«أكلونا التجّار».. وملاحظات عدة (2 ــ 2)
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
يشعر البعض، لأسباب لا تخفى على الفطنين والأطباء النفسيين، بأن طبقة التجّار ما هم إلا فسدة، وتجب محاربتهم، وانهم «نهبوا» المناقصات والمزارع والمخازن والشاليهات! وهذا المقال ليس لمن في قلوبهم مرض، بل لمن هم على استعداد لسماع وجهة النظر الأخرى:
1 ــ ليس هناك شك في أن نسبة الفاسدين والجشعين بين التجار كبيرة، وحتى لو كانوا قلة فإن «الشر يعم والخير يخص» ولو كان الخيرون أكثرية.
2 ــ لا توجد دولة، سواء بحجم قرية أو باتساع إمبراطورية، يمتلك فيها الجميع كل شيء. والدنيا لا تؤخذ بالتمنيات ولا بالتباكي على سرقة التجار للبلد، بل بالعمل. فقد عملت لثماني سنوات كاملة موظفاً في الفترة الصباحية، وطالباً في الفترة المسائية، وتاجراً صغيراً بين الفترتين، وكونت نفسي من دون سرقة ولا ميراث، في الوقت الذي اختار فيه غالبية أصحابي «التنعّم بوقتهم»!
3 ــ في منتصف خمسينيات القرن الماضي تحوّل جدي وابنه الأكبر (والدي) من مهنة الصيرفة إلى تجارة المواد الغذائية، وسرعان ما كبر نشاطهما واحتاجا إلى مخزن، فأشار عليهما صديق بمراجعة وزارة التجارة للحصول على أرض في الشويخ، لكن الوالد رفض العرض، لبعد الشويخ عن «السوق»، ولما يتطلب بناء مخزن من تكاليف وحارس وسيارة نقل، ولم يكن بالتالي على استعداد لكل ذلك. فأخذ المخزن «تاجر» غيره واستفاد، فهل من حق والدي أن يحسد من أخذه ويصفه بالجشع مثلاً؟
4 ــ في منتصف السبعينيات اشتريت من «بن شعبان» العازمي حق الانتفاع بجزء من أرض خالية على البحر في منطقة «بنيدر» بسعر بخس. نصحت أصحابي بشراء ما تبقى منها، ولكنهم سخروا من الفكرة، وفضلوا النظّارة البيرسول والقلم الباركر والسيارة الفخمة والسفر على صرف مدخراتهم على مشروع «خرطي».
بنيت على الأرض شاليهاً صغيراً، وقمت ببيعه بعد سنوات قليلة بربح كبير، وكررت العملية نفسها لأكثر من خمس مرات، ولا يزال «أصحابي» أنفسهم على موقفهم، فهل من حقهم وصفي بالجشع الذي أكل البلد؟
5 ــ هناك مشروع صناعي معروض للبيع بمبلغ مليون ونصف المليون دينار، مع موافقة من هيئة الصناعة على تخصيص أرض صناعية بمساحة 50 ألف متر مربع!
من سيغامر ويشتري المصنع، في هذه الظروف الدولية الصعبة، ويضخ أموالاً لإدارته، ويمتلك الخبرة ولديه الوقت والمال ليستغل ما سيخصص له من أرض ضخمة، ويصرف على بنائها الملايين، وينتظر السنوات الطوال لجني ثمرة مخاطرته؟
قلة فقط ستقدم على ذلك، وستحقق ربما ربحاً كبيراً، ولكن الكل تقريباً سيتناسى ما صرفه من وقت وجهد وما خاطر به من مال، وسيتفرغون لكتابة مقالات التهجم عليه ووصفه بالتاجر الجشع!
للعلم، المشروع معروض للبيع لمن يريد، ولكن قلة ستقدم على التفكير في هذه المغامرة، وهؤلاء هم الفائزون، وليس الذين يختارون الجلوس تحت «الساس» والتحلطم، أو الشكوى من «فساد التجار».
التجار جزء من هذا المجتمع ويستحيل إلغاؤهم، وترشيد تصرفاتهم يكون عن طريق الأنظمة الحكومية العادلة، ونظام ضرائب محكم!
***
وأخيراً، لو قامت الحكومة بشراء جزيرة وقسمتها على عدد أُسر الكويت، وجعلت في كل قسم بيتاً وشاليهاً ومزرعة ومخزناً، لما قبل الغالبية بنصيبهم!