مذكرات “غلوب باشا”.. لا تستحق القراءة
بقلم: صالح الراشد

 

أهدرت وقتي وجهدي في قراءة مذكرات “غلوب باشا حياتي في المشرق العربي”، وكنت أظن أنني سأجد في هذه المذكرات حقائق عما جري في القرن العشرين أو تتوفر لي مادة تزيد من ذخيرتي الثقافية، كما فعلت مذكرات وزيرتي الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وكونداليزا رايس والرئيس الأمريكي أوباما، وقد قاموا بناء مذكراتهم بطريقة الطرح العلمي والسرد التاريخي القابل للتصديق في ظل وجود شخصيات عاصرتهم وقادرة على إظهار أي خطأ في مذكراتهم، ، فيما مذكرات كلوب كُتبت بعد وفاة معاصريه لينطبق عليها المثل الشعبي القائل ” ما أكذب من شب تغرب إلا رجل ماتت إجيالو”، وهما صفتان تنطبقان على غلوب أو كلوب، لنجد ان مذكراته لا تختلف عن مذكرات مشاهير العرب التي تُركز على التغني بإنجازات وإبداعات صاحبها، ليشعر القاريء أن صاحب المذكرات هو من كانت تُشرق الشمس لأجله وتسير الرياح بأمره وأنه صاحب القرار وغيره بفكرهم سقيم.

تصفحت أوراق الكذب لرجل امتهن الكذب كسياسة والجندية وفي النهاية كمؤلف ومُحاضر يبحث عن المال بعد إبعاده، كلوب باشا أو غلوب باشا كما يحب أن يُنادى، مارس دور القديس في مذكراته فهو الشريف العفيف صاحب اليد النظيفة والانجازات العسكرية التاريخية في العراق والأردن، وهو صاحب الفكر الراشد الذي كان يرجع إليه الساسة في جميع الأمور، وربما يكون هذا حق لذا ضاعت فلسطين من بحرها لنهر الأردن ومعها الجولان وسيناء، لنشعر بأنه كان مجرد عميل يرتدي ثوب الفضيلة، ففي العلن هو قائد الجيش الأردني وفي السر هو العميل رقم واحد لوعد بلفور، وأن دوره في حرب عام 1948 ضمان قيام الكيان الصهيوني حسب اتفاق الامم المتحدة، وهو دور لعبه بذكاء وحنكة، ثم يفتخر انه حافظ على بقية الأراضي الفلسطينية من الاحتلال.

أهدرت وقتي وأنا أقرأ مذكرات رجل كان جل دوره في مذكراته توزيع التهم في شتى الاتجاهات، فالغالبية خونه إلا هو الشريف الصادق، وغالبيتهم حاقت بهم الهزائم فيما هو المنتصر الوحيد في حروبه المختلفة، والغالبية أغبياء يعملون لمصلحتهم فيما هو العالم العارف ببواطن الأمور وهو فقط من يبحث عن خدمة الوطن، وهنا نضع ألف علامة استفهام عن هوية ومعنى الوطن بالنسبة لغلوب باشا، فهل وطنه الأردن الذي استأمنه على أرضه وشعبه؟، أم وطنه بريطانيا التي تعاملت معه كمندوب لها للإشراف على تطبيق وعد بلفور بأدق تفاصيله؟، او هل يعني بوطنه الكيان الصهيوني حيث اعترف بحقه في التقسيم ليُضَيع أكثر من ثُلثي فلسطين، فيما هو يسهل الطريق للصهاينة.؟

ركزت في بحثي وقرأتي عن معلومة تفيد بأن الرجل عمل لأجل الأمة العربية سواء في العراق أو الأردن، فلم أجد إلا رجلاً عابثاً بالمنطقة ولم يتكفي عبثاً حتى بعد مغادرته، حيث دس السُم في العسل بمذكراته التي وضع فيها نقاط خلافية وتهم غير مثبته، تركها لتخلق فوضى فكرية بين الأجيال، كما فعلت بريطانيا التي سيطرت على المنطقة ووضعت نقاط حدودية خلافية ليبقى العرب متفرقون، ليثبت أنه الإبن النجيب في المدرسة البريطانية في العبث، وهو ما يقال عنه في المثل الشعبي “تموت الحية وذيلها يلعب”، فهذه مذكراته مجرد ذيل لغلوب تلعب، لذا فقد أهدرت وقتي بقرائتها.

آخر الكلام:

المذكرات تكون مرآة صادقة قدر المستطاع وهي ليست قصة مسموح لخيال الكاتب أن “يشطح” كما يشاء، اذا فقد أهدرت جهدي ووقتي فأنصحكم ألا تهدروا وقتكم وتضيعوا جهدكم على أمر لا يستحق القراءة

Back to top button