الممرضات والحمام الليبي
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
قامت السلطات الليبية في عهد الدكتاتور القذافي بتوجيه تهم خطيرة لخمس ممرضات بلغاريات وطبيب فلسطيني، كانوا يعملون في مستشفى للأطفال في بنغازي، لقيامهم بحقن 426 طفلاً ليبياً بدم ملوث بفيروس الإيدز(!!)
استمر الجدل في القضية، ومحاكمات ومفاوضات، لثماني سنوات، وانتهت المأساة بعد ثماني سنوات بتسوية قضت بالإفراج عن المتهمين الستة، بالرغم من صدور أحكام من القضاء الليبي «العادل» بإعدامهم جميعاً، وقيل حينها إن الإفراج تم نتيجة ضغوطات قوية من الاتحاد الأوروبي.
***
أغلق الملف لخمسة عشر عاماً، بعد أن تبرعت دول أوروبية بمبلغ 600 مليون دولار تقريباً لذوي الأطفال الضحايا.
حار العالم أجمع حينها لسخافة الاتهام، وتساءل الجميع عن مصلحة أو هدف الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني من حقن أطفال أبرياء بحقن ملوثة، ولكن لا القضاء الليبي ولا حكومة الدكتاتور القذافي استطاعا الخروج بأي تبرير حتى نصف منطقي لنوايا «المتهمين»!
بعد انهيار حكم القذافي، ذكر شكري غانم، الذي كان رئيساً للحكومة الليبية في الفترة من 2003 وإلى 2006، في مذكرات عثر عليها عام 2012، وجود دور لاثنين من رجال الاستخبارات الليبية في حقن الأطفال بالدم الملوث. وأن رئيس الاستخبارات العسكرية الليبية، عبدالله السنوسي، روى له، خلال استجوابه أمام لجنة التحقيق، أنه حصل مع موسى كوسا، رئيس الاستخبارات الليبية يومها، على 31 زجاجة صغيرة تحوي الفيروس، وان السنوسي وكوسا هما من «حقنا الأطفال بالفيروس» (!!).
ما ورد في مذكرات «غانم» دفع الممرضات الخمس إلى المطالبة بتعويضات ضخمة من الحكومة الليبية، نتيجة تعرضهن للسجن والاغتصاب والتعذيب لثماني سنوات، ولا يعتقد أنهن حصلن على شيء!
***
مرت الأشهر والسنوات وتغيّرت أمور كثيرة، ليخرج علينا مؤخراً وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم، في مقابلة مع عمار تقي، مقدّم برنامج «الصندوق الأسود»، بتصريح مثير وغير مسبوق، وأقرب للقبول من كل ما سبق من روايات عن الكيفية التي أطلق فيها سراح الممرضات البلغاريات الأربع، والطبيب الفلسطيني! حيث تبيّن، من حديثه، وما حصلتُ عليه من قراءاتي في القضية، أن «سيسيليا»، زوجة الرئيس الفرنسي ساركوزي، تدخلت لدى القذافي لإطلاق سراح السجناء الستة، فطلب منها أن تدفع «حكومة زوجها» مبلغ 480 مليون يورو، أو 600 مليون دولار تعويضاً لأهالي الأطفال الذين أصيبوا بالإيدز، للإفراج عن المساجين، إلا أن ساركوزي رفض الاستجابة للطلب، لأسباب معروفة، فتم الاتصال بقطر لتتوسط في القضية.
ذكر ابن جاسم في المقابلة أن المسؤولين الليبيين زعموا أنهم يريدون منهم فقط إظهار «شيك» بالمبلغ أمام القذافي، ليتم إطلاق سراح المساجين الستة، ومن بعدها سيعيدون الشيك لقطر بعد 72 ساعة (!!)، ويقول ابن جاسم إنه صدّق ذلك الوعد، وتم إصدار الشيك وأطلق سراح الممرضات والطبيب، ولكن الشيك بقي في ليبيا وقبض ثمنه كاملاً، وأيضاً بعد 72 ساعة، وحدث كل ذلك وابن جاسم في إجازة بمدينة «كان»!
لم يتردد ابن جاسم في المقابلة من الاعتراف بأن الجانب الليبي خدع القطريين بصرف «الشيك» وضحك عليهم. وللتخفيف من وطء كم السذاجة في هذه القصة، الحقيقية غالباً، والتقليل من حجم الخسارة أو الفضيحة، ذكر ابن جاسم أن الإمارات أيضاً تعرّضت لعملية خداع مماثلة، بمبلغ مشابه، ومن ليبيا أيضاً!
***
هكذا تدار الأمور في بعض الدول، ثم نأتي ونشتكي من أفعال الاستعمار والصهيونية!
يقول المثل المصري: «اللي عنده مال ومحيره، يشتري حمام ويطيره»!