يوتيرن دراما عمل درامي اجتماعية مميز يمنح للمشاركين فيه مساحة خاصة لإثبات قدراتهم الفنية

النشرة الدولية –

بعد انقضاء نصف شهر رمضان الحالي صار من الواضح للمشاهدين وحتى النقاد والصحافيين، الخيوط العريضة لأغلب الأعمال الدرامية، وصار من الممكن نقدها وتحليلها وإخضاعها لتقييمات فنية قرأنا الكثير منها حتى منذ بداية العروض على الشاشات الصغيرة.

ومن بين الأعمال التي تنافس هذا العام، مسلسل “يوتيرن” الذي يعدّ البطولة المطلقة الثالثة للممثلة المصرية ريهام حجاج، بعد مسلسل “لما كنا صغيرين” (2020) و”كل ما نفترق” (2021).

والمسلسل من تأليف أيمن سلامة وإخراج سامح عبدالعزيز، وتلعب ريهام حجاج فيه دور “يارا”، وهي ضابط ملاحة تتخلى عن حلمها من أجل زوجها المتملك “يوسف” (أيمن القيسوني)، الذي يجعلها تنهي علاقتها بصديقها المقرب وابن خالتها وزميلها في العمل “خالد” (كريم قاسم) ظنا منه أنه مغرم بها. وتقودها الصدفة ذات يوم، للقاء خالد، ثم ارتكاب جريمة قتل تجعلهما رهينة للابتزاز والتهديد. تحاول يارا وخالد حل المشكلة، لكنهما يكتشفان تدريجيا أن يوسف هو من كان يستغلهما، ويوجههما كما يشاء متبعا هلوساته وشكوكه في زوجته التي يراقبها مراقبة مشددة منذ ارتباطهما.

جاء سيناريو العمل محكما يؤسس لشخصيات واضحة المعالم ذات وجود منطقي ضمن الأحداث، لكنه يبعث للمشاهد بإيحاءات عن علاقات ونوايا خفية، فيجعله منشغلا بمحاولة فك شيفرات العلاقات المتشعبة وتركيباتها النفسية المتحكمة فيها. ورغم ذلك وقع المسلسل في فخّ التمطيط، فحتى وإن شغل المشاهد بأحداث ثانوية تخص بقية الشخوص، إلا أنّ فكرة العمل عامة لا تحتمل الاشتغال عليها لثلاثين حلقة دون التسريع في أحداثها وضخ تفاصيل شيقة تجذب المشاهد للمزيد من المتابعة.

ويعتمد المسلسل حوارا سلسا، لا يقتفي أثر أعمال شبيهة أو كليشيهات منتشرة هنا وهناك في مواقع التواصل، أو حتى يعتمد “موضة” اللازمة اللغوية التي صارت منتشرة بين الممثلين، فكل عام يخرج علينا أحدهم بجملة أو كلمة يكررها في الحلقة الواحدة العشرات من المرات حتى يحفظها الجمهور ويصيغ من أجلها النكات والتعليقات، فيشتهر المسلسل “على قفاها” كما تقول العبارة المصرية.

ولعب منتجو المسلسل على وتر مشاركة أسماء تشوق محبي الدراما لرؤيتهم مجددا في الشاشات الصغيرة، ومنهم توفيق عبدالحميد، الذي يجسد دور والد يارا وهو نموذج عن الأب الواعي والمحب لابنته والذي يدعمها ظالمة كانت أو مظلومة، همه الوحيد الحفاظ عليها وعلى سعادتها، وهذا النموذج غاب عن الدراما المصرية خلال السنوات الماضية، التي اختارت التركيز على الأب العنيف المتسلط الذي يضحي بفلذة كبده من أجل المال وحتى إن لم يفعل ذلك، فيكون أول مخيف ومرعب لها.

ويعود أيمن قيسوني الممثل الغائب منذ 2019 إلى الدراما، فيقدم شخصية مركبة، تجمع بين العقد النفسية المحفورة في ذاته منذ الصغر وبين ثنائية الشر والقوة الذكورية اللذين يمارسهما على النساء في حياته.

وأثار “يوتيرن” الجدل لأنه فقط من بطولة ريهام حجاج، بعيدا عن أي جوانب فنية، فحتى اقترابه الشديد من اقتباس الفكرة العامة للمسلسل من فيلم أميركي بعنوان “أعرف ما فعلت الصيف الماضي”، لم ينتبه إليه إلا قليلون ممن يدركون أن مشاهدة الأعمال الفنية تستوجب إخضاعها للتقييم الفني فقط.

وتدور أحداث الفيلم الأميركي حول امرأة تتورط في حادث سيارة ومقتل عابر طريق، فتلتزم الصمت ولا تبلغ الشرطة حتى تصلها رسائل تهديد من أحد الشهود فتنقلب حياتها رأسا على عقب.

“يوتيرن”، إذا خضع فقط للتقييم الفني، هو عمل درامي اجتماعي جيد، يظهر مواهب كل من شاركوا فيه من ممثلين ويمنح كل واحد منهم مساحة خاصة لإثبات حضوره وقدراته، لكنه أكثر الأعمال الدرامية إن لم يكن الوحيد فيها الذي خضع لتقييمات “عاطفية” و”أخلاقية” مبنية على ولاءات لا واعية تقيدها متاهات العلاقات الفنية والصراعات الخفية التي تتحكم في كواليس رواج الأعمال أو فشلها.

وسبق أن قدمت حجاج مسلسلات في الموسمين الرمضانيين الماضيين، وواجهت الهجوم نفسه، فأغلب التعليقات تهاجمها لشخصها رغم التزامها الصمت وعدم الرد أو الهجوم. وحتى حين وجهت لها سهام النقد على مستوى أدائها التمثيلي، من الملاحظ أنها عملت على تطويره في مسلسلها الحالي “يوتيرن” (انعطاف) إلا أن عقل الجمهور لم يزحزح قيد أنملة بعيدا عن ريهام حجاج الإنسان وحكاياته وعلاقاته الشخصية.

 

وينساق الجمهور لربط الخلافات بين ريهام حجاج والممثلة ياسمين عبدالعزيز، بالمنتج الفني، فيرفض أي عمل للأولى مهما كانت جودته في حين يقبل أي عمل للثانية وإن كان فنيا لا يرتقي إلى مستوى خبرتها ومسيرتها الطويلة، وحتى من باب السنّ والأدوات والقدرات التمثيلية لا يمكن مقارنة تجربة ممثلة عمرها الفني لا يتجاوز العشر سنوات بأخرى تعمل في التمثيل والإعلانات منذ ما يقارب خمس وعشرين سنة.

وقد تكون الخلافات والصراعات بين الشخصيتين من رسم خيالات الجمهور الذي نسجها وفقا لمنشورات الفنانتين عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الأحاديث التي يقال إنها مسربة من كواليس الأعمال ومن بعض الصداقات العاشقة للنميمة، فينساق بلا وعي وراء رفض مطلق وقبول غير مشروط، ولنا في الصراع الذي أقامته الصحافة والجمهور بين نجمتي الدراما والسينما نبيلة عبيد ونادية الجندي خير مثال.

والخلاف بين نبيلة عبيد ونادية الجندي واحد من المعارك الفنية، التي يعود عمرها إلى أكثر من ربع قرن، حين شنت الأولى هجوما عنيفا على الثانية، متهمة إياها بالوقوف خلف طلاقها من زوجها المنتج محمد مختار، (وهو ما حدث بين ريهام حجاج التي تزوجت طليق ياسمين عبدالعزيز رجل الأعمال محمد حلاوة فانقلب الجمهور ضدها)، ثم خرجت علينا الاثنتان بعد عقود وقدمتا مسلسل “سكر زيادة” في عام 2020 وكأن شيئا لم يكن، لا بل صرحت نادية الجندي أن صراعهما أججته الصحافة الصفراء والإشاعات والنميمة، فهل سيعاد التاريخ بحذافيره بين ريهام حجاج وياسمين عبدالعزيز؟

Back to top button