مخاوف من تفخيخ قانون الشراء العام وعودة الصفقات المشبوهة
بقلم: عزة الحاج حسن

النشرة الدولية –

المدن –

عزة الحاج حسن

عاد قانون الشراء العام إلى الواجهة من جديد، وهو القانون الذي أقر ودخل حيّز التنفيذ في شهر تموز من العام 2022، بعد محاولات دامت سنوات في سبيل إقرار قانون يضمن الشفافية في عمليات الشراء العام، ويحسن إدارة المال العام، ويكرّس مبدأ المحاسبة ويحدّ من الزبائنية وإبرام الصفقات المشبوهة.

وبعد مرور قرابة 7 أشهر فقط على نفاذ قانون الشراء العام “استفاق” عدد من النواب على إحداث تعديلات عاجلة في بعض مواد القانون. ولأن للسلطة السياسية في لبنان تاريخ طويل في تحاصص المال العام والصفقات المشبوهة والعقود المخالفة، لا بد من طرح تساؤلات حول أهمية التعديلات المطروحة على قانون الشراء العام وجدواها، ومدى تأثيرها على جوهر القانون؟ فثمة من تضرّر من إقرار قانون الشراء العام، لما فرضه من قيود وضوابط على عمليات الشراء والتلزيمات والتعهدات في كافة إدارات الدولة ومؤسساتها.

 

اقتراحات لتعديل “الشراء العام”

ونظراً لتعدّد اقتراحات القوانين المُدرجة في جدول أعمال الجلسة التشريعية يوم الثلاثاء المقبل، والمطروحة لتعديل قانون الشراء العام، في وقت تتهاوى فيه الدولة بكل مكوناتها وقطاعاتها، يصبح من الضرورة التنبّه من محاولات تفخيخ القانون المذكور وتعطيل مفاعيله، في سبيل استعادة زمن العقود الرضائية والصفقات المشبوهة والمحاصصات الطائفية والسياسية للمال العام.

وحسب جدول أعمال الجلسة التشريعية المقرر عقدها يوم الثلاثاء المقبل، فإن 4 بنود تتضمن اقتراحات قوانين تستهدف تعديل قانون الشراء العام رقم 244 / 2021 تاريخ 19/7/2021 والنافذ إعتباراً من 29/7/2022 وهي:

1- إقتراح قانون مقدم من النواب علي حسن خليل وجهاد الصمد وآلان عون.

2- اقتراح قانون يرمي إلى تعديل الفقرة 3 من المادة 101 من قانون الشراء العام، مقدم من النواب غادة أيوب، فادي كرم، رازي الحاج، جورج عدوان، غسان حاصباني، ونزيه متى. 3- اقتراح قانون يرمي إلى استثناء الهيئة العليا للإغاثة من أحكام قانون الشراء العام مقدم من النائب اديب عبد المسيح.

4- اقتراح قانون يرمي إلى إرجاء تطبيق القانون الشراء العام في لبنان على البلديات، باستثناء بلديات مركز المحافظات مقدم من النائبين بلال عبد الله وهادي ابو الحسن.

 

مضمون التعديلات

لا يمكن الفصل بين اقتراحات التعديل لقانون الشراء العام وخلفية الكتل السياسية التي ينتمي إليها النواب المتقدمون باقتراحات القوانين. فتاريخ السلطة السياسية بكافة أركانها يزيد المخاوف من استهداف قانون الشراء العام وتفريغه كما باقي القوانين الإصلاحية، وهي قلة.

من حيث الشكل لا يبدو أن اقتراحات القوانين ستؤثر على جوهر قانون الشراء العام، لكن يبقى الخوف من نصب فخ للقانون واجتهاد الكتل السياسية في إدخال تعديلات من خارج جدول الأعمال، كما سبق لهم أن تمكّنوا من تفريغ قانون السرية المصرفية، الذين عملوا على دراسته وإقراره على مدى أشهر.

وحسب رئيس دائرة المناقصات الدكتور جان عليّة، فإن اقتراحات القوانين المطروحة لا تمس بجوهر قانون الشراء العام من حيث المبدأ، وهناك حلول تقنية متوفرة من دون قانون الشراء العام. بمعنى أنه في حالة استئثناء الهيئة العليا للاغاثة هناك المادة 46 الفقرة 2 وتنص على أنه في حالات الطوارئ يمكن ابرام العقود ومن ثم إبلاغ الهيئة والنشر على الموقع، أي أن قانون الشراء العام لم يعطل عملهم.

أما البلديات، ففي حال تم الاخذ بالملاحظات الموجودة في اقتراح النواب جهاد الصمد وآلان عون، فلا يعود بحاجة لاخضاع البلديات، لأن كافة البنود تكون قد حلت. وبالنسبة إلى بند اقتراح اللجان وتشكيلها، فهي موجودة في اقتراح الصمد وعون، وتشكل حلاً جذرياً يريح البلديات والادارات وكل الجهات الشارية. وهو حل تقني لا يمس بجوهر قانون الشراء العام، على ما يقول عليّة.

إذا من حيث الشكل سيتم ادخال تعديلات تقنية طفيفة على بعض المواد خصوصا منها 101 و102، لجعل تطبيق القانون ممكناً على الجهات الشارية. باختصار، في حال لم يكن هناك من نوايا مبيّتة، فأنه لن يكون هناك مخاطر على قانون الشراء العام، لكن الخوف يبقى من تمرير امر ما يعيق تطبيق القانون او يشوهه.

 

محاولة تفخيخ القانون

وعلى الرغم من اعتبار البعض أن التعديلات المقترحة “شكلية” إلا أن ثمة من يعتبرها محاولة لتفخيخ قانون الشراء العام، ومنهم “مبادرة غربال” التي تقوم برصد العمل بقانون الشراء العام منذ اليوم الأول لإقراره، ومراقبة جميع الصفقات المعلنة لدى كافة الإدارات العامة والتي فاقت الخمسمئة في خلال سبعة أشهر.

وترى مبادرة غربال أن التعديلات المطروحة باقتراحات القوانين من شأنها ان تشوه قانون الشراء العام، ومن بين الملاحظات أن استثناء أي إدارة من أحكام هذا القانون، إن كان لجهة الخطط المتكاملة السنوية (كما هو مقدم من قبل النواب علي حسن خليل وجهاد الصمد وآلان عون لاستثناء القوى الأمنية والعسكرية)، أو استثناء بعض الإدارات من كافة أحكام هذا القانون (كما هو مقدم النائب اديب عبد المسيح لاستثناء الهيئة العليا للإغاثة، أو كما هو مقدم من النائبين بلال عبد الله وهادي ابو الحسن لاستثناء البلديات)، فهي محاولات للالتفاف على القانون ومن شأنها الإضرار بمبدأ المساواة في التكليف والخضوع للقانون بين الإدارات العامة، كما أنّها خطوات تراجعية عن المحاسبة والشفافية وحسن الإدارة والمال العام والإصلاحات المالية والإدارية التي لبنان بأمس الحاجة إليها.

 

وحسب ملاحظات غربال على البنود المدرجة في الإقتراح المقدم من النواب علي حسن خليل وجهاد الصمد وآلان عون، فإن التعديل يتضمن آلية تشكيل لجان التلزيم في الجهات الشارية على أن يصبح: تتألف كل لجنة من رئيس وعضوين من اللائحة الموحدة الموضوعة من قبل هيئة الشراء العام، من دون أن يكون من الضروري أن يكون الأعضاء من أفراد الهيئة الشارية، وذلك لمراعاة أن بعض الإدارات لاسيما البلديات الصغرى لا يوجد لديها عدد كاف من الموظفين في الفئة الثالثة وأعلاه.

وتعتبر مبادرة غربال الشروط الإضافية الموضوعة للعارضين المتقدمين منطقية، كما أن ربط مهل الخطط المكتملة من قبل الجهات الشارية بمهلة شهرين من بدء السنة المالية منطقي، أكثر من مهلة العشرة أيام من تاريخ إقرار الموازنة (خصوصاً وأنّ الموازنات في لبنان لا يتم احترام المواد القانونية والدستورية في اعدادها وإقرارها).

كما أنّها تعتبر أن ربط المعايير للتأكد من مؤهلات العارضين ومعايير التصنيف بهيئة الشراء العام خطوة مفيدة، كذلك فإنّ العمل على تسهيل تشكيل لجان الاستلام والشراء في الجهات الشارية، والسماح باختيار افرادها الثلاثة من دون أن يكونوا ضمن طاقم عمل الجهة الشارية، على أن يكونوا من أهل الاختصاص وممن خضعوا لورش تدريب حول قانون الشراء العام فهي مفيدة كذلك.

في المحصلة يشكّك الكثيرون في نوايا النواب والكتل النيابية المتقدّمة باقتراحات تعديل قانون الشراء العام، ويرجّحون سعي السلطة لمحاولة تكبيل القانون وتفريغه من جدواه، والعودة إلى إبرام عقود مشكوك بشفافيتها.

Back to top button