“البروش” كلمة السر فى حروب مادلين أولبرايت الدبلوماسية.. “اقرأ دبابيسي.. لتعرف فيمَ أفكر”

في متحف للفن في مدينة نيويورك قبل سنوات، تحت عنوان ” ريد ماى بينز” أو “أقرا شفتي”، صُفت المئات من دبابيس مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، بترتيب دقيق، متعددة الأشكال والأحجام ومتنوعة الأثمان، فمن دبوس بمئات الآلاف من الدولارات إلى دبوس صدر ببضع عشرات من الدولارات فقط، لا يجمعها شيء إلا أن كل دبوس له قصة وحكاية وبعضها يمثل جزءاً من تاريخ لحظات هامة مثل دبابيس الصدر التي ارتدتها خصوصاً خلال لقائها مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.. وأيضا خلال مشاركتها في مباحثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
لقد لجأت أولبريت إلى استخدام هذه الإكسسوارات، كجزء من دبلوماسيتها خلال 8 سنوات فى الأمم المتحدة وخلال 4 سنوات وقت توليها منصبها كوزرة للخارجية الأمريكية. وكذلك خلال المناسبات الشخصية والتي حرصت خلالها أولبريت على وضع بورشات تحمل أشكال للزهور والفراشات والبالونات الصغيرة وغيرها من رموز الطبيعة. وهكذا كان لكل “بروش” قصة وموقف ورسالة لدى مادلين.

“الحية الغادرة” لفظ أطلقه الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، على أولبرايت، لقد استفزها كثيرا، فلجأت إلى الزينة لاستخدامها كأداة فى حروبها الدبلوماسية ضده وضد القادة السياسيين الذين يعادونها لإرسال رسائل معينة وقت حرب تحرير الكويت بعد الغزو العراقي، وارتدت “بروش” على شكل ثعبان حين حضرت إحدي جلسات مجلس الأمن.

e817c764505f51770d29f8e6a20e4286

التقطت كاميرات المصورين البروش الذهبي، وتسائلت عن مغزاه، فقالت “أولبرايت” إنها تعمدت ارتدائه  للرد على الصحف العراقية التى هاجمتها وقارنتها بأشياء كثيرة منها أنها ثعبان مخادع وأنها تعمدت ارتدائه :”لأن صدام حسين قارنني بالحية الغادرة».
MadeleineAlbright2014_640
بروش مادلين أولبرايت
عشق أولبرايت للإكسسوارات بدا ظاهريا أنه نوع من الأناقة فهي الحريصة على ارتداء بروشات بأشكال مختلفة، لكن فى عالم السياسة كان له مغزى آخر.
فكرت” أولبرايت” بعد خروجها من منصبها وبعد مضي سنوات طويلة على توليها منصبها كأول وزيرة للخارجية الأمريكية عام 1997، أن تمنح اعتزازها لإكسسوارتها التى شاركتها فى معاركها الدبلوماسية.
وجاء معرضها الذى عبر عن الزنية تحت عنوان ” ريد ماى بينز” أو “أقرا شفتي”، وهو اللفظ الذى أطلقه الرئيس بوش الأب بعد أن خلف الرئيس ريغان.
وكان عنوان معرض اكسسوراتها يتهكم على الرئيس “بوش” الذى ناقض ما كررت شفتاه، عن الديمقراطية، لكن “أولبرايت” مضت فى عرض إكسسوارتها التى زعمت أنها كانت تخوض بها إرساء الديمقراطية الأمريكية.
معرض مادلين أولبرايت
معرض مادلين أولبرايت
تقول “أولبرايت” فى مذكراتها التى حملها كتاب بعنوان” اقرأ دبابيس الصدر الخاصة بى –  أنها استخدمت الإكسسوارات كجزء من دبلوماسيتها خلال 8 سنوات فى الأمم المتحدة وخلال 4 سنوات وقت توليها منصبها كوزرة للخارجية الأمريكية. عند السعادة  تحرص على وضع بورشات تحمل الزهور والفراشات والبالونات الصغيرة.
مادلين أولبرايت
وعند مواجهة المشكلات الدولية فى مجلس الأمن، تضع بروش يتنوع بين الحشرات والديناصورات آكلة اللحوم، لكن حالة واحدة كانت لا تلجأ فيها ” أولبرايت” إلى استخدام الزينة خاصة إذا تعلق الأمر بالعائلة، هنا يكون البروش الذى تضعه فى يوم الفالنتين – عيد الحب- عبارة قلب صغير من السيراميك تحرص على ارتدائه فى الاحتفال كل عام، لأنه من إهداء ابنتها “كاتي”
سلاح الزينة استخدمته أيضا “أولبرايت” عند لقائها زعيم كوريا الشمالية، حرصت على ارتداء بروش يحمل العلم الأمريكى باللونين الأحمر والأبيض.
تقول فى كتابها أن البروش كان له دلالة سياسية تؤكد أنها تمثل أمريكا فى ردها على الانتقادات التي وجهتها كوريا الشمالية إلى السياسيين الأمريكيين لعدم ارتدائهم العلم الأمريكي.
رمز آخر لجئت إليه “أولبرايت” وقت اكتشاف أمريكا تنصت الروس عليهم، ارتداء دبوس على شكل فم يتكلم، عند لقائها مع المسئولين الروس، في إشارة دبلوماسية تعلن معرفة بلادها بالتنصت من الجانب الروسي.
وحمل الجانب الروسي نصبيا كبيرا من زينة “أولبرايت” فى الرد عليهم عبر بروشاتها المختلفة، ففى وقت المفاوضات معهم فى قضية الشيشان، وضعت “أولبرايت” بروش يحمل 3 صور قرود مع عبارات «لا أسمع» و«لا أرى» و«لا أتكلم».
أولبرايت: اقرأ دبابيس الصدر الخاصة بي.. لتعرف فيمَ أفكر

«حتى قبل أن تتكلم… يمكنك أن تعرف مزاجها وأجندة عملها عندما تنظر إلى دبوس الصدر الذي تضعه على الجاكيت الذي ترتديه»، هكذا يقول من عملوا مع أول وزيرة للخارجية الأميركية مادلين أولبرايت التي رحلت اليوم (الأربعاء) عن 84 عاماً.

فأولبرايت التي تولت خلال سنوات عملها، سواء سفيرةً لأميركا في الأمم المتحدة (من 1993 حتى 1997) أو وزيرةً للخارجية الأميركية (من 1997 حتى 2001) ملفات شديدة الصعوبة من العراق إلى ملف السلام إلى العلاقات مع روسيا وأيرلندا الشمالية وكوريا الشمالية، هي أكثر وزيرة خارجية استخدمت «صندوق جواهرها» لإرسال رسائل سياسية وتدشين نهج جديدة في الدبلوماسية وهو: «اقرأ دبابيس الصدر الخاصة بي.. لتعرف فيمَ أفكر».

فطوال سنوات عملها الدبلوماسي، استخدمت أولبرايت دبابيس صدرها لتكشف خطوتها المقبلة وأفكارها ومزاجها عن عمد. حتى إن نظراءها من وزراء الخارجية حول العالم والعاملين معها كانوا ينتظرون بترقب ما ستلبسه كل صباح، وليس هناك إطراء أفضل لأي امرأة من هذا الإطراء. وفي كتاب صدر لها في 2009 تحت عنوان «اقرأ دبابيس الزينة الخاصة بي: قصص من صندوق حلي دبلوماسية»، والذي ترافق معه معرض لأهم دبابيس الصدر التي ارتدتها منذ عينت وزيرة خارجية في إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، واستضافه ««متحف الفن والتصميم» في نيويورك، تقول أولبرايت إن الأمر كله حدث مصادفة وعلى يد الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

وتوضح أولبرايت في كتابها: «بطبيعة الحال أعشق الحلي وأحرص على ارتدائها دوما، لكن لم يدر بخلدي قط أنني سأستغلها كأداة لنقل رسائل ضمنية حتى عُينت سفيرة لدى الأمم المتحدة وكنت السيدة الوحيدة داخل مجلس الأمن. بعد حرب الخليج الأولى، عندما عكفت الأمم المتحدة على دراسة عدد من القرارات المتعلقة بالعراق، كانت مهمتي التعقيب على سياسات صدام حسين، وكانت تعقيبات شديدة لكنه كان يستحقها. رداً على ذلك، نشرت إحدى الصحف العراقية قصيدة نعتتني بـأفعى لا نظير لها. وبالفعل، كان لدي دبوس زينة على شكل ثعبان في صندوق الحلي. وعليه، قررت ارتداء هذا الدبوس في أي جلسة للأمم المتحدة تتناول العراق. ولاحظت الصحف الأمر. وجدت الأمر مسلياً، وقررت اتباع هذا النهج في باقي عناصر أجندتي الدبلوماسية. قال الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب: اقرأ شفتَيّ. أما أنا فشعاري: اقرأ دبابيس الزينة الخاصة بي».

وفي متحف الفن في نيويورك وُضعت دبابيس أولبرايت ـ وهى بالمئات ـ بترتيب دقيق، متعددة الأشكال والأحجام ومتنوعة الأثمان، فمن دبوس بمئات الآلاف من الدولارات إلى دبوس صدر ببضع عشرات من الدولارات فقط، لا يجمعها شيء إلا أن كل دبوس له قصة وحكاية وبعضها يمثل جزءاً من تاريخ لحظات هامة مثل دبابيس الصدر التي ارتدتها خصوصاً خلال مباحثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

من ضمن دبابيس الصدر اللافتة في متحف نيويورك دبوس صدر كبير على شكل العلم الأميركي مرصع بالألماس باللونين الأحمر والأبيض. وتقول أولبرايت عن هذا الدبوس: «بعدما أصبحت وزيرة خارجية، زرت الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ إيل وارتديت دبوس زينة يحمل العلم الأميركي لأوضح بما لا يدع مجالا للشك مَن أمثل. فأنا أمثل أميركا. ورغم قناعتي بسخف الانتقادات الموجهة إلى السياسيين الأميركيين لعدم ارتدائهم دبوس زينة يحمل علم الولايات المتحدة ـ لأننا، قبل كل شيء، دولة قوية واثقة من نفسها ـ وجدت في هذه الحالة من المناسب ارتداء هذا الدبوس».

أما أكثر جوانب المعرض جاذبية فهو الجانب المتعلقة بدبابيس الصدر التي ارتدتها أولبرايت عند لقائها مع الدبلوماسيين الروس، والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك خلال مباحثات السلام نهاية عهد كلينتون. وتوضح أولبرايت في كتابها: «في وقت من الأوقات اكتشفنا أن الروس عمدوا إلى التنصت على السفارة الأميركية، فارتديت دبوس صدر على شكل بقّة في لقائي التالي بمسؤولين روس في إشارة ضمنية إلى أننا نعرف أنهم يتجسسون علينا.

كما لم تتردد أولبرايت في استخدام «سلاح دبابيس الصدر» في أكثر القضايا حساسية لدى الروس وهي قضية الشيشان. فعندما رافقت بيل كلينتون إلى القمة الأميركية ـ الروسية التي انعقدت في يونيو (حزيران) 2000، قال لها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: «إننا نلحظ ما ترتديه الوزيرة أولبرايت». وتوضح أولبرايت في كتابها: «كنت أرتدي حينها دبوس زينة يحمل أشكال ثلاثة قرود تشير إلى عبارات: لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم. وسألني بوتين عما يعنيه ذلك، وأجبته: إنها تصف سياستكم حيال الشيشان. وقد أسعده هذا الأمر كثيراً».

أما عندما قابلت ياسر عرفات فقد ارتدت «نحلة»، وتوضح: «خلال عملية سلام الشرق الأوسط ارتديت الكثير من دبابيس الصدر لإرسال رسائل مختلفة. ارتديت الحمامة التي أهدتني إياها ليا رابين زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين عندما التقيت باراك وعرفات لأقول لهما إن أميركا متمسكة بالسلام وتريد تحقيقه وإن هذه هي الفرصة. كما ارتديت النحلة كثيراً عندما كنت أريد أن أقول إن أمامنا مباحثات صعبة وشاقة.

وفي مقابلة مع موقع «غلوبال فيو بويت» الأميركي، سُئلت أولبرايت ماذا سترتدي لو قابلت الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، فردت قائلة: «كنت سأرتدي دبوس زينة من تصميم زوجة وزير الدفاع ويليام كوهين على صورة حمامة ونسر معاً، ذلك أن ما يدور بين الولايات المتحدة وإيران يتضمن بعض العصا والجزرة، أو بعض الفرص إذا ما تعامل الإيرانيون بشفافية مع المفتشين الدوليين، وبعض التحديات إذا ما استمروا في المرواغة. أيضاً، كنت سأرتدي حلة خضراء اللون تكريماً لمن يناضلون من أجل الديمقراطية في إيران».
إسراء عبد التواب
منال لطفي في الشرق الاوسط
Back to top button