آثار التضخم المالي على النفقات الإنتخابية اللبنانية: “ربَّ ضارة نافعة”
بقلم: غادة حلاوي

النشرة الدولية –

نداؤ الوطن –

ليست الدولة وحدها في مأزق ناجم عن تدهور الوضعين المالي والاقتصادي في البلد مما يصعب عليها ايجاد التمويل الكافي لتغطية تكاليف العملية الانتخابية، فالمرشحون بدورهم يعانون من شح المال وارتفاع التكاليف وبالعملة الصعبة هذه المرة.

من غير المعروف ما اذا كان مقترح فتح حساب «الحملة الانتخابية «في المصرف تلقى ضمانات من المصارف بتسهيل أمور المرشحين المالية، والسماح لهم بالسحوبات النقدية. الارجح ان الخطوة لم تكن مدروسة بدليل الصعوبات التي يواجهها المرشح في سحب مبالغ مالية نقدية لتغطية مصاريف حملته الانتخابية وليس شيكات مصرفية. والسبب ان القانون لم يجز للمرشح قبض أو دفع أي مبلغ يفوق المليون ليرة الا بموجب شيك، في حين هناك مصاريف تستوجب دفع مبالغ نقدية وليس من خلال شيك مصرفي كنفقات المندوبين وسائقي التاكسي التي تفوق تكاليفها الحد الاقصى الوارد في قانون الانتخاب.

المصاريف الانتخابية تأثرت بدورها بالشح المالي وتدني قيمة العملة الوطنية ما جعل الكلفة بالدولار أقل من كلفتها بالعملة الوطنية، ما فرض تسعيرة جديدة للعاملين المشاركين في الانتخابات من مندوبين ومفاتيح انتخابية وبدل نقل ومطاعم وغيرها.

مقارنة مع ارتفاع سعر الدولار تدنت كلفة الانتخابات النيابية بالنسبة للمرشحين من المتمولين. فارتفعت اجور العاملين مقارنة مع الدورة الماضية من 500 الف كحد اقصى الى ثلاثة ملايين ليرة وهو السعر المعتمد للمندوب في اكثرية المناطق اللبنانية، كما ارتفع بدل ايجار السيارات من 100 الف او مئتي الف الى مليونين ونصف المليون ليرة، كما ارتفعت بالمقابل كلفة البنزين من 20 الفاً للصفيحة الى نصف مليون ليرة، وهو مبلغ قد لا يجعل توزيع الكوبونات متيسراً على الجميع اللهم الا اذا كان الدفع سيتم بالعملة الصعبة.

وبخلاف الدورة الماضية حيث كانت نسبة المتمولين هي الطاغية بين المرشحين، فان مرشحي هذه الدورة وان كان بينهم عدد لا بأس به من المتمولين لكن هناك ايضاً من يصعب عليه تغطية نفقات حملته الانتخابية، الاتكال هنا على الاحزاب ورؤساء اللوائح من المتمولين وعلى المنصات الانتخابية التي تخوض معركة ما يسمى المجتمع المدني والتي تتكفل بنفقات المرشحين الانتخابية. وهذه كلها تتعاطى بالعملة الصعبة وليس بالليرة اللبنانية. على ان الدفع بالدولار سهّل العملية وجعل التكاليف اقل. فمن كان يشترط مليون ليرة صارت كلفته 50 دولاراً.

كل القطاعات استنفرت عشية الانتخابات. احد الاحزاب استأجر «فانات» النقل لثلاثة ايام قبل يوم الانتخاب لنقل المقترعين الى بلداتهم للادلاء بأصواتهم، كوبونات البنزين تم تحضيرها، كلفتها صارت اقل والاحزاب والمرشحون بصدد البدء بتوزيعها بالجملة هذه المرة، كما حُجزت آلاف الوجبات الجاهزة من محلات «السناك»، بكلفة 2 دولار للوجبة اي اقل من الدورة الماضية.

وبفاصل اقل من شهرين على يوم الانتخاب، تزداد وتيرة الدفع في كل الاتجاهات، ليبلغ حدها الاقصى حالياً مئتي دولار بدل الصوت الواحد. وكلما كثر عدد المرشحين في الدائرة وكثر المتنافسون زاد الدفع حتى صار المرشح عبداً عند الناخب في اماكن معينة له، ما يرضيه شرط الالتزام وعائلته بالتصويت على ان الدفع يكون بتقسيط المبلغ على دفعتين قبل وبعد العملية الانتخابية بضمانة حجز بطاقة الهوية.

وإذا كان القانون حدد سقف الصرف الانتخابي فان الجميع لن يلتزم بالحدود القصوى للصرف الانتخابي الذي حددته الدولة والتي ستكون بدورها عاجزة عن مراقبة مصاريف المرشحين في كل الدوائر، وما تنفقه الاحزاب وما تتقاضاه وسائل الاعلام من المرشحين.

ورغم وجود هيئة للإشراف على الانتخابات ومراقبة الشق المتعلق بالانفاق المالي للمرشحين وما فرضته الدولة من فتح حساب مصرفي للحملة الانتخابية يتم إيداع الأموال والإنفاق من خلاله، الا ان شراءالاصوات لا يزال السمة التي تطبع الانتخابات في لبنان في كل دوراتها بما يصعب مراقبته او الحد منه بالنظر الى السقف العالي الذي حدده القانون للمرشح لتغطية نفقات حملته الانتخابية.

ولن تخرج دورة انتخابات 2022 المقررة في 15 أيار عمّا بات مألوفاً في الدورات السابقة، بالنظر الى الأزمة الاقتصادية الكبيرة وتطلع المواطنين الى كون الانتخابات فرصتهم لجني مبلغ من المال بالعملة الصعبة. وبتعديل قانون الانتخابات ارتفع سقف الإنفاق الإنتخابي الاقصى المسموح لكل مرشح انفاقه اثناء فترة الحملة الانتخابية وفقاً لما يأتي:

– 750 مليون ليرة لبنانية لكل مرشح.

– 50 الف ليرة عن كل ناخب من الناخبين المسجلين في قوائم الناخبين في الدائرة الانتخابية.

– 750 مليون ليرة عن كل مرشح ضمن اللائحة.

عموماً لا يتم الالتزام بالسقف الذي تحدده الدولة. وهل يمكن لأي هيئة ان تراقب هذا المرشح في دائرة كسروان الذي اشترى كل ما في متجر الخضار والفاكهة وطلب توزيعها على اهالي المنطقة، او ذاك المرشح الذي تبرع ببدل تبليط جدران المسجد الخارجية. وماذا عن ابن احدى العشائر الذي أقام إفطاراً كلفَتُه آلاف الدولارات وهو بالكاد يملك سيارة وجلس الى جانبه احد المرشحين في العشاء والقى خطاباً بالمدعوين من «الاصدقاء».

انه موسم الانتخابات، موسم جني الرزق لكثيرين، يكفي ان كل لائحة يتوجب عليها ان تستعين بما يقارب 900 مندوب في الدائرة يتقاضى كل منهم ثلاثة ملايين ليرة، ليكون ذلك مبعث خير على المواطنين، اما ما الذي تفرزه الانتخابات فرب ضارة نافعة، واذا كان التغيير مستحيلاً في بلدنا فلتكن الانتخابات باباً لتحريك الاقتصاد طالما لا فائدة اخرى مرجوة.

Back to top button