أسباب ترجّح عدم كسب روسيا معركة المدن الاوكرانية

النشرة الدولية –

لبنان 24 –  ترجمة رنا قرعة –

تعثر الهدف الرئيسي لروسيا، المتمثل بالاستيلاء على العاصمة الأوكرانية كييف،إلا أن الحصار الذي فرضته على المدن في الشرق مستمر على قدم وساق. وتشهد هذه المدن إما فرار الملايين من سكانها أو إختباءهم تحت الأرض أو نقلهم إلى روسيا بالقوة. ومن المقدّر أن يكون الآلاف من الأبرياء قد لقوا حتفهم. في هذه المرحلة، فإن القتال في المناطق الحضرية في أوكرانيا على وشك الدخول في مرحلة جديدة وربما تكون أكثر فتكًا.

وبحسب صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأميركية، “على الرغم من أن أوكرانيا هي بلد يعتمد على الزراعة تقليدياً مع وجود بعض الصناعات في شرق البلاد، إلا أن مدنها تشكل مركز نشاطها وهي التي ستقرر مصير الحرب. للفوز في الحرب، لا يزال يتعين على روسيا الاستيلاء على كييف ورفع العلم الروسي فوق ميدان الاستقلال في العاصمة. ولكن للاستيلاء على العاصمة، سيتطلب الأمر غزو العديد من المفاتيح الرئيسية للسيطرة على نقاط التفتيش وطرق الشحن الحساسة. هنا، سارت الحرب بشكل خاطئ بالنسبة لروسيا، وبما ستسمر في هذا المنحى. حرب المدن هي أصعب أنواع الحروب وأكثرها تعقيدًا بالنسبة للجيش الأفضل تدريباً وتجهيزاً في العالم. على الرغم من كل الإعلانات عن حداثتها وخبراتها المتطورة، فقد أظهرت روسيا عيوبها. تبدو القوات الروسية أشبه بالجيش السوفيتي الذي سقط في أفغانستان في الثمانينيات أكثر منه من القوات التي استولت على شبه جزيرة القرم في عام 2014. في أوكرانيا، بدت المقاومة أقوى مما كانت عليه في شبه جزيرة القرم، لكن عجز روسيا عن الهيمنة على جبهات الحرب الإلكترونية والمعلومات كان أيضًا أمرًا محوريًا”.

وتابعت الصحيفة، “ينذر هذا بالخسارة للقوات الروسية مع دخولها المرحلة التالية من الحرب، والتي ستتطلب اختراق المدن الكبرى في أوكرانيا. تتطلب حرب المدن رشاقة، وخفة الحركة، وعمليات لجمع المعلومات الاستخبارية المتطورة، وعقيدة للتغلب على التحديات الكامنة في التضاريس الحضرية، ولتشكيلات من المدفعية، والدبابات، والمشاة، كما ولمهندسين ينسقون طريقة عملهم، ولضباط منضبطين. أضف إلى ذلك، يتطلب الأمر أيضاً قيادة وسيطرة صارمة مع تفويض السلطة إلى صغار الضباط في الميدان، كما ومعرفة بالتضاريس المحلية. ولا تملك روسيا أياً من ذلك. ومع ذلك، حتى أفضل الجيش تدريباً في العالم سيكافح من أجل غزو بلد بحجم أوكرانيا والسيطرة عليه. وتساهم حرب المدن في تحجيم نقاط قوة المهاجم، حتى ولو كان على شكل قوة عسكرية متفوقة. يفتقر المهاجمون إلى الوعي الظرفي لرؤية التضاريس الكثيفة بوضوح كامل. إنهم محصورون في الأزقة الضيقة، وممنوعون من الانتشار لدعم بعضهم البعض. وتوفر العوائق والمباني الخرسانية للدفاع الحماية ووسائل للتخفي. ويجب على الجيش المهاجم عبور المناطق المفتوحة والشوارع المكشوفة لمهاجمة المدافع خلف جدران هذه المباني الخرسانية. لن يكون لدى المهاجمين أي دليل على مكان العدو وسط الآلاف من نقاط الاختباء المحتملة”.

وأضافت الصحيفة، “كما أن روسيا لا تملك قواتاً كافية – حتى لو تم تعزيزها من قبل المرتزقة الشيشان أو السوريين – للسيطرة على المدن الأوكرانية. وتقول عقيدة الجيش الأميركي أنه من أجل الحفاظ على التضاريس الحضرية، يحتاج الجيش من ثلاثة إلى خمسة أضعاف القوات المطلوبة في أي بيئة أخرى. إذا تم الدفاع جيدًا، يمكن للمدينة أن تجبر جيشًا على إرسال خمسة جنود أو أكثر لمهاجمة مدافع حضري واحد فقط. ومع ذلك، تقود روسيا ما يقدر بنحو 280 ألف جندي في جيشها النشط في الحرب، بينما تمتلك أوكرانيا قوة نشطة قوامها حوالي 126 ألف جندي، على الرغم من أن لديها عشرات الآلاف من الميليشيات المتطوعة التي تسمى قوة الدفاع الإقليمية. إنها عملية حسابية بسيطة. لكن العقيدة مهمة أيضًا. اكتشفت روسيا ما تعلمته جيوش كثيرة عبر التاريخ: قصف المدن لا يجبر سكانها على الاستسلام. لم يستسلم السكان في معركة ستالينجراد عام 1942، أو في معركة برلين عام 1945، أو خلال الغزو الأميركي لبغداد عام 2003. إذاً، يجب أن تدخل القوات البرية لتطهير المدينة والسيطرة عليها إذا وضعت نصب عينيها الاستيلاء عليها”.

ورأت الصحيفة أن “التناقض في حرب المدن هو أنه كلما قصفت مدينة، زادت صعوبة الاستيلاء عليها. فالمباني التي تعرضت للقصف يصبح الدفاع عنها أسهل إذا تمكن المدافع من النجاة بنفسه من القصف الأولي، وذلك لأن أنقاض الخرسانة والصلب تشكل مخابئ مقاومة للقنابل للقتال منها، كما وتشكل مواقع مثالية لإخفاء العبوات الناسفة. إن فشل روسيا في اختراق كييف والمدن الأوكرانية الكبرى الأخرى سمح للأوكرانيين باستخدام التضاريس الحضرية للدفاع عن مدنهم. فجرت القوات الأوكرانية الجسور، وأغلقت الطرق، وهاجمت القوافل من الكمائن الخفية، وأعدت الشوارع لتكون “مطاحن لحوم”، وهو ما كان يخشاه الروس. لا عجب أن تكون حالات الفرار عالية، وأن الروح المعنوية للقوات آخذة في التراجع، كما ويقال إن العديد من الضباط الروس قتلوا”.

وختمت الصحيفة، “لكن لا تخطئوا ، فستعيد روسيا تنظيم صفوفها وستعيد تجهيز استراتيجيتها العسكرية. كما وسوف تعتمد بدرجة أقل على الدقة وأكثر على العقاب الجماعي. وتوقعوا المزيد من جرائم الحرب والصور المروعة من الخطوط الأمامية. وقال صن تزو في كتابه الشهير “فن الحرب” بأن أفضل إستراتيجية للحرب هي مهاجمة خطط العدو، وبعد ذلك هو مهاجمة التحالفات، وبعد ذلك مهاجمة الجيش، والأسوأ هو مهاجمة مدينة مسورة. على الرغم من أن مدن مثل ماريوبول قد تبدو وكأنها مناظر جحيم ما بعد نهاية العالم، إلا أنها أسوأ الأماكن التي يستهدفها الجيش الغازي. هذا هو الخبر السار الوحيد لأوكرانيا”.

Back to top button