القدس ثابت وجامع فوق السياسة
النشرة الدولية –
د. دانيلا عدنان محمد القرعان
تؤكد السياسة الأردنية بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني في كل مناسبة على الرابطة القوية دينيًا وقوميًا وتاريخيًا للهاشميين والعرب والمسلمين عمومًا بالقدس، وعلى مكانة هذه المدينة المقدسة لديهم، وهو ارتباط وثيق العرى توارثه الهاشميين كابرًا عن كابر، كما توارثته الأجيال العربية والمسلمة منذ آلاف السنين، حيث جاءت الاتفاقية التاريخية التي وقعها جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين والرئيس الفلسطيني محمود عباس في 31 اذار 2013، لحماية المسجد الاقصى المبارك، تاكيدًا على تلك العناية والرعاية الهاشمية المتواصلة، وتجسيدًا للعهدة العمرية التي حملها الهاشميون عبر التاريخ، وكإمتداد للبيعة التي انعقدت للشريف الحسين بن علي عام 1924، لحماية المقدسات في القدس ورعايتها والدفاع عنها، في وجه المخططات الاسرائيلية لتهويد القدس ومقدساتها وطمس معالمها الحضارية والدينية العربية الاسلامية والمسيحية.
وينطلق الموقف الأردني الثابت من أن القدس الشرقية أرض محتلة، السيادةُ فيها للفلسطينيين، والوصايةُ على مقدساتها الإسلامية والمسيحية هاشمية، يتولّاها ملك المملكة الأردنية الهاشمية جلالة الملك عبدالله الثاني، ومسؤوليةُ حماية المدينة مسؤوليةٌ دولية وفقاً لالتزامات الدول بحسب القانون الدولي والقرارات الدولية.
ويؤكد الأردن أن القدس الشرقية جزء يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وهي تخضع لأحكام القانون الدولي المتعلّقة بالأراضي الواقعة تحت الاحتلال، مستندًا في ذلك إلى قرارات الشرعية الدولية، ومن بينها قرار مجلس الأمن 478 الذي ينص على أن قرار العدو الصهيوني بضم القدس الشرقية وإعلانها عاصمةً موحدة قرارٌ باطل.
كما أنّ الموقف الأردني الثابت يتمثل في أن القدس الشرقية عاصمةُ الدولة الفلسطينية المستقبلية، على حدود الرابع من حزيران 1967، وأن جميع الإجراءات الإسرائيلية الأحادية فيها، سواء في ما يتعلق بالنشاطات الاستيطانية، أو مصادرة الأراضي، أو التهجير، أو تغيير طابع المدينة، إجراءاتٌ مخالفة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقرارات الدولية ذات الصلة.
تتوالى اهتمامات الأردن بالاحداث المؤلمة في القدس الشريف، وتكثيف دعوته للدول العربية من أجل توحيد موقف ثابت يمنع مزيدًا من الانتهاكات والاعتداءات على المصلين في الاقصى. وتزامنا مع حدة الاعتداءات دعا الأردن وبشكل عاجل اللجنة الوزارية العربية المكلفة بالتحرك الدولي والتي يترأسها الأردن وتضم في عضويتها تونس بصفتها رئيس القمة العربية الحالية والجزائر والمغرب والسعودية وفلسطين وقطر ومصر والإمارات بصفتها العضو العربي في مجلس الأمن، والأمين العام لجامعة الدول العربية، لمواجهة السياسات والإجراءات الإسرائيلية غير القانونية في مدينة القدس المحتلة، وردًا على الاعتداءات المستمرة على القدس والمسجد الأقصى والمصلين، وسُبل مواجهة التصعيد الإسرائيلي الخطير في الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف، والعمل على بلورة تحرك مشترك لوقف الإعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية في المقدسات، ووقف العنف، واستعادة التهدئة الشاملة.
ومن باب الوصاية الهاشمية التي يتولاها جلالة الملك عبدالله الثاني في حماية الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، والوضع التاريخي والقانوني القائم بها، دعا الأردن على ضرورة إزالة جميع القيود والمعيقات التي تقيد عمل دائرة الأوقاف في إدارة شؤون المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف والحفاظ على مرافقه.
الدبلوماسية الأردنية الدولة الراعية لشؤون المقدسات الاسلامية في القدس، وبدأ قطاف ثمرة الجهود التي تقودها الاردن، ولأول مرة تصطدم هذه الدبلوماسية بهذا الزخم من الفعل السياسي في مواجهة إعلام اليمين الاسرائيلي الذي يشن منذ أيام حملة مسعورة على الأردن؛ لتحركه المزدحم على الصعيد الدولي والذي تزامن مع عودة جلالة الملك من رحلة علاجه الأخيرة. لا شك أن لمجلس النواب الأردني الدور الأكبر في تشجيع دولة الوصاية الهاشمية للتحرك واستدعاء القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية في عمان وتسليمه بيانًا شديد اللهجة حيث أضيف عليه تصريحات نارية من رئيس الوزراء الأردني الذي تعمد بوصف الإجراءات الإسرائيلية بأنها تنم عن فكر صهيوني، وهذه لهجة مباشرة لم يعتد الأردن على استخدامها في الأزمات السابقة. إن قضية القدس اليوم قضية يفتعلها اليمين الاسرائيلي في هذا الشهر الفضيل لتمرير مخططات حركات الاستيطان في اقتحام المقدسات؛ لإثارة أزمة جديدة مع الفلسطينيين وبالذات حركة حماس وجرها لمواجهة جديدة بعيدا عن اي ضغوطات امريكية؛ لانشغال الأخيرة في اوكرانيا، ويبدو أن إجتماع النقب لم يؤتي بثماره حيث نجد أن الامارات والمغرب نفسها تشاركا في اجتماع اللجنة الوزارية العربية المكلفة بالتحرك الدولي لمواجهة السياسات والإجراءات الإسرائيلية غير القانونية في مدينة القدس المحتلة، وهذا معناه ان التطبيع مع الاحتلال سيظل محط مراجعة لدى هذه الدول وهو ليس شيكا على بياض كما يحلو أن يسميه العدو الصهيوني ليفعل ما يريد.
المقدسات في خطر، هذه واقعة يجب أن يدركها العرب، والقدس قضية ستظل الشغل الشاغل للعرب مهما تعددت أشكال التصعيد، ولا يمكن تهدئة الأجواء إلا بتفعيل الوصاية الهاشمية على المقدسات، فكل الأطراف تعترف بها، وعلى المجتمع الدولي أن يكون الضامن لذلك قبل فوات الاوان وقيام انتفاضة شعبية في الداخل تحرق الأخضر واليابس فوق العدو الصهيوني، وبالتالي، يحقق توترا جديدا في العالم إضافة لحرب روسيا في أوكرانيا الأمر الذي سيبعد الجميع عن طاولة المفاوضات لفترة طويلة من الزمن بدل من تقصيرها.