ورقة الأسلحة البيولوجية.. انتحار أمريكي في أوكرانيا

النشرة الدولية –

كتب مصطفى عواضة: موقع العهد

يتضمّن المقال مقابلة مع الخبير في الأسلحة البيولوجية العقيد المتقاعد اكرم كمال سريوي

 

في خضمّ العملية العسكرية الروسية المستمرة في أوكرانيا يبرز ما قد يكون الأخطر في المعركة. الدعم الغربي عمومًا والأمريكي خصوصًا قد يتسبّب بكوارث إنسانية وبيئية. موسكو اتهمت واشنطن صراحة بتمويل وتنفيذ برامج تستهدف تصنيع الأسلحة البيولوجية في المختبرات الأوكرانية، وللغاية قدّمت شكوى إلى مجلس الأمن، استنادًا إلى الاتفاقية الدولية لعام ١٩٧٥.
ماذا يعني ذلك على الأرض؟ وكيف يمكن أن يُترجم فعليًا؟ وماذا يقول القانون هنا؟

يؤكد الخبير في الشؤون الروسية – الأوكرانية اسكندر كفوري أن “هناك حوالي 30 مختبرًا بيولوجيًا أمريكيًا في جميع الجمهوريات السوفياتية التي دخلتها الولايات المتحدة، وقد تم إنشاؤها بين بيوت المواطنين وفي الأحياء السكنية، وهي مُسيّجة ويُمنع الاقتراب منها”.

وفي مقابلة مع موقع “العهد الاخباري”، يقول كفوري إن “هذه المختبرات وسجونا سرية غير شرعية أقامتها الولايات المتحدة، تحرسها قوات المارينز الأمريكي، وتحوي بعض المفقودين في العالم ويمنع حتى على حكومات هذه الدول الاقتراب منها، وأن هذه الإمبراطوريات الأمريكية غير الشرعية والتي بلغت كلفتها مليار و200 مليون دولار تهدف إلى إجراء تجارب بيولوجية”.

وبحسب كفوري، “فيكتوريا نولاند التي شكلت الحكومة الأوكرانية عقب انقلاب العام 2014 هي أمريكية يهودية ولا تجيد حتى اللغة الأوكرانية، وأن تلك الحكومة كان فيها 4 وزراء أمريكيين منهم وزيرة الصحة “أوليانا سوبرو” وهي متخصّصة بالأمراض الجرثومية، أشرفت شخصيًا على إنشاء هذه المختبرات وإدارتها، إذ إنها شغلت المنصب حتى العام 2019″.

كفوري يُشير الى أنه من أخطر القرارات التي اتخذتها وزارة الصحة الأوكرانية عند بدء العملية العسكرية الروسية، إعطاء الأوامر بتلف جميع الفحوص والتجارب الجارية في هذه المختبرات وموجوداتها، خوفًا من أن تقع بيد موسكو، والكلام صادر عن مساعدة وزير الخارجية السابق للشؤون الأوروبية والأوروبية الآسيوية في وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند عندما سُئلت عن الأمر في الكونغرس الأمريكي.

ويُبيّن اسكندر أن هذه التجارب هي عبارة عن إعادة إحياء أوبئة منتهية كالطاعون والملاريا وتحديثها جينيا بشكل يمكن أن يؤثّر فقط على الشعب السلافي، بإشراف من السفارة الأمريكية مباشرة، وكانت تركز على المنطقة الشرقية الحدودية أي الحدود مع روسيا، موضحًا أن هذه التجارب زادت من نسب الإصابة بالسرطان 10 مرات في تلك المنطقة، الأمر الذي كلّف موسكو مليارات الدولارات في علاج المُصابين، وهي الطريقة نفسها التي اعتمدها الصهاينة مع العرب في إجراء تجارب جينية تؤذيهم دون غيرهم.

أسلحة بيولوجية ودمار شامل وطيور مُرقّمة

بدوره، يتحدّث الخبير بالأسلحة البيولوجية العقيد المتقاعد أكرم كمال سريوي في مقابلة مع موقعنا عن خطورة هذه الأسلحة، فيُرجع السبب الى “التكلفة البسيطة لإنتاجه، وإمكانية استخدامه في أوقات السلم، فهو سلاح خفي، وتوجد صعوبة في عملية كشفه، التي لا تتم عادةً سوى بعد انتشاره بمدة طويلة، ووقوع عدد من الضحايا”.

 

ويشرح سريوي أن الأهمّ من كل ذلك صعوبة مكافحته، التي تحتاج إلى وقت طويل وتكلفة عالية جدًا، وخير دليل على ذلك ما أحدثه انتشار فيروس “كورونا”، مضيفًا “لهذه الأسباب وُضِعت اتفاقيات دولية لحظر الأسلحة البيولوجية، وأوّلها بروتوكول جينيف لعام ١٩٢٥ الذي منع استخدام الأسلحة الكيميائية والبكتريولوجية (البيولوجية) والتكسونية (السموم)، غير أنه لم يمنع تصنيعها وتخزينها، لذا تم توقيع اتفاقية ثانية عام 1972، بمشاركة معظم دول العالم (179 دولة)، وأصبحت نافذة منذ العام 1975، وبموجبها بات يُمنع تصنيع أو تطوير أو تخزين الأسلحة البيولوجية، وحتى يُمنع أن تُقدّم الدول الأعضاء أيّة مساعدة أو نقل للمعلومات لتصنيع هذه الأسلحة، إلى أي دولة أُخرى”.

 

ووفق سريوي، تقول روسيا إنها كشفت وثائق سرية وجدتها في المختبرات الأوكرانية، تؤكّد وجود عدة برامج من بينها برنامج سري، يحمل الرمز  П-781، مدعوم من البنتاغون، لإنتاج أسلحة بيولوجية، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن لدى بلادها وثائق تُثبت أن وزارة الصحة الأوكرانية أمرت في 24 شباط الماضي، بإتلاف عيّنات من الطاعون والكوليرا والجمرة الخبيثة ومُسبّبات الأمراض الأخرى، أي عندما دخلت القوات الروسية الأراضي الأوكرانية. وأكّدت روسيا أنه كان يتم التخطيط لاستخدام هذه الأسلحة ضد موسكو، وأن قواتها تمكّنت من الإمساك بالطيور المُرقّمة، المعدّة لنقل هذه الأمراض.

 

سريوي يلفت إلى أن استخدام الطيور المُرقّمة، يتمّ عبر تحميلها بعض الأمراض المُعدية، وتزويدها بشريحة لمراقبة حركتها وتكون معروفة بمكان وجودها في أيّة لحظة بواسطة الأقمار الصناعية، وكونها تُهاجر عبر مسارات محددة فوق بعض الدول، فيمكن للمُستخدمين تفجيرها فوق أراضي أيّ من هذه الدول، والتسبّب بتفشّي المرض فيها. وهذه جريمة حرب دولية، واذا ما تمكّنت روسيا من إثبات استخدام الولايات المتحدة الأمريكية هذه الطيور في أوكرانيا، فإن هذا سيشوّه سمعتها أمام العالم، ولو كان عاجزًا عن محاسبتها.

 

وفي هذا السياق، يستشهد سريوي بما جرى في مجلس الأمن حيث استمع الأخير إلى عرض قدّمه مندوب روسيا عن المختبرات الأوكرانية، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية نفت الاتهامات الموجّهة إليها، إِلَّا أنها اعترفت بوجود تعاون مع أوكرانيا، وبأنها موّلت المختبرات هناك، حتى أن وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند لم تُنكر خلال جلسة استماع برلمانية بتاريخ 8 آذار، وجود “مرافق أبحاث بيولوجية” في أوكرانيا، وادّعت أن هذه المختبرات تجري أبحاثًا سلمية، بهدف مكافحة السموم والأمراض البيولوجية”.

وعليه، يعتبر سريوي أن هناك عدة حقائق يمكن التوصّل إليها:

الحقيقة الأولى الثابتة باعتراف أمريكي: وجود تعاون في البرامج البيولوجية بين أوكرانيا وواشنطن، والولايات المتحدة الأمريكية ولقد قدّمت تمويلًا ومشاركة علمية، في برامج وأبحاث في 46 مختبرًا ومنشأة بيولوجية في أوكرانيا .

الحقيقة الثانية: الولايات المتحدة الأمريكية رفضت في مؤتمر جنيف في آب عام 2001 تطوير الاتفاقية الدولية لحظر الأسلحة البيولوجية، خاصة البنود المتعلّقة بمراقبة وتفتيش المختبرات البيولوجية، وبحسب تصريح لوزير خارجية الصين، وانغ يي  فإن “الولايات المتحدة لديها 336 مختبرًا في 30 دولة تحت سيطرتها، بما في ذلك 26 في أوكرانيا وحدها.

الحقيقة الثالثة: الولايات المتحدة الأمريكية زادت تعاونها مع أوكرانيا في المجال البيولوجي منذ عام 2016، أي بعد أن أصبح النظام الأوكراني مواليًا لها بشكل شبه كامل.

بتقدير الخبير، الولايات المتحدة الأمريكية علمت بعملية روسيا في أوكرانيا منذ بداية شهر شباط الماضي، ولذلك قد تكون عمدت بالتعاون مع القوات الأوكرانية إلى إخفاء كافة الوثائق والدلائل الموجودة في تلك المختبرات، وهناك عدة تقارير تحدّثت عن إتلاف عدد كبير من العيّنات والوثائق، وسحب القسم الآخر من تلك المختبرات، قبل حوالي عشرة أيام من بدء الهجوم الروسي.

ولأن إثبات هذه التهمة في ظلّ سيطرة الولايات المتحدة على كلّ المؤسسات الدولية تبقى مهمة صعبة، يبقى الشك قائمًا بسبب رفض الولايات المتحدة الدائم قبول تفتيش مختبراتها، وكذلك تاريخها في استعمال أسلحة الدمار الشامل، منذ قنبلتيْ هيروشيما وناغازاكي، إلى استخدام المطر الأصفر في فيتنام، وصولًا إلى الجمرة الخبيثة واتهام نظام القاعدة بذلك وغزوها لأفغانستان، وصولًا الى الاتهامات التي وجّهتها لها بكين مؤخّرا بنقل فيروس كورونا من أحد مختبراتها في جورجيا وأوكرانيا إلى مدينة ووهان الصيني، على ما يؤكد سريوي.

الخبير نفسه خلص الى نتيجة أنه سيمرّ وقت طويل قبل أن يعرف العالم الحقيقة، فمثل هذه الخطط والأعمال التخريبية الخطرة، تظلّ سرية لوقت طويل وغالبًا ما يتم التخلّص من الأشخاص المطّلعين عليها.

الولايات المتحدة تُخالف..

ماذا عن وُجهة النظر القانونية في الموضوع؟ الخبيرة في القانون الدولي الدكتورة تمارا برو تقول إن “تطوير الولايات المتحدة الأميركية لأسلحة بيولوجية في معامل أوكرانيا يُعد مخالفاً لأحكام اتفاقية الأسلحة البيولوجة لعام 1972 والتي هي طرف فيها، فالاتفاقية تحظر استحداث أو إنتاج أو تخزين الأسلحة البيولوجية أو مساعدة أيّة دولة على صنعها، وبالتالي فإن تصرّف الولايات المتحدة يشكل انتهاكًا لأحكام القانون الدولي ويترتب على ذلك المسؤولية الدولية”.

 

وتشرح برو لـ”العهد” أنه “بموجب المادة 6 من اتفاقية الأسلحة البيولوجية، فإنه لأيّة دولة طرف ترى في تصرف دولة أخرى من الدول الأطراف خرقًا للالتزامات المترتّبة عليها بموجب هذه الاتفاقية لها الحقّ في أن تقدم شكوى إلى مجلس الأمن الذي يجري تحقيقًا حول الشكوى المقدمة.

وتتابع “متى ما وجد أن هناك إخلالًا بالاتفاقية وتهديدًا للسلم والأمن الدوليين فله أن يتخذ إجراءات تحت البنديْن السادس والسابع، ولكن العقبة الأساسية تتمثل في أن الولايات المتحدة الأميركية ستستخدم حق النقض الفيتو ضد أي قرار يدينه”.

وتؤكد أنه يمكن إحالة ملف تطوير الولايات المتحدة الأميركية لأسلحة بيولوجية أمام محكمة العدل الدولية، ولكن هنا يلزم أن تقبل الدولتين الولاية القضائية للمحكمة وهذا ما سترفضه الولايات المتحدة”.

الإحالة الى المحكمة الجنائية الدولية تكون وفق برو على النحو التالي:

  •    إحالة من قبل دولة طرف في نظام روما الأساسي
  •   إحالة من قبل مجلس الأمن وفق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة
  •   إحالة من المدعي العام بعد مباشرته التحقيق من تلقاء نفسه.
Back to top button