رياض سلامة… “واجهة” أزمة لبنان الاقتصادية…. دول أوروبية تجمد أصولاً لبنانية بـ 132 مليون دولار

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية – سوسن مهنا –

قال مصدر قضائي رفيع لرويترز إن المدعية العامة القاضية غادة عون استأنفت اليوم الخميس على قرار إخلاء سبيل رجا سلامة شقيق حاكم مصرف لبنان المركزي بكفالة مالية.

وكان قد ألقي القبض على رجا في 17 مارس (آذار) الحالي بتهمة التواطؤ في تبييض أموال من إثراء غير مشروع. وينفي الشقيقان ارتكاب أي مخالفة.

وفي وقت سابق من الخميس أصدر قاضي التحقيق نقولا منصور أمراً بإخلاء سبيل رجا سلامة بكفالة مالية مع منعه من السفر للخارج.

وقال المصدر القضائي إن رجا لا يزال قيد الاحتجاز بانتظار البت في استئناف القاضية عون.

وبحسب سوق صرف الليرة في السوق السوداء، حددت الكفالة بـ 500 مليار ليرة (ما يعادل 20 مليون دولار). سبق هذا القرار تأجيل استجواب رياض سلامة من قبل قاضي التحقيق الأول في محافظة جبل لبنان نقولا منصور، إلى شهر يونيو (حزيران) المقبل، في دعوى النيابة العامة ضده بجرم “تبييض الأموال والإثراء غير المشروع”. وحضر الجلسة التي كانت مقررة اليوم الوكيل القانوني لسلامة المحامي شوقي قازان الذي قدم دفوعاً شكلية.

 

هذا التطور القضائي أتى في خضم مشاكل قضائية مصدرها مراجع أوروبية، بعدما أصبحت ألمانيا سادس دولة إضافة إلى كل من سويسرا وفرنسا وبريطانيا ولوكسمبورغ وليختنشتاين، التي تسعى إلى الحصول على معلومات تتعلق بالأوضاع المالية لحاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة في فبراير (شباط) الماضي.

 

هذه الدول التي فتحت تحقيقات تتعلق بملفات سلامة المالية، وطلبت تزويدها بمعلومات قضائية كمشتبه فيه في جرائم تتعلق بتبييض أموال وتزوير وتهم الإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي، إضافةً إلى أن النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، كانت قد ادعت على سلامة في الآونة الأخيرة بجرم “الإثراء غير المشروع” و”تبييض الأموال”، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر قضائي في 21 مارس (آذار) الحالي.

 

وأعلنت وحدة التعاون القضائي الأوروبية “يوروجاست”، الاثنين 28 مارس، أن فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وموناكو وبلجيكا، جمّدت أصولاً لبنانية بقيمة 120 مليون يورو (حوالى 132 مليون دولار) إثر تحقيق في قضية تبييض أموال، مشيرةً إلى مصادرة خمسة عقارات.

 

الوحدة قالت، في بيان، إن التحقيق استهدف خمسة مشتبه فيهم بتُهم تبييض أموال و”اختلاس أموال عامة في لبنان، بقيمة أكثر من 330 مليون دولار، وخمسة ملايين يورو (حوالى 5.5 مليون دولار) على التوالي، بين 2002 و2021”.

 

وأضاف البيان أن الأصول المصادرة شملت نحو 35 مليون يورو (حوالى 39 مليون دولار) في ألمانيا، وعقارات في هامبورغ وميونيخ ومجمعين عقاريين بباريس بقيمة 16 مليون يورو (حوالى 18 مليون دولار)، وحسابات بنكية في موناكو بـ46 مليون يورو (حوالى 51 مليون دولار).

 

ولم يحدد البيان هوية المشتبه فيهم، كما رفض متحدث باسم “يوروجاست” الإفصاح عن أسمائهم، بما يتماشى مع اللوائح. وأضاف أنه “على الرغم من النتيجة الحالية حتى الآن، يُفترض أن المتهمين في التحقيق الرئيس أبرياء حتى تثبت إدانتهم وفق القانون”.

 

ونقلت “رويترز” عن دبلوماسي من إحدى الدول، التي حددت فيها الأصول، تأكيده أن هذه الخطوة مرتبطة بالتحقيقات مع سلامة وشقيقه.

 

اختلاس 330 مليون دولار

 

وكانت “يوروجاست”، وهي وكالة تابعة للاتحاد الأوروبي وتُعنى بتنسيق التعاون الدولي حول القضايا الجنائية، شاركت في تنسيق ثلاثة مؤتمرات بين الدول التي تحقق مع سلامة، الذي يشتبه المدّعون السويسريون في اختلاسه نحو 330 مليون دولار مع شقيقه رجا، ومساعدته المقرّبة ماريان حويك. وكان آخرها عُقد نهاية شهر يناير (كانون الثاني) الماضي في العاصمة الفرنسية باريس، وخُصص لوضع خطة عمل وتنسيق الإجراءات وتبادل المعلومات في قضية ملاحقة سلامة بشبهات تبييض أموال وإثراء غير مشروع وغيرها.

 

وبحسب مصادر قضائية لبنانية حينها، ضم المؤتمر أكثر من دولة ممثلة على المستوى القضائي، منها فرنسا وسويسرا ولوكسمبورغ وغيرها. وعمل المحققون طوال ثلاثة أيام على جمع المعلومات المالية المتوافرة عن العمليات، التي أجراها سلامة بين الدول التي فتحت ملفات قضائية بحقه.

 

وتغيّب لبنان عن ذلك المؤتمر حينها، نتيجة رفض القاضي الفرنسي الذي يرأس “يوروجاست”، مشاركة القاضي اللبناني رجا حاموش إلى جانب المحامي العام التمييزي بالتكليف جان طنوس، بسبب إضافة اسم القاضي حاموش، قبل يومين فقط من الاجتماع، ما أثار حفيظة الوكالة، وطلبت من النائب العام التمييزي غسان عويدات سحب اسم حاموش من الوفد.

 

هل سلامة متورط؟

 

ابتعد بيان “يوروجاست” عن تحديد هوية الأشخاص المعنيين بهذه العملية، لكن مصادر مقربة من الملف أوضحت لوكالة الصحافة الفرنسية أن هؤلاء الأشخاص الخمسة هم سلامة وأربعة من أفراد عائلته أو المقربين منه.

 

كما أكدت مصادر متابعة أن هذه الإجراءات تتصل بسلامة وشقيقه رجا، إضافة إلى مساعدته ماريان حويّك، الذين تلاحقهم النيابات العامة في كل من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ بتهم اختلاس الأموال العامة والكسب غير المشروع وتبييض الأموال في المصارف والأسواق العقارية الأوروبية. ورحّبت النيابة المالية الفرنسية عبر موقع “تويتر” بـ”مصادرة كبرى” في إطار تحقيق قضائي فتحته بتهم “تبييض أموال في عصابة منظمة” و”إخفاء جنح” ارتُكبت خصوصاً في فرنسا ولبنان.

 

وكانت النيابة المالية الفرنسية فتحت تحقيقاً في يونيو (حزيران) 2021 في الثروة الشخصية لسلامة، تناول تحويلات مالية بأكثر من 300 مليون دولار أجراها وشقيقه رجا بين لبنان وسويسرا. وكانت الشكوى التي تقدّمت بها منظمة “شيربا”، أفادت بأن “الثروة العالمية لرياض سلامة تتخطى حالياً الملياري دولار”، وأن “قيمة الأصول التي يملكها في لوكسمبورغ بلغت 94 مليون دولار عام 2018”. وسبق أن فُتح تحقيق بحق سلامة وشقيقه ومساعدته في سويسرا.

 

الأملاك المصادرة

 

“يوروجاست” أوضحت أنه تمت مصادرة  حسابات مصرفية عدة في فرنسا أيضاً (2.2 مليون يورو – حوالى 2.5 مليون دولار) وموناكو (46 مليون يورو – حوالى 51 مليون دولار)، وكذلك مبنى في بروكسل بقيمة 7 ملايين يورو.

 

ومن جهتها، صادرت السلطات القضائية الألمانية ثلاثة عقارات (واحد في هامبورغ واثنان بميونيخ)، إلى جانب حصص في شركة عقارية مقرها في دوسلدورف. وإضافة إلى هذه الأملاك التي تقدّر قيمتها حالياً بحوالى 28 مليون يورو (حوالى 31 مليون دولار)، تمت مصادرة أسهم أخرى بقيمة 7 ملايين يورو (حوالى 7.8 مليون دولار) في كل أنحاء ألمانيا، وفي لوكمسبورغ تمت مصادرة 11 مليون يورو (حوالى 12 مليون دولار) في حسابات مصرفية عدة، بحسب الوكالة.

 

خريطة الموجودات المجمدة تتطابق مع الاستثمارات التي لاحقتها تحقيقات الأجهزة القضائية الأوروبية خلال الأشهر الماضية والتابعة لحاكم مصرف لبنان. هذا يعني أن أصول رياض سلامة وشركائه باتت رهينة التحقيقات، التي تجريها النيابات العامة الأوروبية بمواكبة من وكالة “يوروجاست”، التي تقدّم حالياً الدعم التقني المطلوب لتحليل المعطيات المالية وتتبّع التحويلات بين الدول المعنية بالتحقيقات، إضافة إلى التنسيق المطلوب بين المحققين القضائيين في جميع هذه الدول.

 

عراب الليرة اللبنانية

 

ولطالما قلّل سلامة، الذي يُعتبر أحد أطول حكام المصارف المركزية عهداً في العالم، من أهمية الاتهامات التي تساق ضده، معتبراً أن لا أساس لها وتفتقر للأدلة.

 

وكان سلامة يُعدّ على مدى أعوام عرّاباً لاستقرار الليرة، لكنه بات يواجه انتقادات إزاء السياسات النقدية التي اعتمدها طيلة عقود، باعتبار أنها راكمت الديون، إلا أنه دافع عن نفسه مراراً بأن المصرف المركزي “موّل الدولة ولكنه لم يصرف الأموال”.

 

وينفي حاكم مصرف لبنان الاتهامات الموجهة ضده، معتبراً أنها جزء من حملة إعلامية لتشويه صورته، ومصرّحاً بأنه جمع ثروته خلال مسيرته المهنية السابقة كمصرفي استثماري في “ميريل لينش”. وقال إن أمواله كلها مصرح بها وقانونية، وإنه جمعها مما ورثه وعبر عمله في القطاع المالي، وإن أصوله الشخصية كانت تبلغ 23 مليون دولار حين تسلّم منصبه عام 1993، وأن زيادة ثروته ناجمة عن استثمارات لا تتعارض مع الالتزامات المرتبطة بمهمات وظيفته، وهو ما ينفيه خبراء قانونيون لبنانيون. وقال بيار-أوليفييه سور، محامي سلامة في فرنسا، “سنستخدم كل الطعون المناسبة”.

 

مجرد “مجموعة واتسآب”؟

 

وكانت مصادر مقربة من حاكم مصرف لبنان قللت من أهمية وكالة “يوروجاست”، وأشارت إلى أنها مجرّد “مجموعة واتسآب” تتبادل المقالات الصحافية المنشورة عن سلامة. لكن من الواضح أنها كيان قضائي رسمي يتمتع بشأن على الساحة الأوروبية، بما يسمح بملاحقة أموال سلامة واستثماراته في أسواق المال والعقارات.

 

كما تمثّل الوكالة أحد أجهزة الاتحاد الأوروبي الرسمية القادرة على تنسيق عمليات الحجز على أصول حاكم مصرف لبنان في أوروبا، ومنعه من التصرف بها، بانتظار بتّ الاتهامات الموجهة إليه.

 

وشكّل حاكم البنك المركزي واجهة لأسوأ أزمة مالية في لبنان منذ عقود، إذ ألقى كثيرون باللوم عليه جزئياً في الانهيار الاقتصادي، الذي قضى على مدخرات الناس، وأدى إلى تضخم من ثلاثة أرقام، وأغرق الطبقة الوسطى في الفقر، فالبلاد تشهد منذ عام 2019 انهياراً حاداً وخطيراً، صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي. ويترافق ذلك مع شلل سياسي يحول دون اتخاذ خطوات إصلاحية تحدّ من التدهور وتحسّن من نوعية حياة السكان، الذين يعيش أكثر من ثمانين في المئة منهم تحت خط الفقر، بحسب تقرير البنك الدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى