في فلسطين فقط.. الأسير يهزم سجانه
بقلم: صالح الراشد
يدفعون ثمناً غالياً لثباتهم على أرضهم، يُحاربون في شتى المجالات، تُمنع المياه عن آبارهم وبياراتهم، يقفون ساعات طوال على نقاط التفتيش والحواجز العسكرية ، يُنكل بهم وبأبنائهم ليهربوا من وطنهم، حتى يتم إضافتهم لأعداد اللاجئين الحاصلين على بطاقات الأمم المتحدة، لكنهم يصمدون ويتحدون الجلاد دون خوف من الموت أو الأسر، فهناك في هذه الدولة التي لا ترفع الراية البيضاء معلنة الإستسلام فإن الكف الفلسطينية تُناطح المخرز الصهيوني، وتتألم بصمت دون أن تُظهر وجعها حتى لا يشعر السجان بالإنتصار، ويستشهد الكثيرون واقفون ويقابلون ربهم شهداء أكرمين، فيهتز الصهيوني ويحاول زيادة الرعب فيزج الآخرين بالسجون بتهم وحجج واهية حتى يجعلهم أسرى للرعب والخوف والإنكسار، لكن الصهاينة المصابين بضعف الذاكرة ينسون أن شعب فلسطين لم ولن ينكسر.
من هنا تبدأ القضية والوجع والمأساة، تبدأ رحلة العذاب للأسير وأهله، فمن معتقل لمعتقل ومن قاضٍ مجرم إلى آخر سفاح، وتنتهي الجلسات برئاسة عنصري سادي يُريد فرض الإرهاب على شعب فلسطين الأصليين، ويدب الرعب في قلوب ما عرف الخوف طريقه إليها، فيزج الفلسطيني في السجن والأسر لأنه قال هذا وطني وهذه أرضي، ويودع أصحاب الحق في السجون لأنهم حاربوا عدوهم وسارق أرضهم، لتصبح السجون مراكز للشرفاء ومشاريع للشهداء وطريق لتحقيق المعجزات، وقصة الهروب بملعقة لا زالت في الذاكرة ولن تُمحى منها.
هناك في ظُلمة ليل صنعه الصهيوني في وضح النهار، هناك حيث يموت الوقت في ظل الإنتظار، هناك في سجون غير شرعية يحاول الصهيوني كسر شوكة أصحاب الهمم والقضية العادلة، هناك تتغير المعادلة فالأسرى أسرة واحدة يرحبون بالقادم والجديد بالأحضان، ويودعون الخارج من زنازين الموت بذات الفرح، هناك وهناك فقط ينتصر الأسير على سجانه، ينتصر بالشهادة وينتصر بالخروج رافعاً رأسه منتصب القامة وينتصر بالعلم والمعرفة، ففي ظُلمة النهار والليل يدرسون ويجتهدون وينالون الشهادات العلمية، وهناك في قلاع الموت يؤلفون كتبهم ورواياتهم ويؤرخون لألمهم وانهزام سجانهم.
في الأسر لا مجال لقتل الوقت إلا بقتل الطموح الصهيوني بالعيش بسكينة وأمان، في الأسر يزداد عشق الوطن والأرض والأهل، في الأسر يشعر الأسرى بأنهم على حق وأنهم لن ينهزموا وأنهم سيخرجون أصلب عوداً وأكثر نقاءاً، في الأسر يتذكرون الأهل والغياب فيزداد الشوق لهم ولمعانقتهم، في الأسر يهزمون الموت ويبنون الحياة ويمهدون للمستقبل، في الأسر ومن ظُلمته يبزغ نور الحرية والإستقلال باليد الفلسطينية التي لم ولن تنكسر، فمنها من يحمل البندقية لينتصر لوطن في قلبه، ويد أخرى تستل القلم لتترجم ما يدور في عقل صاحب الحق، والحلم الذي يراودنا ان نُشاهد تلك اليد الطولى التي ترتقي إلى عنان السماء وترفع العلم الفلسطيني إحتفالاً بيوم التحرير والعودة.