بلينكن في المغرب… واهمّية لقاء محمد بن زايد
بقلم: خيرالله خيرالله
النشرة الدولية –
ثمة جانبان للزيارة التي قام بها انطوني بلينكن وزير الخارجيّة الاميركي للرباط. هناك الجانب العربي والجانب المغربي وهما جانبان متكاملان ومترابطان. في الجانب العربي، التقى بلينكن الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان وليّ عهد ابوظبي وفي الجانب الخاص بالمغرب، اجرى محادثات مع رئيس الوزراء عزيز اخنوش ومع وزير الخارجية ناصر بوريطة ومسؤولين آخرين.
ليس صدفة ان يلتقي بلينكن الشيخ محمّد في المغرب الذي تربطه علاقة تاريخيّة وثيقة بدولة الامارات في وقت ثمّة تباين في وجهات النظر الاماراتيّة – الاميركيّة في ما يخص ملفّات عدّة. استضاف المغرب دائما لقاءات عربيّة ودوليّة كونه دولة منفتحة على العالم وعلى ارتباط مباشر بأحداثه.
في مقدّم الملفات التي تثير قلقا عربيّا، التهافت الذي تبديه إدارة جو بايدن في اتجاه عقد صفقة مع “الجمهوريّة الاسلاميّة” الايرانيّة في شأن برنامجها النووي وكأنّ الملفّ النووي الإيراني يختزل كلّ أزمات المنطقة.
تشمل الصفقة التي تتطلّع واشنطن إليها العودة الى اتفاق العام 2015 الذي وقّع في عهد الرئيس باراك أوباما… ورفع جانب كبير من العقوبات الاميركيّة على ايران. باختصار، لا تربط الصفقة بين سلوك ايران خارج حدودها وبين برنامجها النووي، بل تعني اطلاق يد “الحرس الثوري” في السير الى امام في مشروعه التوسّعي في المنطقة، وهو مشروع يعتمد أساسا على المال الإيراني وعلى ميليشيات مذهبيّة منتشرة في العراق وسوريا ولبنان… واليمن. حوّلت ايران، التي دمّرت لبنان، جزءا من اليمن قاعدة صواريخ باليستيّة وطائرات مسيّرة تستخدمها “الجمهوريّة الاسلاميّة” في الاعتداء على المملكة العربيّة السعودية ودولة الامارات العربيّة المتحدة.
من المهمّ ان يطّلع وزير الخارجية الأميركي على وجهة نظر عربيّة، خاليّة من العقد، تسمّي الأشياء بأسمائها من جهة وتعرف تماما ما هو على المحكّ في الشرق الأوسط والخليج من جهة أخرى.
من المفيد في كلّ وقت إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع الإدارة الاميركيّة بغض النظر عن مواقفها المسبقة من ايران وجهلها بالسياسات التي تتبعها ومدى خطورتها على الاستقرار الاقليمي. لم تستطع الإدارة الاميركيّة الحاليّة ادراك معنى الاستسلام امام ايران و”الحرس الثوري” ومعنى الاستعانة بهما من اجل تعويض النقص العالمي في الغاز والنفط، وهو نقص ناجم عن الحرب الاوكرانيّة وما تلاها من عقوبات على روسيا. لماذا على العرب دفع ثمن الفشل الأميركي في أوكرانيا؟
من حسن الحظ ان دولة الامارات استطاعت بفضل سياسة متوازنة أن تأخذ في الاعتبار مصالحها وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة في كلّ الاتجاهات. شمل ذلك روسيا والصين والدول الاوروبيّة الفاعلة. دعت الامارات منذ البداية الى التعاطي بطريقة مختلفة مع الازمة الاوكرانيّة وذلك قبل تفاعلها وتحولها الى حرب تهدّد العالم كلّه.
ما قد يكون مفيدا اكثر، اطلاع وزير الخارجيّة الأميركي من وليّ عهد أبوظبي على وجود قرار عربيّ مستقلّ فعلا يقوم على أنّ حلفاء اميركا في المنطقة ليسوا مجرّد تابعين لها وانّما لديهم وجهة نظر في كلّ الأمور مهما كانت صغيرة وثانويّة. العلاقة بين الجانبين علاقة اخذ وردّ. لا يمكن لإيران، على سبيل المثال، اطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة انطلاقا من اليمن وان تبقى اميركا في موقف المتفرّج غير آبهة بما يقوم به الحوثيون.
لن يستمع إليك العالم إذا لم تثبت ان لديك موقفا منطقيا تستطيع الدفاع عنه الى النهاية. هذا ما بدأت تدركه إدارة جو بايدن التي قد تكون تفاجأت بانّ دولة مثل الامارات لديها خيارات كثيرة وانّها تعرف تماما كيف الدفاع عن مصالحها مستندة الى شبكة من العلاقات العالميّة عرفت كيف تقيمها وكيف تستثمر فيها وتحويلها في خدمة مصلحتها ومصلحة الشعب الاماراتي والمقيمين في دولة تقوم على فكرة التسامح.
في الجانب المغربي من زيارة بلينكن، يبقى لافتا ثبات العلاقة بين واشنطن والرباط، خصوصا في ما يتعلّق بقضيّة مفتعلة هي قضيّة الصحراء. هناك علاقة مغربيّة – اميركيّة ذات طابع استراتيجي لا يغيّره تبدّل الإدارات في واشنطن. لم تتراجع إدارة جو بايدن عن الموقف الذي اتخذته إدارة دونالد ترامب أواخر العام 2020 القاضي بالاعتراف بمغربيّة الصحراء. اكثر من ذلك، لم يكن النجاح المغربي في جعل اسبانيا تطوّر موقفها من قضيّة الصحراء في اتجاه الاعتراف بصحة الموقف المغربي منها سوى تأكيد لواقع يتمثّل في انّ العالم يسير نحو الاعتراف بحقّ المغرب في المحافظة على وحدته الترابيّة.
عرف المغرب ربط الاعتراف الأميركي بمغربيّة الصحراء بأمور أخرى من بينها تطوير العلاقة مع إسرائيل. لم يكن حضور وزير الخارجيّة المغربي اللقاء الذي انعقد في صحراء النقب الى جانب وزراء خارجيّة اميركا وإسرائيل ومصر والامارات والبحرين، سوى دليل على بعد النظر الذي يمتلكه الملك محمّد السادس في كلّ ما من شأنه خدمة بلده والشعب المغربي.
صار مهمّا ان يقنع بلينكن الذي توجّه من المغرب الى الجزائر مضيفيه هناك بانّ عليهم التوقف عن ممارسة لعبة مكشوفة عفا عنها الزمن. يؤمل من وزير الخارجية الأميركي اقناع النظام الجزائري بانّ التصعيد مع المغرب لا يفيد في شيء وانّ الجزائر قادرة على لعب دور إيجابي في المنطقة كلّها شرط التخلي عن عقدة المغرب.
يكتشف وزير الخارجيّة الأميركي من خلال جولته التي شملت إسرائيل والأراضي الفلسطينيّة والمغرب والجزائر انّ لدى اهل المنطقة رأيهم أيضا وأنّ على اميركا التصرّف بطريقة تأخذ في الاعتبار مصالح حلفائها. هؤلاء مستعدون للاستماع الى ما لديها، لكنّ عليها في المقابل الاستماع الى ما لديهم. لديهم همومهم ولديهم مصالحهم. الاهمّ من ذلك كلّه ان حلفاء الولايات المتحدة هم المُعتدى عليهم. ايران تتدخّل في شؤونهم ولا احد يتدخّل في شؤون “الجمهوريّة الاسلاميّة”.
سيظلّ السؤال هل ساهمت جولة وزير الخارجيّة الأميركي في استعادة الحدّ الادنى من الثقة التي افتقدها الحلفاء بالولايات المتحدة منذ دخل جو بايدن البيت الأبيض؟