“الفوندو2” دراما اجتماعية أفقدها ضعف السيناريو مصداقيتها

النشرة الدولية –

العرب – حنان مبروك –

للعام الثاني على التوالي يثير مسلسل “الفوندو”، الذي حقق نسب مشاهدة واسعة خلال شهر رمضان، الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فرغم أن أغلب المشاهدين ينتقدونه ويجعلون من حلقاته مواد للتندر والسخرية والتهكم، إلا أنهم ينتظرون عرض كل حلقة للوقوف على أدق الأخطاء.

في رمضان العام الماضي لم أكن ممن شاهدوا مسلسل “الفوندو” الذي تصدّر نسب المشاهدة وكان حديث وسائل التواصل الاجتماعي والمشاهدين، لكنني كنت ممن قرأ مقالات صحافية ونقدية عن هذا العمل الفني الذي رأى فيه البعض ارتباكا على مستوى السيناريو وأداء تمثيليا ضعيفا لأغلب الممثلين المشاركين فيه، ما أفقد العمل جزءا كبيرا من قيمته الفنية.

هذا العام عُرض “الفوندو” في جزئه الثاني فاخترت متابعته، يدفعني إلى ذلك الفضول والرغبة في معرفة سرّ السخرية الواسعة من هذا العمل.

يعالج الجزء الثاني من هذا المسلسل قضية التهريب على الحدود التونسية – الجزائرية والتجارة الموازية، كما يتطرق إلى قضايا الفقر والنبذ المجتمعي والتهميش ويغوص قليلا في أعماق طباع النفس البشرية وسلوكياتها التي تراوح بين مساري الخير والشر.

وبينما شارك في هذا العمل في جزئه الأول كل من كمال التواتي ونعيمة الجاني ورؤوف بن عمر ومحمد علي بن جمعة ونضال السعدي وياسين بن قمرة ومروان نوردو وعيسى حراث ولطيفة القفصي وسامية رحيم ودرصاف مملوك وسهير بن عمارة، وهم جميعهم ممثلون تونسيون، شهد الجزء الثاني مشاركة ممثلين جزائريين، بصفتهم الطرف الثاني في عمليات التجارة غير القانونية والتهريب النشط بين تونس والجزائر.

وفي هذه الإضافة استحضار درامي واضح لعمليات التهريب التي يقودها كبار رجال الأعمال في تونس والجزائر وتدار وفق قوانين وضوابط داخلية تضرب بالقوانين عرض الحائط وتصنع مجتمعا من المافيا الخطرة التي تتوسع بتوسع النشاط وبانسداد الأفق الاقتصادي في البلدين.

ويحافظ المسلسل على موسيقى شارة البداية للجزء الأول، والتي لا تعبّر كلماتها بدقة عن محتوى العمل، فالبطل حتى وإن قضى عشرين عاما من عمره في السجن بتهمة القتل لم يهجره أصحابه ولم يتخل عنه الأهل والأحباب بل دعمه الجميع وصدقوا أنه بريء وساعدوه على الاندماج في المجتمع بعد مغادرة السجن، وهو ما تقول كلمات تتر البداية والنهاية عكسه تماما.

ولا يزال “يحيى” (نضال السعدي) محورَ المسار الدرامي وشبكة العلاقات كلها في الجزء الثاني من المسلسل، فبعد خروجه من السجن ومحاولاته المستميتة والفاشلة لمعرفة الجاني الحقيقي الذي قتل حبيبته، وبعد رفض “المروكي” (كمال التواتي) تزويجه بابنته، يصطحبه للعمل في الجزائر مع شبكة مهربين، ومن هناك يتورط في زواج بامرأة لا يحبها رضوخا لضغوط والدها، ويدخل في صراعات مع أخيها، فيمثل أحدهما (وهو بالتأكيد يحيى) قطب الخير الذي يحاول مواجهة الشر ووضع حد لكل تجاوزاته.

وعكست الأحداث كلها تقريبا المُبالغة غير المنطقية في إبراز شهامة البطل “يحيى” في تعامله مع أصدقائه ومحيطه العائلي، والمبالغة في إظهاره بصورة الرجل المحبب للجميع حتى أن رجل المافيا “عاشور”(الممثل الجزائري عزيز بوكروني) ضحى بابنه وقتله دفاعا عنه.

ولم يتغيّر الزمن المخصص للحلقة الواحدة والذي لا يتجاوز العشرين دقيقة، وتأتي الحلقات محملة بكوادر ولقطات وزوايا تصوير مدروسة، وبإضافات واكسسوارات تثير انتباه المشاهد، وتستفز فيه ملكة تتبع الأخطاء الإخراجية.

ورغم ذلك لم يخل المسلسل من الكثير من الأخطاء، لعلّ أبرزها وأكثرها تأثيرا في العمل إطالة الأحداث؛ فبينما كانت الأحداث في الحلقات الأولى بطيئة ولا تتحرك فيها العلاقات بين الشخصيات أو تتصاعد فيها العقدة الدرامية بسرعة، جاءت الحلقات الأربع الأخيرة بأحداث مكثفة ومتسارعة وتبدو مضغوطة بفعل الوقت والرغبة في حل كل الخيوط الشائكة التي رحل بعضها من الجزء الأول، وتسعى إلى فتح مسارات درامية جديدة وتقديم نهاية مفتوحة تعيد المشاهد إلى نقطة الصفر وإلى الجريمة الأولى.

وشهد أداء بعض الممثلين تطورا ملحوظا، من بينهم مغني الراب مروان نوردو الذي أثار في العام الماضي إعجاب الكثيرين بمهاراته في التمثيل، بينما افتقد آخرون القدرة على إدارة أدواتهم وتقديم شخصيات مقنعة للمشاهد، ولولا بعض الأسماء الخبيرة بفنون الأداء المسرحي والتلفزيوني وحتى السينمائي -والذين أحدث وجودهم في العمل توازنا- لطغى ضعف الأداء على أغلب الحوارات والأحداث.

“الفوندو2” عمل مرتبك ومشتت لا يختلف كثيرا عن جزئه الأول

وحفلت الحلقات الأخيرة من المسلسل بالطرح اللامنطقي، ودخل الجميع في صراع مع القتل، هذا يقتل ذاك عمدا أو عن غير قصد، وتكشفت أغلب الحقائق المخفية دفعة واحدة، فصارت الحلقتان الأخيرتان بالأساس محور سخرية واسعة، ورأى بعض المشاهدين أن “الممثلين ماتوا ولم يبق سوى المتفرجين الذي سيقتلهم سوء السيناريو”.

ولعبت الحلقتان على الشحنة العاطفية واستعطاف المشاهد مع قصة “يحيى” الذي سينجح في دراسته لكنه سيكتشف في اليوم نفسه قرب أجله وسيفك لغز قتل حبيبته ليجد نفسه أمام قضية قتل جديدة ارتكبتها أخته في حق صديقه، صديقه الذي تكتم لعشرين سنة عن حقيقة أنه مرتكب الجريمة الرئيسية في العمل، هذه الشحنة العاطفية والأحداث المتسارعة غطتا الهنات الكبيرة في السيناريو الذي اقترب من “الفنتازيا” اللامنطقية لعمل درامي اجتماعي.

ما يحسب للدراما التونسية من خلال مسلسل “الفوندو” أنها حققت تماسها مع قضايا واقعية يعاني المجتمع ويلاتها، وأثارت ظواهر انتشرت بكثرة في تونس لاسيما خلال السنوات الأخيرة بالتزامن مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد. لكن ما تؤاخذ عليه كثيرا هو تطبيعها مع الوجوه الشابة المفتقرة للموهبة والتأطير، وهو ما يبدو جليا في التفاوت الكبير بين الشخصيات. وسوسن الجمني، مخرجة المسلسل، حتى وإن تطرقت إلى قضايا تثير الشأن العام في تونس إلا أنها جعلتها محاور عابرة تناولتها بسطحية لإثراء المسار الدرامي الأساسي، فظل “الفوندو2” عملا مرتبكا ومشتتا لا يختلف كثيرا عن جزئه الأول.

زر الذهاب إلى الأعلى