ما بعد أوكرانيا، ..من أين والى أين؟!
بقلم: الدكتور سمير محمد ايوب

النشرة الدولية –

إذا كانت هناك أزمة ساخنة ومتميزة في اسبابها واطرافها وأدواتها وتبعاتها في الواقع الدولي الآن، تعكس وحدها حماقات وهوس الولايات المتحدة وحلفائها، فهي الهستيريا الجارية منذ يوم ال 24 من شباط وماتزال، فوق الاراضي الاوكرانية ومن حولها.
وإذا كان هناك من تفسير عقلاني للعمليات العسكرية الدائرة فوق الاراضي الاوكرانية، وبعيدا عن مسماها الروسي او الامريكي ، فلن تجد تفسيرا مماثلا للرد الغربي على العمليات الروسية هناك، فهو رد مثقل بازدواجية المعايير الهمجية التي تسوغ الكيل الممنهج بأكثر من مكيالين ، والإستدارة السمجة على المفاهيم الإنسانية والأخلاقية حول الابادات الجماعية والجرائم ضد الانسانية التي مارسها الغرب في كل مناحي العالم عبر صولات وجولات من الحروب القذرة غير الشرعية التي شنها باسم نشر الديموقراطيات والحريات بالتدخل المسلح وقتل المدنيين وتدمير الحضارات المستعصية على اختراقهم. وما هيروشيما وناجازاكي في اليابان وكوريا وفيتنام وكوبا وجزر الفوكلاند، وافغانستان ، والجزائر والعراق، وسوريا ، واليمن، وليبيا والصومال ناهيكم عن فلسطين، الا امثلة بسيطة ليس إلا.
يتحمل حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة كامل المسؤولية عما يجري الان فوق اراضي اوكرانيا، بسبب تمادي سياساته التوسعية التي تستهدف الوجود الروسي ذاته، وما الحصار المتسارع والاقتراب الحثيث من عتبات روسيا الا اداة من أدواته الواضحة. نبهت روسيا كثيرا الى خطورة مفردات تلك السياسات التي تصر على تهديد امنها القومي. ولكنها امام تعنت امريكا وحلفها الاطلسي، لم تجد في النهاية أمامها سوى اللجوء الى القوة المادية، في عملية خاصة تستهدف تحقيق أمنها ومصالحها الآنية والمستقبلية، وكسر احتكارامريكا وانفرادها بقيادة العالم، وبالقوة أيضا لا بد من تغيير النظام الدولي الراهن الذي يتيح لها ذلك التفرد.
بالطبع لم تقبل الولايات المتحدة وحلفاؤها بالامر الواقع، فقررت المواجهة بكيفيات ملتبسة للحؤول دون تمكين روسيا من تحقيق أهدافها، مع الحرص على تجنب الدخول في مواجهات مباشرة مع روسيا. فلجأت الى فرض عقوبات هائلة غير مسبوقة على روسيا وإلى تزويد اوكرانيا بمنظومات متطورة من الاسلحة ومن المتطوعين والمرتزقة لمقاومة القوة الروسية.
في إطار هذا الصراع المتصاعد بدمويته وتعدد اهدافه وتنوع أداواته واتساع رقعته ، يبدو واضحا الان اننا إزاء حرب مباشرة بين الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها وروسيا وحلفائها، تتصاعد وتيرتها وأسلحتها ومراحل المواجهات فيها.
ودوي المدافع ونيرانها وصليل الشيطنة الاعلامية المجنونه لروسيا، هو الموسيقى التصويرية للسعار العالمي، هل صحيح ان من السابق لاوانه معرفة ما ستسفر عنه الازمة الحالية؟
وفق ما تمضي فيه الازمة من مسارات ومسالك ودهاليز ومحاصصات، يمكن القول بعيدا عن اوهام استنزاف الجيش الروسي والاقتصاد الروسي وتبعات ذاك الاستنزاف على الرأي العام على المدى الطويل، أرى: ان كل ما يجري في اوكرانيا وغيرها من ساحات المكابشة والارتطام والصدام المعلن او الخفي، اقتصاديا وعسكريا او حتى بالهمهمة والتأتأة المشفرة، حتى لو وقف العالم اكثر من مرة على حواف اكثر من هاوية ، لا يشي ;كل هذا وذاك حتى الان، الا إلى نجاح روسيا وحلفائها ( الصين ، كوريا ،الهند ، باكستان، ايران والعديد من دول امريكا اللاتينية وغير اللاتينية ) في تحقيق اهداف الحملة العسكرية الروسية على اوكرانيا، وفي إعادة الاصطفاف في العالم، واعادة تنظيمه وفق ارادات ومصالح ومعايير وتنازلات وتفاهمات متبادلة ، تحت الطاولات ستفرض محاصصات جديدة فوق الأرض وتحت الأرض وفي السماء.
فالحق والباطل على مر التاريخ حجة الضعفاء، تماما كالتاريخ نفسه ، فهو الآخر حجة الضعفاء، لا يساير إلا القوة ولا يساير العقل ولا الاخلاق ولا الحق.
لننتصر في معاركنا علينا النتذكر دائما، أن القوة في النهاية، لا تستطيع التحكم بفوائضها.

زر الذهاب إلى الأعلى