كلمة لصديقي الدبلوماسي الكبير
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

عندما تجد نفسك في سيارة أجرة في عاصمة مكتظة بالسكان، وتمر في الشوارع المزدحمة، وترى المخلفات ومئات المخالفات السافرة، ولا تجد من يلتفت لها، ولا أحد يكترث لشيء، تشعر بالحزن لعجزك، مثلهم عن القيام بشيء، فلهؤلاء أعذارهم، فالجري وراء قوت اليوم يأتي قبل بقية الأولويات، مهما كانت لافتة للنظر ومؤذية للعين، وتعرف حينها ان الإحساس بالزمن لدى هؤلاء قد مات، وتبلد الشعور لديهم ربما للأبد!

***

ولكن عندما نجد أن أحاسيس التبلد ومشاعر عدم الاكتراث تنتشر بيننا، وبتوسع مستمر، وفي وطن صغير قليل المشاكل وثري، يصبح الأمر مدعاة للتساؤل.

لفت صديق نظري إلى الفيديو الذي انتشر لشخص يجلس في مقهى قريب من قلب الحريق الذي أتى على جزء كبير من المباركية، وهو مشغول بالتهام طعامه، وتدخين الشيشة، غير مكترث بما يجري حوله.

كما نجد تزايداً في مظاهر عدم الاكتراث في عدم الإبلاغ عن مخالفات هدر المياه، والرعونة الشديدة في القيادة، وإجلاس الأطفال في أحضان آبائهم أو أمهاتهم وهم يقودون السيارة، او إخراج الطفل لنصف جسمه منها وهي مسرعة، من دون شعور بخطورة ما يقومون به، أو رمي البعض الفضلات في أي مكان، ولو كان نظيفاً، وغيرها من تصرفات مزعجة جداً، تدل على البلادة وعدم الاكتراث، وجميعها نتيجة طبيعية لموت الشعور بالمسؤولية داخل النفس، والإحساس بأننا مهما فعلنا فإن الأوضاع ستزداد سوءاً، فما فائدة النضال والشكوى والإبلاغ وما يتم حله أو إصلاحه لا يشكل شيئاً في بحر المخالفات والتسيب والفساد والسرقات التي يسمعها المواطن ويقرأ عنها كل يوم، لا بل كل ساعة!

***

مسؤولية وقف تدهور الروح المعنوية التي أصابت الجميع تقريباً هي مسؤولية الحكومة بالطبع، بمختلف أجهزتها، التي أصبحت مؤخراً تؤمن بأن العلاج يكون في زيادة الجرعة الدينية، والحل في تحويل شوارعنا إلى مساجد مفتوحة بآلاف الإعلانات الدينية المعروفة الهدف!

والمؤسف أيضاً ملاحظة ان عدم الاكتراث أصاب حتى نفوس الطبقة التي تعتقد نفسها الأكثر علماً وثقافة، وتحمل أعلى الشهادات العلمية. فما أن يأتي الأمر لمصلحتها الشخصية حتى نجدها تنسى كل سابق ألقابها العلمية ومناصبها الدبلوماسية الرفيعة، ويبدأ التساؤل عن سبب حسدي ووقوفي ضد منحة الثلاثة آلاف دينار للمتقاعدين، وأنه يستحقها لأنه خدم الدولة طويلاً بإخلاص، غير مدرك ربما، أن في ذلك إضراراً بحقوق غيره من المتقاعدين، فهم شركاء في ذلك المال، ولا يجوز عدلاً ولا قانوناً، حرمانهم منها!

لست ضد إنصاف أي كان بطبيعة الحال، ولست بأفضل منهم، وبالذات من مستحقي المساعدة الذين خدموا الدولة، ولكن هذا إن تم فيجب أن يكون من المال العام، وليس على حساب فئة محددة من الشعب وهم الشركاء في مؤسسة التأمينات!

غياب هذا الإحساس المتزايد دفع الغالبية لترديد مقولة «اللهم نفسي»، ولتذهب قواعد العدالة والمساواة إلى الجحيم، فطالما أن البعض يسرقون وينهبون، ولا يعاقبون، وهذا شعور يشعر به الجميع تقريباً، فلم عليه أن يضحي ويصبح «آدمياً» ومواطناً صالحاً في بيئة تنجرف بسرعة نحو فساد عظيم؟!

Back to top button