الرسم على الوجوه يحوّل الخيال إلى حقيقة
هذا النوع من الرسم يستخدم عادة في الأفلام السينمائية والمسرحيات والحفلات التنكرية
النشرة الدولية –
العرب – حنان مبروك –
لأن الوجه هو أول نقاط التواصل بين البشر، ولأنه يعكس الانطباعات النفسية الداخلية ببراعة، كان المهرجون على مدى عقود من الزمن يلونون وجوههم كي تكتسب بعض سمات الفكاهة والإضحاك وتسهّل عليهم عملية التواصل مع الأطفال، ثم صار الوجه في عالم السينما محْملا للألوان وخاضعا لفنون الرسم بشتى أنواعها وأشكالها.
وفي عالمنا العربي لم يحظ هذا الفن بالاهتمام اللازم، ولم يترك بعد بصمة كبيرة ربما لقلة أفلام الخيال العلمي والأفلام التي تتطلب رسما مبهرا وتغييرا كبيرا في الوجوه والهيئات، وربما لأن البعض لا يعتبره فنا إلى حد الآن.
ويستخدم هذا النوع من الرسم -إن صح التعبير- عادة في الأفلام السينمائية والمسرحيات والحفلات التنكرية كحفل الهالوين، وحتى في البعض من عروض الأزياء، ويعكس به خبير المكياج فكرة العرض أو ما يدور في خياله أو يجسد به انعكاسا لما يدور حولنا من أحداث كالحروب والأوبئة والتغيرات البيئية وربما أيضا بعض هواجس الإنسان ومخاوفه من المستقبل وما يخبئه لنا من كائنات فضائية خارقة ومفاجآت بيئية.
وفي السنوات الأخيرة بدأت وسائل التواصل الاجتماعي تضج من حين إلى آخر بفيديوهات لمحبي الرسم الذين يمارس بعضهم هواية الرسم ثلاثي الأبعاد على وجهه، فيجعل منه لوحات تنطق بآلام وخيالات وهواجس نفسية وتتشبه بالمشاهير في شتى المجالات.
وآخر من سلط الضوء على مثل هذه المواهب الممثلة المصرية ميرهان حسين التي صارت تنشر على صفحتها في موقع إنستغرام فيديوهات وصورا لشكلها قبل وبعد استعمال المكياج؛ حيث قَرّرت الفَنانة أن تستخدم مهارتها في استعمال المكياج لتتحول إلى شخصيات فنية شهيرة، بدأتها بالمطربة فيروز، ثم الراقصة فيفي عبده والمغنية أليسا والممثلة نبيلة عبيد وآخرين، حتى أن الجمهور المتابع لها والفنانين أنفسهم أشادوا بقدرتها على تغيير ملامح وجهها لتصبح كأنها حقيقية.
وفي المغرب نالت سكينة بلفقيه (طالبة طب) شهرة واسعة منذ العام 2019، لاختيارها الألوان والرسم على الوجه ملجأ تهرب إليه من خوفها من مشهد الدماء والتشريح اللذين صارت مضطرة إلى التعاطي اليومي معهما منذ بدأت دراسة الطب.
وتقول بلفقيه إنها كانت تصاب بنوبات من الهلع أو الإغماء كلما حضرت درسا تطبيقيا إلى أن وجدت في اللون الأحمر وصلصة “الكاتشب” ومواد غذائية أخرى متنفسا يسمح لها بالاعتياد على مشاهد الدماء وشكل الجسد دون جلد يغطيه، فأصبحت ترسم مخاوفها على وجهها ورقبتها وتجعلهما عرضة لجروح وتمزقات وثقوب دامية ووهميّة.
ومثل بلفقيه ترسم اللبنانية حنين ضو على وجهها مشاهد مضحكة وأخرى مرعبة، بعضها مستوحى من الطبيعة وألوانها المفعمة بالحياة وبعضها الآخر مستوحى من آثار الزمن على الإنسان، وكذلك من الأشكال المرعبة كما تتخيلها الرسامة. وضو هي في الأصل فنانة تشكيلية ترسم بالطرق التقليدية إلا أنها اختارت في الآونة الأخيرة أن تجعل وجهها محْملا لألوانها ومساحة إبداع حر لريشاتها.
والمتابع لأغلب الفيديوهات المتاحة على مواقع التواصل الاجتماعي للمواهب المتنافسة إراديا ولا إراديا في هذا المجال الفني، يلاحظ أن كل المواد الطبيعية والاصطناعية من الممكن أن تصبح أداة ضرورية في الرسم على الوجه الذي يحول الحقيقة إلى خيال، والخيال إلى حقيقة، بإبداع لامتناه.
ومثل بلفقيه وحسين وضو الكثيرون، منهم من يعمل في مجال السينما ومنهم من يهوى الفن التشكيلي فاختار الانفتاح على العالم بطريقة أكبر وأسرع، فتراه ينشر مقاطع فيديو قصيرة مصحوبة بمونتاج احترافي، ويمزج فيها الألوان والمواد ليجعل من وجهه هيكلا عظميا أو شبيها بإحدى شخصيات الصور المتحركة الشهيرة أو حتى بإحدى شخصيات الأفلام السينمائية.
ويلجأ أغلب الرسامين على الأوجه إلى استخدام أدوات اصطناعية، بالإضافة إلى أدوات المطبخ وغيرها مما يمكن تخيله وما لا يمكن تخيله أيضا، من أجل الحصول على مؤثرات “سينمائية” فنتازية سواء على الوجه أو على أعضاء الجسم، مثل الجروح والدماء والثقوب والكدمات ومكياج التمويه، فضلا عن مكياج الرعب وغير ذلك من المؤثرات التي يمكن صناعتها باستخدام الألوان والأدوات المساعدة للمكياج من كريمات أو زيوت أو حتى الغراء وطلاء المنازل. لكنهم يطوعون بشكل كبير الإضاءة أيضا.
وفي الشكل النهائي يتحول الوجه البشري بفعل المكياج الفانتازي إلى لوحة فنية وحالة شعورية تمتزج فيها الألوان وتتكامل في حالة سريالية خارجة عن المألوف.
ويشكو هؤلاء الفنانون الذين يعملون في المجال السينمائي والدرامي من تجاهل الإعلام لهم، رغم أنه لا مجال لتصوير فيلم أو مسلسل دون خبير في التجميل، فهو طرف رئيسي مساعد في إظهار الشخصيات ليس فقط على مستوى أسلوبها العام وصفاتها وإنما أيضا من ناحية حالاتها المتنوعة حسب تطور السيناريو والأحداث والسياق الدرامي. والخدع التجميلية مساعد مهم للممثل في أداء دوره، لذلك قد تعد مهنة التجميل في السينما والدراما مهنة شاقة لما تفرضه من تغيير في ملامح الممثل من مشهد إلى آخر.
وسواء في التمثيل أو خارجه، وسواء كان محْملا للرسم أو متأملا لرسومات الآخرين، يظل وجهك رسولك الأول إلى العالم، وإلى الآخر، ومنه يمكن أن يتعرف الناس على حالك؛ بل يمكنك إذا نظرت إلى المرآة أن تعرف حالتك تحديدًا، وأن تسأل وجهك عما يحتاج إليه وعما تشعر به. فذلك السواد المحيط بعينك يدل دلالة واضحة على احتياجك إلى الغذاء المادي والروحي. أما التجاعيد التي قد تظهر بوضوح أثر السنين على شكل الإنسان فهي علامات على وقع الحياة وتجاربها على صاحبها، إذا أخذها على محمل الجد بشكل مبالغ فيه فقد يفقد ملامحه الجميلة بسرعة.