علمني القراءة المكثَّفة وليس القواعد والنحو
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

تقول سيدة لم ألتقط اسمها، في لقاء تلفزيوني، بأن الأمر لو عاد لها لألغت كليا تدريس القواعد والنحو في المدارس، فهي ليست ضرورية، وإن ما هو ضروري هو أن نغمر التلاميذ بالقراءة ونغمسهم باللغة العربية، ثقافة وعلما وفكرا، وليس تعليمهم مواد صعبة كقواعد اللغة والنحو، فهذه ستأتي في سياق القراءة، وربما سيتعلمونها بالسليقة. وان لا أحد، بخلاف مدرسي اللغة العربية أو رجال الدين وفئة قليلة أخرى، بحاجة في مجالهم المهني لمعرفة كيفية الإعراب، فهذه أمور لا علاقة لها بمجريات الحياة اليومية، فكتّاب المقالات والأخبار وقراء الصحف والكتب والمهندسين والطيارين والأطباء والصيادلة يستطيعون جميعا العيش عمرهم بأكمله مع اللغة العربية، قراءة وتواصلا وكتابة، دون الحاجة للتبحر في قواعد اللغة ونحوها.

وأضافت السيدة بأن تعليم اللغة العربية مطلب مهم، ولكن الطريق الذي اتبعته كل المدارس الحكومية والخاصة، وعلى مدى عقود طويلة، لتعليمها لم يكن قط صحيحا، بل فاشلا، فلا أحد يهتم اليوم بكيفية إعراب جمله ولن يسألنا أحد في الحياة عن كيفية إعراب جملة، أو معنى المبتدأ والخبر!

***

وفي هذا السياق، يقول صديق إنه يؤمن منذ سنوات بأن على مؤسسات التربية والتعليم اتباع نهجين مختلفين في تدريس مادة اللغة العربية، الأول مبسط بقواعد واضحة، ويتوفر للعموم، وحتى لغير المتحدثين بالعربية، وهذا، باعتقاده، يشمل ربما 80 – %90 من طلاب المدارس. أما المنهج الثاني، والكامل للغة العربية، والأكثر تعقيدا من الأول، والذي يشمل كل صغيرة وكبيرة في اللغة، فيخصص فقط للراغبين في التخصص في دراستها، وربما للباحثين فيها ومن في حكمهم، بما في ذلك طلاب الشريعة ومدرسي اللغة.

***

أعتقد شخصيا أنني مثال جيد فيما يعنيه كلام هذه السيدة. فقد كتبت مقالا يوميا، على مدى ثلاثة عقود تقريبا، هذا غير الأبحاث والنصوص الأدبية والروايات التي ألفتها، إضافة لصياغة وإرسال آلاف الرسائل لمختلف الجهات الحكومية والخاصة، على مدى أكثر من نصف قرن، وكانت جميعها، باعتقادي، ومن واقع التعليقات والردود التي وردتني تاليا واضحة ومفهومة جدا لمن تلقاها، ومع هذا لا أتذكر أنني درست النحو، وقواعد اللغة، في أية مرحلة دراسية، وقدرتي على الكتابة، إن صح القول، مستمدة من قراءاتي المكثفة وليس من دراستي لقواعد النحو والصرف التي كنت دائما أحصل على درجة الصفر فيها، وكانت مهاراتي الأخرى في الإملاء والقراءة والتعبير تعمل كرافعة لدرجاتي المدرسية في اللغة العربية، وعليها كنت أعتمد للنجاح في اختبارات اللغة وليس على مادة قواعد اللغة!

الموضوع واضح للكثيرين، ولكن من يمتلك الشجاعة لتعليق الجرس؟

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى