«سعادة السفير».. كتاب يتجاوز السيرة الشخصية ليحيط بأكثر الأحداث مأساوية

النشرة الدولية –

الجريدة – حمزة عليان  –

عندما اهدى هنري كيسنجر نسخة من كتابه «الدبلوماسية» الى محمد جواد ظريف حينما كان يعمل في الأمم المتحدة، كتب العبارة التالية إلى «عدوي المحترم… محمد جواد ظريف» وهذا التوصيف من ثعلب الدبلوماسية الأميركية إلى ثعلب الدبلوماسية الإيرانية لم يكن خارج المألوف.

كتاب سعادة السفير لا يتناول فقط السيرة الشخصية لمحمد جواد ظريف بل يتجاوزها ليحيط بالكثير من المعلومات والمعطيات التاريخية التي تفسر بعض الأحداث الدولية أو جزءا من ملابساتها على مدى أكثر من ربع قرن.

الكتاب مفتاح حقيقي لإدراك كنه شخصية ظريف وتأويل لمهنته التي شرح معاييرها بأسلوبه الخاص، إذ اختصر الدبلوماسية في جملة أن «فن الدبلوماسي يكمن في ان يخفي دهاءه كله خلف ابتسامته».

يتضمن الكتاب أربعة عشر موضوعاً بخلاف المقدمات الثلاث والفهارس، وهذه هي الطبعة العربية الأولى بعد ترجمته وإصداره في بيروت بمركز أوال للنشر.

أهمية الكتاب تنبع من أن صاحبه أحد صانعي أحداثه، لذلك سيوفر للقارئ فهم السياسة الخارجية والعلاقة مع أميركا، ومعرفة أعمق بالعلاقات الدولية.

ينظر الى تجربة محمد جواد ظريف على أنه من جيل شباب الثورة الإسلامية، والذي كان لهم دور في إسقاط الشاه.

حضوره في الأمم المتحدة مدة ربع قرن جعل منه شخصية دولية، وقبل ذلك عندما كان طالبا يدرس في جامعة دنفر، وقبلها أثناء تحضيره للدكتوراه في جامعة كولومبيا، حتى اصبح رئيس البعثة والمندوب الدائم في الأمم المتحدة.

اشترط صاحب السيرة على مؤلف الكتاب، وهو عبارة عن رسالة ماجستير، أن يجري الحوار معه، على ألا يتناول الوثائق السرية وأسرار النظام، خصوصا ما يتعلق بالشأن النووي.

في سرده للسيرة الذاتية، والتي جاءت عبارة عن أسئلة وأجوبة، تناول الميلاد وأيام الطفولة والدراسة في مدارس طهران، وما تعرض له في حياته، وهو من عائلة متدينة وتقليدية، ولم يكن في منزل والده تلفاز، بل راديو، ولم يذهب إلى السينما حتى الخامسة عشرة من عمره.

كانت عائلته (ممثلة في جده) تميل إلى ثورة د. محمد مصدق، وقريبة من العالم الديني كاشاني، كما قرأ محمد جواد ظريف الكتب التقليدية والثورية معا.

قرار الخروج من ايران والسفر الى اميركا للدراسة اتخذه بنفسه رغم معارضة والديه وكان عمره 17 عاما، ولم يكن قد اكمل بعد المرحلة الثانوية عام 1978، وقبل حدوث الثورة بسنة تقريبا، ليعود الى ايران ويتزوج، ثم يذهب مرة أخرى الى اميركا.

اختار التخصص في العلاقات الدولية وأطروحته حول العقوبات في العلاقات الدولية، وأثناء ذلك، حدثت قصة استيلاء الطلبة الايرانيين على السفارة الأميركية في طهران، مما انعكس على الإيرانيين المتواجدين في أميركا، وباتوا منبوذين وملاحقين.

أصبح مسؤول سفارة بلاده في واشنطن بعد طرد السفير وكل طاقم السفارة، وقد التحق ببعثة بلاده كموظف محلي، ثم اصبح قائماً بالاعمال لدى المفوضية، وعمل مع رجائي خراساني، وتحت يديه في السنوات بين 1981 و1987 مدة ست سنوات، ودخل البعثة عام 1982.

لم يحتك بالمجتمع الأميركي اثناء دراسته سوى مرتين، وكانت علاقته بهم محدودة جدا، الى ان اصبح المندوب الدائم لإيران لدى الأمم المتحدة، عندها قرر الاندماج معهم، وعاش ثلاثين سنة في اميركا، تشكلت لديه خلالها معرفة جيدة بثقافتهم، حيث امضى معظم حياته من عمر السابعة عشر الى عمر السابعة والأربعين، وحتى في مرحلة عمله، معاونا للشؤون الدولية في ايران مدة عشر سنوات، كان بطبيعة عمله على علاقة وثيقة بالأمم المتحدة ونيويورك.

لم تكن علاقته بالموسيقى جيدة لأنهم كانوا يرونها حراما، فلم يستمع الى اي موسيقى حتى بلغ سن الـ 15 عاما.

في الأمم المتحدة

بدأ العمل بالامم المتحدة في شهر يوليو 1982 بعد حصوله على الماجستير لينتقل الى نيويورك لمتابعة الدكتوراه، تم تقديمه الى الامم المتحدة بصفة “سائق” وبطاقة دخوله الى المبنى الرئيسي كانت بطاقة “سائق”، وفي احدى المناسبات كان يريد إلقاء كلمة في الجمعية العامة كقائم بالأعمال، ولم يعرفه الحارس عند رؤية البطاقة.

واجهته مشكلة تتعلق ببعثة ايران نفسها والعوائق التي وضعت عليها، وكذلك عزلة بلاده في المجتمع الدولي والكمية الهائلة الملقاة على عاتقه.

شارك في المفاوضات حول القرار 598 الذي انهى الحرب مع العراق، ويعترف بأن كل الدول عملت بشكل سيئ ضد إيران بعد السيطرة على مدينة “خرمشهر”، مما دفعهم إلى مقاطعة جلسات مجلس الأمن.

واشتغل في مجلس الأمن على موضوع الأسلحة الكيميائية وحرب المدن وصواريخ سكود وحقوق الإنسان، ولم يقف أحد بجانبهم حول هذا الموضوع، باستثناء باكستان التي كانت أكثر البلدان دفاعاً عنهم.

ولم تكن العلاقات بين إيران والأمم المتحدة خلال الحرب مع العراق جيدة أبداً، ولم تكن طهران تتصرف بواقعية، وكانت على خلاف وخصومة دائمين مع أحد الأعضاء الدائمين فيها، وهي أميركا، وأيضاً مع بريطانيا.

وعن تلك المرحلة يقول ظريف، إن “سلوك مجلس الأمن من حيث الجوهر والمظهر كان سيئاً للغاية، ويعد موقفه من الحرب بين إيران والعراق، في بدايته، بالصفحات السوداء في تاريخه”، وبهذا الصدد يكشف “إننا كنا نقوم بأعمال ونشاطات تضر بنا”. ولم يكن أمامهم من طريق آخر غير التجربة والخطأ، وما تعلمه هو وأمثاله كان ثمنه غالياً، وارتكبوا أخطاء هي نفسها مازالت ترتكب حتى اليوم… “لا يستمع إلينا أحد”.

وعن القرار 598 يقول ظريف، إن فكرته وبذرته أتت من عنده وفكرة رجائي خراساني.

وفي العقد الأول من الثورة الإسلامية كانت وزارة الخارجية عاجزة تماماً وخالية من الكوادر، وكان الذين يجيدون اللغة الإنكليزية يعدون على الأصابع، وقلة من يعرفون معنى الأمم المتحدة أصلاً.

الحرب العراقية – الإيرانية

ولم يكن الدعم للعراق من الغرب فقط بل من العالم كله، الذي يرغب في انتصار العراق. وفي اعتقاده أن عمل الجهاز الدبلوماسي لم يكن محترفاً ولا يزال… فقد تم إعداد جميع قرارات مجلس الأمن لمنع إيران من الانتصار، بل إن بعضها كان ضد إيران بشكل صريح، لكن الموافقة على القرار 598 تمت في “أوج الانتصارات العسكرية” والقبول بوقف الحرب.

وبخلاف كل القرارات التي رفضتها طهران لم تقبل القرار 598 ولم ترفضه إلى أن تولى جواد لاريجاني مسؤولية المفاوضات وكان أسلوبه كسب الوقت.

واجه انتقادات من وزير الداخلية آنذاك، ومن المخابرات الروسية، ووصف بأنه أميركي، بعدما استطاع وفريق البعثة في الأمم المتحدة كتابة رسالة إلى مجلس الأمن تمكّن فيها من إيقاف قرار صادر عن البند السابع لمدة عام.

وبحسب الخبرة التي اكتسبها ينظر إلى عمله كالتالي: “لم يحدث قط أن أقمت علاقة صداقة وثيقة مع مندوب دولة ما. إن العمل الدبلوماسي صعب جداً، وفي الدبلوماسية يجب أن تكون واقعياً، وألا تعتبر أحداً صديقاً، وفي الوقت نفسه يجب أن تمثل دور الصديق”.

غزو صدام للكويت

بعد القبول بالقرار 598 جرت مفاوضات في جنيف عام 1989 بإشراف الأمين العام للأمم المتحدة، وفي هذا الشأن يروي ظريف: “كان هدف العراق نقض اتفاقية الجزائر لعام 1975، ومن هذا المنطلق بدأت الخلافات في المفاوضات، وكان التفاوض يتم في صالة تحتوي على طاولتين مختلفتين، وخلف كل منهما قاعة انتظار”.

وفي الواقع هذه المفاوضات هي التي وفرت أرضية لصدام حسين لغزو الكويت، لأنه ظن أن إيران لن تتنازل عن اتفاقية الجزائر، وبهذا لن يتحقق مراد بلده في الوصول إلى المياه، فقرر الهجوم على الكويت كما يدعي في كتابه، وعندما سُئل ظريف إن كانت هناك أسباب أخرى لغزو الكويت أجاب: نعم، بالتأكيد هناك أكثر من سبب، ولكن هذه الحادثة تسببت، بشكل رئيسي، في سعي صدام إلى الهجوم. إن صدام شخص ذكي رغم أن حساباته كانت خاطئة بشكل عام، فقد كان يدرك أنه لن يتمكن من تلبية الحاجة الاستراتيجية للمياه عن طريق إيران.

وبعد المفاوضات نشأت علاقة بين السيد ناصري وبرزان (الأخ غير الشقيق لصدام سفير العراق في جنيف)، وباقتراح من برزان بدأت جولة أخرى من المفاوضات، وكنت عندها في نيويورك مع الدكتور خرازي. أما المفاوضات بين السيد ناصري والسيد برزان فقد أدت إلى مراسلات بين السيد هاشمي وصدام.

أعتقد أن العراق قرر غزو الكويت قبل هذه المفاوضات، لأنه كان يرى في الجمهورية الاسلامية العدو الأول حتى آخر رمق، ولا يزال الكثيرون من العراقيين يرون في إيران خطراً وعدواً أساسياً، ولم تتغير نظرة صدام لإيران حتى إعدامه.

مظهر غير لائق وجهل بـ «الإنكليزية»

إن ابتعاد الدبلوماسيين الإيرانيين عن الفنون الدبلوماسية كما يراها ظريف وعدم إتقانهم اللغة الإنكليزية لم يعطيا صورة ناصعة عنهم، كما أن ملابسهم لم تكن ملائمة، ويذكر أنه عندما ذهب في اليوم الأول إلى مقر البعثة في نيويورك بسترة ولم يكن معه بدلة رسمية، وكان البعض يأتي ببدلة الجندية، وعندما تخلوا عن هذه البدلة كانوا يأتون ببدلة متسخة وبشكل غير متناسق، كما كانوا يتركون الياقة مفتوحة.

ويتذكر أن ثمة ياقة بطول ثلاثة سنتميترات يطلق عليها اسم “ياقة الملالي” أصبحت موضة في وزارة الخارجية، وهو ما لم يكن مألوفاً في نيويورك، لذا طلب من زوجته فتحها وإصلاحها حتى تصبح شبيهة بياقة ملابس الدبلوماسيين.

وكانت مشكلة الدبلوماسيين تكمن في عدم إتقانهم اللغة الإنكليزية، وكانوا يخفون جهلهم باسم الاستكبار العالمي والتصدي له.

أهم إنجاز في حياته

ويعتقد ظريف أن أحد أفضل أوسمة الشرف في حياته هو تمكنه من وضع خطة أوصلت إلى قرار من الأمم المتحدة يقضي بأن المعتدي في الحرب هو العراق، وهذه وثيقة رسمية وتاريخية أصدرها الأمين العام.

زر الذهاب إلى الأعلى