بالطبع.. لا نشعر بالأمان سمو الرئيس
بقلم: بدر خالد البحر
النشرة الدولية –
المشكلة عندما يعتقد الجميع أن الإصلاح وقطع رأس الفساد على مقصلة القانون سيتم بمجرد تغيير رئيس الوزراء، وحتى لا نرجع كثيراً للوراء، فها هو الرئيس السابق لم يتغيّر فحسب، بل تم سجنه في البداية مع آخرين، حيث نشكر النيابة على طعنها على براءة محكمة الوزراء، فلشبهات الفساد خيوط حكومية وبرلمانية مترابطة ومتشابكة من المصالح العميقة، فرئيس الوزراء الحالي كان يريد الإصلاح، ولكنه يبدو غير قادر على الإمساك بكل تلك الخيوط، أو بأي منها! كما أن هناك عجلة أخرى للفساد، وهي قاعدة المجتمع التي يدير رحاها النواب الفاسدون، فالمواطنون يوسطون بعض النواب ليستولوا على حقوق غيرهم، فيكونون بذلك قد انتهكوا القانون وسرقوا المال العام، وهكذا.
لقد سأل سمو رئيس مجلس الوزراء، في الاستجواب الأخير، سؤالاً آثرنا أن نتوقف عنده، وهو «هل نمت وأنت غير آمن؟»، وليت سموه حدّد أي نوع من الأمان؟ فإذا كان يقصد الأمن الغذائي فمدة الأزمة قصيرة وغير كافية لقياس اختبارات الضغط لنحدّد كفاءة الحكومة، فمجتمعنا لديه تجربة تعاونية رائدة رغم مثالبها، جعلتنا نفيض أكلاً وشرباً حتى أثناء الغزو، وهو الحال نفسه في دول الخليج التي لم تتأثر إمداداتها بالغذاء والدواء، ومنها التطعيم والرعاية الصحية، إذ أثبت القطاع الطبي الكويتي كفاءته.
هل كان الرئيس يقصد الأمن على النفس والبدن؟ قضية كتبنا عنها مراراً مع تصاعد معدل الجريمة، التي وصل القتل فيها إلى المناطق الواقعة على الدائري الثاني، وعلى بعد ثلاثين متراً من أبوابنا في آخر جريمة، مما يمحو شعور الأمان والاستقرار. وفي المقابل، كان آخر أحكام الإعدام في 2017 بعد أن توقفت قبلها لأربع سنوات، مما يحفز زيادة الجرائم التي وصلت إلى حوالي ثمانية عشر ألفاً سنوياً لـ27 ألف متهم، تشكل منها جرائم القتل والمخدرات، التي تفتك بالشباب.
أو ربما كان يقصد الرئيس الأمن الوظيفي! وهو غير موجود في بلد يستحوذ فيه الوافد على غالبية الوظائف، في خلل سافر بالتركيبة السكانية، تجعل نسبة الكويتي في القطاع الخاص لا تتجاوز %4، في حين أشارت المعلومات المدنية إلى وجود بطالة لأكثر من %7، تمثّل حوالي ثلاثة وثلاثين ألف عاطل، سبعون في المئة منهم شباب دون 29 عاماً، مما يهدّد حملة البكالوريوس، في فشل فاضح لدولة غير قادرة على توجيه مخرجات الثانوية لتلائم سوق العمل، مما تسبب ببطالة حملة شهادة الهندسة، ناهيك عن انهيار أصحاب المشاريع الصغيرة.
هل نتحدّث عن أمن مشاريع نفطية تكلّف المليارات وتحقّق خسائر كمصفاة فيتنام ويوروبورت؟ أو كغيرها من المشاريع التي تبخرت وشاركنا ضمن فريق عمل بالتسعينات لحصر إخفاقاتها، أو كما يشكك البعض في أن هناك مصافي محلية لا تحقّق أرباحاً!
أم نتحدّث عن الأمن المجتمعي للتفكّك الأسري؟ أم عن عدم احترام القانون ورجل الشرطة بالشارع الذي يهان أمام أعيننا؟ هل لنا أن نتساءل إن كان هناك أمن أخلاقي؟ عندما لا يوجد ما يردع ويقيّد التفسّخ والانحلال الذي تنافست فيه بعض العارضات والمشاهير، ممن سيطرن على شغف الفتيات وطموحاتهن، فأفسدن خلقهن وكن لهن قدوة سيئة!
هل كان يقصد سموه الأمن المعلوماتي أو السيبراني؟ ويكفينا في ذلك قضية الزميلة د. صفاء أمان، التي حازت البراءة، والتي كشفت لنا مشكورة حجم الخرق الهائل لمعلوماتنا وأكثرها سرية، مقابل هيئة اتصال ومؤسسات معلوماتية مهلهلة، يلف بعضها الفساد وتدار بالمحسوبية.
أين أمان الجهات الرقابية في مسرحية صندوق الجيش؟ وكم صندوقاً مشابهاً له؟ وهل تراهن الدولة على غبائنا في عدم رؤية شمس شبهات غسل الأموال؟
أم كان يتحدث رئيس الوزراء عن أمن البنية التحتية؟ فمن أقبح مركز عاصمة بالدروازة إلى جسور وشوارع وخطوط سريعة مهترئة، حتى بعض الجديد منها مرقع؟! أم نتحدّث عن الأمن السكني لأكثر من مئة الف طلب إسكان حكومي متراكم؟
هل يوجد لدينا أمن شرعي عندما يعيّن بعض أصحاب اللحى بشهادات مزورة، ويديرون مئات ملايين الدولة لمصلحة أحزابهم؟ وعندما يكون تشكيل هيئة الفتوى مخالفاً للقانون؟!
وأخيراً وهو الأهم: هل هناك أمن تعليمي؟ الذي أنشأنا له جمعية خاصة لنكشف حجم التجاوزات الغش والتزوير، الذي يضرب التعليم وبعض مكونات مؤسساته.
وفي النهاية سنرد على سؤال رئيس الحكومة بأننا بالطبع لا نشعر بالأمان سمو الرئيس.
***
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.