور الضرورية التي يجب الالتفات إليها من خلال خطة واضحة، تضع الحلول لكل مشاكلنا المستعصية منذ عقود، والتي لا تحتاج إلى غير من يتخذ القرار بشأنها ويتمسك به!

دستورنا هو الحائط الحامي لنا جميعاً، ومن دون تطبيق بنوده بأمانة وصدق، فإننا سنفقد ما تبقى من احترام بعضنا لبعض، وتالياً احترام العالم لنا!

زر الذهاب إلى الأعلى