هكذا تحوّلت البلدات اللبنانية من حكم الدولة إلى الحكم الذاتيّ
النشرة الدولية –
لبنان 24 – بولين أبو شقرا –
ثلاثةٌ وعشرون قانونًا خاصًا بالتّمديد للمجالس البلديّة صدروا منذُ تأسيسِ دولةِ لبنان الكبير.. والحبلُ على الجرار.
هذا هو الواقع البلديّ في لبنان، إذ أنَّ مسلسل التّمديد ليس وليدَ اليوم إنّما هو نتاج سياساتٍ متعاقبة، بدأت عندما تمّ التّمديد للمجالس النّيابيّة المنتخبة عام 1963، واستمرَّ على هذهِ الوتيرة لغاية العام 1998 حيثُ صدرَ خلالَ هذه الفترة 21 قانون تمديد، بالإضافة إلى العام 2022 حيث صدرَ قانون مُدّد من خلاله للمجالس سنة إضافية. بانتظار السنة الحالية وما ستؤول إليه..
ولكن، ما بين 2022 و2023 لا مجال للمقارنةِ أبدًا، فلا الظّروف هي نفسها، ولا الأجواء مُهيأة لأيّ فراغ، خاصةً مع دخول الإستحقاق البلديّ مهلته القانونيّة. فماذا ينتظرُنا في حال أُقرّ تمديدٌ جديد وسط أعداد كبيرة من البلديات المُنحلّة أصلاً؟
حكمٌ ذاتيّ غير مباشر
الأرضية مهزوزة، والأمن قد يفلت في اي لحظة… هكذا يُؤكّد أحدُ رؤساءِ البلديات ل”لبنان 24″، ويشيرُ إلى أنَّ الأوضاعَ الإقتصاديّة والسّياسيّة، والتّفلت الأمنيّ في بعض المناطق من دون وجود أي رادعٍ قد قلبَ الآية في لبنان، وأرجعنا إلى أيّام “الشّرقيّة والغربيّة” التّي عانى خلالها لبنان الأمرّين.
كل هذا التّخوف تُرجم في بعض المناطق بأساليب الأمن الذاتيّ، التي باتت تغزو لبنان من شماله إلى جنوبه.
هذه هي الصورة الحاليّة، فشمالاً بات أهالي طرابلس وعكّار والكورة حرفيًا متفرغين لمتابعة الأوضاع الأمنيّة التي ارتفعت بشكل دراماتيكيّ خلال الأشهر الماضية، خاصةً داخل الأحياء، والطّرقات التّي تنعدمُ فيها الإنارةُ ليلاً، حيث استشرت الأزمة الكهربائيّة، لتُصبح هكذا مساحات مسارح لسرقة الممتلكات والأموال والمنازل والسّيارات، إضافةً إلى ارتفاع معدلات “التشليح” بالتهديد بالسلاح.
كل هذا يأتي ضمن غيابٍ كبيرٍ للقوى الرسميّة المولجة بحفظ الأمن، خاصةً حرّاس البلدية، إذ تؤكّد مصادر متابعة لـ “لبنان 24” أنَّ البلديات في البلدات النّائية لم تعد لديها القدرة على تأمين بدل أتعاب الحرّاس خاصةً وأنّ موارد البلديات شبه منعدمة ما اضطرها إلى الإستغناء عن خدماتهم.
ومن هنا تؤكّد المعلومات الصحافيّة أنَّ العديد من الشّبان في طرابلس حاولوا إعادةَ تفعيلِ مجموعةِ “حرّاس المدينة” المُنشأة عام ٢٠١٥ والتّي عادت إلى الواجهة إبّان ثورة ١٧ تشرين من جديد، إلا أن امتعاضًا كبيرًا برز في اوساط فاعليات المنطقة الذين رفضوا هذه الحركة معتبرين بأنّها حركة تؤسّس لما يشبه الحكم الذاتي البحت، وهذا ما لا يريده سياسيّو طرابلس على الأقل.
وفي جولة ميدانيّة على بعض القرى الجبليّة، فان الحال هي نفسها، حيث تسعى مجموعات منظّمة من شباب المناطق إلى ضبط المنطقة، من خلال الحراسة من دون أن يتعدى الأمر أكثر من ذلك.
وبحديثٍ مع ” لبنان ٢٤”يشير أحد الشّباب إلى أن مناوبات متتالية منذ السّاعة ١٢ بعد منتصف الليل إلى حدّ السّابعة ٧ صباحًا يتبادلها الشّباب في ما بينهم، حيث استطاعوا خلال أقل من شهر لجم أحداث السّرقة، والسّلب، كما واستطاع أحدهم في منطقة صوفر إيقاف مجموعة كانت تعمد إلى قطع أسلاك الكهرباء، حيث جرى توقيف افراد المجموعة وتسليمهم للجهات الأمنية المسؤولة بعد معاناة طويلة مع هذه السرقات التي تكرّرت لعشرات المرّات قبل أن تقوم هذه المجموعات بوضع حدّ لها .
وتوضح مصادر متابعة أنّ ما يقوم به هؤلاء الشباب هو نتاج سببين ألا وهما ازدياد نسب السرقة بشكل هستيريّ، والغياب اللافت للقوى الأمنية وسط محاولات تعبئة الفراغ الحاصل.
في بيروت الأمر تعدّى الحراسة
واقع بيروت أخذ منحى مختلفا تمامًا، إذ إن الشوارع باتت مسرحًا لمجازر أمنية تحدث بشكل شبه يومي، إلا أنّ ما هو خطير يتمثل بالسلاح، وبشكلٍ ظاهر.
فالمجموعات “المُنظمة” التّي أخذت على عاتقها مهمة الحراسة، ذهبت بعيدًا لحدّ أن تسلّحت، وفرضت نفسها داخل الشوارع، إلى أن باتت منظمات ومجموعات شبه رسميّة، تأخذ على عاتقها مسؤولية الحراسة، والمراقبة، وحتّى المحاسبة.
الأمر لم يتوقف على المجموعات فقط، لا بل بات للأهالي دور أساسي في عملية الحراسة، إذ أنّ نسب الأسلحة المباعة في لبنان ارتفع بشكل كبير، ليصبح السؤال ليس عمَنْ يملك سلاحًا في منزله بل عمَن لا يملك سلاحًا اليّوم؟ وهذا ما يوثق بأنَّ مهمة امتلاك السّلاح باتت من الضّروريات المعيشية التي يسعى إليها أي شخص خاصة في المناطق التي تشهد ازدحامًا لمجموعات أخذت على عاتقها حماية مناطقها ومصالحها.
أزمة البلديات ستؤجّج المشكلة
حاليًا توجد أكثر من ١٠٠ بلدية منحلة في لبنان لأسباب عديدة تختلف ما بين الوفاة، والإستقالات وغيرها.. هذا الخبر ليس عابرا إذ أن حلّ أكثر من ١٠٠ بلدية وسط شكوك حول جديّة العمل على إجراء الإنتخابات البلدية، له آثاره الكارثيّة، وهذا ما يؤشّر على أنّه وفي حال عدم إجراء الإنتخابات، وإبقاء هذه البلديات رهينة القائمقامين أو المحافظين فإنَّ الأمور ستتّجه لمزيدٍ من الفوضى، ومن هنا تؤكّد مصادر برلمانية لـ”لبنان٢٤” أنّ عدم إجراء الإنتخابات البلدية في موعدها المحدد سيؤجج المشاكل داخل أكثر من ١٢٠ بلدية ظاهرة إلى حدّ اليوم. وأبرز هذه المشاكل سيكون امنيا ما من شأنه أن يحوّل البلدات إلى ساحات حكم ذاتيّ سيعيدنا إلى صورٍ أليمة عايشها لبنان سابقًا.