«آي ميديا» مسرحية كويتية تحصد الجوائز العربية وتختنق محلياً
النشرة الدولية –
في خطوة غير متوقعة، وخلافاً لما كان معلناً جرى تقديم عرض خاص يتيم من مسرحية «آي ميديا» خارج دار الأوبرا بنظام الدعوات الخاصة بدون شباك تذاكر بمناسبة اليوم العالمي للمسرح. ولاستجلاء الحقيقة ورصد التداعيات التي أدت الى ذلك، أجرت «الجريدة» استقصاء لمعرفة الأسباب التي دفعت المؤلف والمخرج سليمان البسام إلى عرض المسرحية بـ«دعوات خاصة» دون شباك تذاكر، لا سيما أن المسرحية كان مقرراً تقديم عروضها منذ عام 2020 بمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي لكن ظروف الإغلاق بسبب كورونا فرضت التأجيل، وعقب تلاشي الخطر أعلن المركز تقديم «آي ميديا» ضمن فعاليات «ربيع الكويت 2022» في مارس الماضي، وكانت العمل المسرحي اليتيم على أجندته، لكن في أجواء ضبابية ذهبت فرصة تقديم العمل للجماهير أدراج الرياح، بعد تنصل إدارة المركز من التزاماتها ومسؤولياتها! وفيما يلي التفاصيل: • لماذا أحال المركز وهو المخول بإجازة عروضه النص إلى لجنة رقابة المجلس الوطني؟! • المركز وأد فرص العروض الجماهيرية للعرض المسرحي اليتيم ضمن فعاليات «ربيع الكويت 2022» • البسام قدم مشروع تأسيس المسرح الوطني الكويتي عشرات المرات لكن لا حياة لمن تنادي!
لم يدر بخلد المؤلف والمخرج سليمان البسام أن مسرحية “آي ميديا” التي تناقش أوضاع اللاجئين العرب وما يعانونه من ألم وقهر ووجع وتشرد، سيكون مصيرها في بلدها كمصير اللاجئين فتكون متسللة غير شرعية في وطنها.
فقبل أيام؛ وفي اليوم العالمي للمسرح عرضت “آي ميديا” في مركز اليرموك الثقافي بدار الآثار الإسلامية، التي لطالما احتضنت أعمال البسام على مدى عشرين عاماً. وفي بداية العرض كانت كلمة اليوم العالمي للمسرحي التي ألقاها في تسجيلٍ مصور الفنان جاسم النبهان أعقبها بيانٌ مكتوب تلاه النبهان وأثار ردود فعل كبيرة بين المهتمين والمعنيين والجمهور وتم تداوله على نطاقٍ واسع في وسائل التواصل الاجتماعي.
الاتفاق بين المركز والبسام
في عام 2019 كان البسام يخطط لمشروع مسرحي جديد كان اسمه حينها “ميديا ميديا”، وتم التباحث حول صيغة العمل مع إدارة مركز الشيح جابر الأحمد آنذاك وصولاً لتوقيع عقد يكون المركز بموجبه منتجاً مشاركاً إلى جانب شركاء آخرين. وعلى أثر هذا الاتفاق أجريت بروفات العمل على مرحلتين، الأولى في المركز عام 2019، والثانية عام 2020 وكان مقرراً أن تتوج بتقديم العمل للجمهور في مارس 2020، لكن جائحة كورونا أوقفت الأمر وتم إغلاق المسارح والمطار قبيل أيام من موعد العرض.
وعقب تحسن الأوضاع الصحية، وبعد بدء عودة الحياة إلى طبيعتها في البلاد، تواصل البسام مع إدارة المركز لاستكمال المشروع من حيث توقف، لكن الإدارة الجديدة للمركز رفضت الاعتراف بالعقد الذي أبرمته الإدارة السابقة كـ”منتج”، مشيرة الى ضرورة توقيع عقد جديد لاستضافة العمل في ثلاثة عروض. وحيال ذلك ونظراً لرغبة البسام في عرض المسرحية في الكويت وافق على بنود العقد الجديد، لكن بدلاً من اجراء بروفات العروض انطلقت فصول مسرحية أخرى، وبدأت المفاوضات بين فرقة البسام وإدارة المركز في يناير 2022، على أمل تقديم العروض بالتزامن مع اليوم العالمي للمسرح.
جاءت هذه المفاوضات عقب مشاركة المسرحية في مهرجانات عربية مرموقة، وتم عرضها في تونس والقاهرة وبيروت خلال شهري ديسمبر ويناير الفائتين، وفازت بحصة الأسد من جوائز المسابقة الرسمية للدورة الـ22 لأيام قرطاج المسرحية في تونس، حيث نالت ثلاث جوائز رئيسية من بين الجوائز الخمس التي يمنحها المهرجان، وهي جائزة أفضل نص مسرحي لسليمان البسام، وجائزة أفضل سينوغرافيا لإيريك سواييه، وجائزة أفضل ممثلة للممثلة حلا عمران التي فازت بذات الجائزة أيضاً في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي في الشهر نفسه.
ثم تم تقديم العمل في ثلاثة عروض غص بالجمهور خلالها مسرح “المدينة” الذي يعد أعرق مسارح العاصمة اللبنانية بيروت خلال شهر يناير الماضي وأشعلت ليالي المدينة.
كما نال العمل، في محطاته الثلاث في تونس والقاهرة وبيروت، احتفاء منقطع النظير من النقاد والمهتمين والجمهور والصحافة العربية.
العرض في الكويت
بعد الجوائز التي حصدتها المسرحية وجولتها في 3 مدن عربية كان من الطبيعي أن تعود المسرحية إلى مسقط رأسها الكويت، وأن يعمل مؤلفها ومخرجها على عرضها في بلاده، فكان أن أعاد التواصل مع مركز الشيخ جابر الثقافي مع بدء عودة الروح إليه بعد انتهاء الإغلاقات… وهنا كانت المفاجأة الأولى: عدم اعتراف الإدارة الجديدة للمركز بالعقد الذي أبرمته الإدارة السابقة مع البسام!
وحرصاً من البسام على عرض عمله في وطنه للجمهور الكويتي بدأ ببحث عقد جديد مع الإدارة الجديدة في يناير الماضي، والاتفاق مبدئياً على عرض العمل في 3 عروض في شهر مارس الماضي، سارت الترتيبات والتنسيق التقني بين الطرفين بشكلٍ جيد وأعلن المركز عن تقديم مسرحية “آي ميديا” في مارس ضمن فعاليات “ربيع الكويت”، وأعلن المركز عن العرض على لسان مديره لوسائل الإعلام.
خلال المباحثات أصر البسام على مطالبته بتحديد قيمة تذاكر العروض بثلاث شرائح ( 10 د.ك، و 20 د.ك، و30 د.ك) والنص على ذلك بالعقد ضماناً لإتاحة الفرصة للجمهور والشباب خاصة بحضور العرض خاصةً مع تململ جمهور المركز من ارتفاع أسعار تذاكر فعالياته، وهو ما قبل به المركز على مضض بعد أخذٍ ورد.
الرقابة
وفي 7 مارس وخلال اجتماع لبحث الخطة الإعلامية والتسويقية طلب المركز من البسام تقديم نصه للجنة الرقابة بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وهو ما تم، وقام البسام بتزويد المركز بتاريخ 10 مارس بنسخة من إثبات إيداع النص بالمكتبة الوطنية، ليرد المركز في نفس اليوم بطلب نسخة من النص “لتقديمه للجنة التراخيص الخاصة بالمركز”!
بعد البحث تبين أن هناك قراراً وزارياً نافذاً يعود إلى عام 2018 (رقم 1769) يمنح المركز صلاحية الموافقة على العروض، قائلاً بنصه: ” يعهد إلى الديوان الأميري بالاختصاص المقرر لكل من وزارة الإعلام، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في شأن إصدار التراخيص اللازمة للفعاليات التي تقام في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، على أن يشكل الديوان الأميري لجنة برئاسته وعضوية كل من وزارة الإعلام، والمجلس الوطني للثقافة ووزارة الداخلية، تتولى إصدار القرارات اللازمة لذلك”.
أعقب ذلك توالي ظهور أمور “غير مريحة” بدأت بطلب المركز تخفيض قيمة العقد بما يعادل 40 في المئة من قيمة العقد في 10 مارس كخيارٍ أول، وعرض خيارٍ آخر بتأجير الصالة للبسام وكأنها صالة أفراح!
ثم قام المركز بتاريخ 13 مارس بتعديل صيغة العقد وتضمينه اشتراط موافقة لجنة الرقابة في المجلس الوطني للثقافة وربط الدفعة الأولى بتقديم الموافقة، وللمصادفة فإن هذا الاشتراط كان في نفس يوم تزويد المركز للبسام بملاحظات لجنة مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي على النص!
وبما أن حضور لجنة المجلس الوطني يتم للبروفة العامة، والتي تتم قبل 24 ساعة من العرض الأول، وبما أنه لا مجال عند البسام لتقديم بروفة للجنة إلا قبل العرض بيوم كون فريق عمله دولياً متعدد الجنسيات، فإن هذا الشرط يعني عملياً استحالة تقديم العرض الأول لتعذر تقديم وثيقة موافقة لجنة الرقابة قبل موعد العرض، علماً أن التحصل على الوثيقة يتطلب خمسة أيام بالتمام والكمال!
في النتيجة، وبفعل تنصل المركز من التزاماته عبر وضع شرط تعجيزي تلو آخر، وجد البسام حامل الجوائز باسم الكويت نفسه مضطراً لتقديم عمله بعرضٍ خاص وبدون شباك تذاكر بعدما كان مخططا تقديم مسرحيته في عروض جماهيرية كبيرة لأكثر من ألفي شخص.
• لماذا تم التوقيع بالأمر المباشر بتكتم وسرية وعدم إفصاح عن المبلغ؟
• من المسؤول عن مستوى فعاليات المركز؟ هل هناك مجلس أمناء؟ لماذا لا يخرجون لنا وبشجاعة؟
• هل تمتلك الدولة رؤية استراتيجية للمركز؟ أم سينتظر المسؤولون نهاية العقد الحالي بعد بضعة أشهر ليتم منح عقود مؤقتة أخرى بمبالغ باهظة وإنتاجية متدنية؟
• المركز يكلف المال العام ملايين الدنانير، والنتيجة حفلات غنائية هزيلة لا ترقى لمستوى هذا الصرح… فما التفسير؟
• مدير المركز أعلن عن فعاليات ولم يلتزم بتقديمها، من يحاسبه على خداع الجمهور؟
تأجيل أم إلغاء؟!
وبعد إبداء العديد من كتاب الصحف استياءهم مما جرى، ومع أن المركز امتنع عن إصدار أي توضيح رسمي أو تحديد تواريخ بديلة للعرض “المؤجل” وإعلانها للجمهور، إلا أن المركز تواصل مع هؤلاء الكتاب بشكل مباشر مصراً على أن ما تم هو “تأجيل لا إلغاء”، وأنه تم الاتفاق بين الطرفين على تأجيل العروض إلى الخريف! إلا أنه بعد التحقق من هذا تبين أنه لم يتم تحديد تواريخ إعادة جدولة العرض من قبل المركز ولم يتم إبلاغ البسام وفرقته بهذا أو إعلام الجمهور.
وفي اتصال مع البسام لاستيضاح الموضوع وصف هذا بأنه “ذر للرماد في العيون وكلمة حق يراد بها باطل”، وأنه “تأجيل بنكهة الإلغاء، وهو كوعد مدير المركز للجمهور بتقديم العرض”، موضحاً: “مع أنه وصلنا كتاب بالتأجيل، ورددنا قبل ما يقارب الشهر باقتراح مواعيد للعرض في الخريف، وحتى يومنا هذا لم يتم الرد علينا لترتيب المواعيد المؤجلة لتقديم العرض للجمهور!”.
وأضاف البسام: “من يبحث الآن عن برامج وأمسيات المركز يجد أنه ليس هناك أجندة لهذا الشهر- كما لأشهر كثيرة غيره- فهل يعقل ألا يتم برمجة برامج على مدى أسابيع وأشهر، وأن البرامج التي يُعلن عنها يتم وأدها دون حسيب أو رقيب؟ فعلام إذاً يتم صرف مبالغ هائلة على المركز دون أي عائد، ولمصلحة من يتم هذا وكيف ولماذا؟!”
وفي رده على أسئلة “الجريدة” قال: ” ما جرى –للأسف- هو وأد إمكانية تقديم العرض للجمهور في الكويت، فقد تم تنصل الإدارة الجديدة من عقد الإدارة القديمة، واقتراح استضافة العرض، ثم توالى وضع العراقيل والمعوقات غير المنطقية وغير المفهومة وكأن إدارة المركز لم تمتلك منذ البداية النية الصادقة والجدية لاستضافة عملي الذي يشارك المركز في إنتاجه وفق العقد الأول!”.
وأضاف البسام: ” الأمر أكبر من مسرحيتي، إنه يتعلق بالوضع الثقافي والفني في البلاد بشكلٍ عام وبدور مركز الشيخ جابر الثقافي بشكلٍ خاص”، متسائلاً: “كيف يتم إسناد إدارة مكان بهذه الأهمية لشركة تجارة عامة ومقاولات؟ وأين تذهب الميزانيات الضخمة من الأموال العامة المخصصة لتشغيله؟ وهل تمتلك الدولة أصلاً استراتيجية ورؤية ثقافية؟”.
ورأى أن “هذه المؤسسة من واجبها تأسيس فرقة المسرح الوطني الكويتي، وهو المشروع الذي قدمناه عشرات المرات دون حتى رد، إلا أن مؤسسة بهذا الحجم حين تُسند إدارتها إلى شركة تجارة عامة ومقاولات، والتي هي عاجزة عن تقديم مسرحية كويتية مكللة بالجوائز فمن الطبيعي ألا تكون قادرة على تأسيس فرقة المسرح الوطني أو الفرقة الشبابية أو تقديم أعمال مختارة من سلسلة المسرح العالمي، وهي كلها مقترحات من أساس عمل المراكز الثقافية يعود تقديمها لفترة عملي ضمن لجنة المسرح بمشروع تأسيس المراكز الثقافية خلال الفترة من 2007 إلى 2011، ثم أعدت تقديم مشروع فرقة المسرح الوطني تحديداً قبل أربع سنوات للمركز وللديوان الأميري، وآخرها قدمته للإدارة الحالية قبل 3 أشهر لكن لا حياة لمن تنادي، والسؤال هنا كيف ننتظر من شركة “تجارة عامة ومقاولات” أن تدير صرحاً بهذا الحجم والأهمية والارتقاء بالمشروع الثقافي الوطني؟!”.
وحول عمله قال البسام: “هذا العمل الذي جلب للكويت الفخر والاعتزاز وكُلل بالجوائز لم يكلف مسؤولٌ نفسه عناء توجيه كتاب شكر بشأنه أو رفع سماعة هاتف”، مضيفاً: “رغم أن لدى المركز لجنته الخاصة بالرقابة فإنه اشترط عليَّ الحصول على موافقة لجنة رقابة المجلس الوطني، والمضحك المبكي أن لجنة رقابة المجلس لم تعط أي ملاحظة على العمل، بل أجازت العمل وتم إيداعه في المكتبة الوطنية، على عكس لجنة المركز التي زودتنا بملاحظات عديدة على النص، فهل من المعقول ما يجري؟”.
وأكد النبهان أهمية المسرح كحالة وتجربة فنية فريدة لمقاسمة الفرد والمجتمع والعالم آلامه وطموحاته وأزماته، مشيرا إلى أن لاجئة سليمان البسام “آي ميديا” المحتفى بها خارج وطنها الكويت، تعامل على أنها مهاجرة غير شرعية في بلدها الأم، وبعد أن تم تجهيزها وإنتاجها بالتعاون مع مركز الشيخ جابر، وكان مقررا لها العرض الجماهيري بذات التوقيت في مسقط رأسها، وهو “مركز جابر”، فإن الإدارة الجديدة لدار الأوبرا فرضت شروطاً تعجيزية نتج عنها وأد فرص عرض العمل في الكويت جماهيرياً.
وأضاف أنه مع إصرار البسام على عرض المسرحية لم يكن أمامه سوى تقديم العرض لعشاق المسرح بناء على دعوات خاصة، على خشبة مركز اليرموك الثقافي في عرض فريد ويتيم، إنقاذا للمسألة، متقدما بالشكر لدار الآثار الإسلامية، وعلى رأسها الشيخة حصة صباح السالم.
قبل العرض بـ 10 أيام خيَّر المركز البسام بين تخفيض العقد 40% أو تأجير المسرح له… وكأنه صالة أفراح!
كيف ننتظر من شركة «تجارة عامة ومقاولات» إدارة صرح بهذا الحجم والأهمية والارتقاء بالمشروع الثقافي الوطني؟!
النص الحائز جائزة «الأفضل» بمهرجان قرطاج والذي لم تبدِ لجنة المجلس الوطني أي ملاحظة عليه لم يسلم من ملاحظات «اللجنة الخفية»!
لا برمجة في المركز على مدى أشهر والبرامج التي يُعلن عنها يتم وأدها دون حسيب أو رقيب!
المركز عدَّل العقد وضمَّنه شرط موافقة رقابة المجلس في نفس اليوم الذي زوّد البسام بملاحظات لجنته على النص!