طموح بوتين ورهان الغرب: “كعب أخيل” القوى الكبرى
بقلم: رفيق خوري

إما أن يفقد الرئيس الروسي رضا النخبة وحمايتها فتنقلب عليه وإما أن تحدث ثورة شعبية من الغاضبين

النشرة الدولية –

الغرب يراهن على ثلاثة أسلحة في مواجهة الهجوم الروسي على أوكرانيا من دون صدام عسكري مباشر: المقاومة الأوكرانية، العقوبات، والانعكاسات على الوضع الداخلي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وموسكو تتحدث على الطريقة الإيرانية. طهران تبالغ في قوتها وضعف خصومها، تشكو من العقوبات الأميركية، ثم تدّعي أن العقوبات “فرصة” أمامها ليصبح اقتصادها أقوى بالاعتماد على الذات. وموسكو اصطدمت بحدود قوتها التقليدية وخطأ حساباتها حول القدرة العسكرية لأوكرانيا، من دون أن تتراجع. ولا شيء يمنعها من التصعيد إلى الحد الأقصى، كما تفعل أي دولة كبرى. تقول بلسان الوزير سيرغي لافروف إن العقوبات الغربية ستجعل “روسيا أقوى”. ويرى الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف أن حكومات الغرب في ورطة لأن شعوبها ستطالبها بأن تدفع “ثمن الفاتورة” جراء التأثر بالنتائج العكسية للعقوبات ونقص الغاز والنفط والقمح وارتفاع الأسعار.

لكن الغرب يزيد من تقديم الأسلحة “الفتاكة” لأوكرانيا. وهو يتصرف على أساس أن الاقتصاد هو “كعب أخيل” بوتين. ففي كتاب “صعود القوى العظمى وسقوطها”، يقول المؤرخ بول كينيدي إن أساس الاستراتيجيات هو “القوة والثروة. القوة تحمي الثروة. والثروة تموّل القوة. وأي خلل يقود إلى السقوط”.

وفي التاريخ القريب، فإن مشروع “حرب النجوم” الذي عمل له الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، دفع الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف إلى سباق تسلح مع الولايات المتحدة، كان تحته اقتصاد ضعيف لم تكتمل “البريسترويكا” أي إعادة البناء التي أعلنها في إنقاذه، وسط تسارع حركة “غلاسنوست” أي الشفافية وتخفيف القمع وقبضة الحزب الشيوعي. وهذا ما قاد إلى انهيار الاتحاد السوفياتي من الداخل. والتصور الحالي في عواصم الغرب هو أن العقوبات الكاسحة والشاملة مرشحة لكسر قدمَي الاقتصاد الروسي الضعيف الذي يعتمد على النفط والغاز فحسب، ويوازي ناتجه القومي حجم الناتج القومي الإسباني. وإذا ما أضيف المستوى المرتفع للخسائر العسكرية على الجبهة وأثرها في عائلات القتلى والجرحى من القوات الروسية إلى عجز الاقتصاد عن تمويل الحرب، فإن بوتين سيصطدم بمفاجآت كبيرة.

وهذا ما يقود إلى السلاح الثالث الذي يراهن عليه الغرب. فبين مدارس الخبراء في الشؤون الروسية واحدة تحدث عنها تيموثي فراي في مقال نشرته “فورين أفيرز”. خلاصة الرأي في هذه المدرسة هي أن “بوتين يواجه، مثل أي أوتوقراطي شخصاني، خطر انقلاب من فوق وثورة من تحت”. كيف؟ بوتين يرضي النخبة المحيطة به والمقربة منه بالامتيازات ويسمح لها بالفساد واكتساب الثروة، ويحاول في الوقت ذاته إرضاء الناس بتحسين الوضع الاقتصادي ومكافحة بعض الفساد على حساب النخبة. لكن أثقال الفاتورة الكبيرة في الحرب والعقوبات الاقتصادية تحول دون القدرة على تحقيق الأمرين معاً. والتوقع هو: إما أن يفقد بوتين رضا النخبة وحمايتها فتنقلب عليه، وإما أن تحدث ثورة شعبية من الروس الغاضبين مهما تكُن أدوات القمع قوية.

وعلى العكس، فإن موسكو ترى أن هذا ليس قدراً لا يُردّ. فما راهن عليه بوتين ولا يزال قوة الوطنية الروسية والكنيسة الأرثوذكسية. وما هو ظاهر حتى الآن أن معظم الروس يدعمون بوتين في حربه لاستعادة مجد الأم روسيا ودورها بين الأمم. وليس أمراً عادياً أن تعطى الحسابات الجيوسياسية الأولوية على الحسابات الاقتصادية. ففي برنامج وثائقي، قال بوتين بصراحة “لماذا نحتاج إلى العالم من دون روسيا؟”. ولكن السؤال الآخر هو: ما قيمة روسيا من دون شعبها الذي يجب أن يتمتع بحياة كريمة؟

كان كارل ماركس يسمّي روسيا القيصرية “سجن الأمم”. ستالين، كما قال البروفيسور بريجنسكي، جعلها “مقبرة الأمم”. ومع غورباتشوف، صارت “بركان الأمم”. والسؤال المفتوح عما سيجعلها بوتين في المستقبل بعدما صارت حالياً “منبوذة الأمم” بسبب الحرب لجعلها على “قمة الأمم”.

Back to top button