الجزائر عشية موجة غضب نقابي… إضرابات وتحذيرات من انفجار اجتماعي
النشرة الدولية –
النهار العربي – نهال دويب –
مع تفاقم الأزمة الاجتماعية والمعيشية في الجزائر، تدخل البلاد في مرحلة جديدة من الاحتجاجات الشعبية، حيث تتحضر القوى المجتمعية والنقابات لتنفيذ إضرابات عن العمل غداً الثلثاء، وهي موجة يتوقع لها أن تستمر تنديداً بتدهور القدرة الشرائية للطبقة العاملة.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد كشف، خلال مقابلة تلفزيونية مساء السبت الماضي، عزم الحكومة على تطبيق زيادات جديدة في الأجور والمعاشات، وتقديم منحة بطالة للمواطنين في وقت أقصاه مطلع السنة 2023.
ويبدو أن الزيادات التي أقرتها الحكومة الجزائرية لرواتب الموظفين في القطاع العام لم تشف غليل الموظفين والعاملين في البلاد، بل كانت القطرة التي أفاضت الكأس، خصوصاً بعد انتقاد نقابات عدة لها.
وقررت كبرى نقابات القطاع العام في الجزائر، الدخول في إضراب لمدة يومين، غداً الثلثاء، تنديداً بـ”الشبكة الاستدلالية” للأجور والتدهور الرهيب للقدرة الشرائية والارتفاع القياسي لأسعار المواد الواسعة الاستهلاك، رغم المحاولات القائمة لضبط السوق وإعادة التوازن لها عبر عدد من القرارات.
امتحان صعب
ولعل القطرة التي أفاضت كأسي الغضب والمرارة الممتلئتين، كانت زيادات الحكومة الأخيرة في أجور موظفي القطاع العام، والتي قوبلت بسخط واستياء من قبل النقابات التي شعرت بخيبة أمل كبيرة، لأن ما أضيف إلى الرواتب لا يلبي إطلاقاً مطالب الموظفين.
واتهم ائتلاف من النقابات المستقلة في قطاع التعليم والصحة والوظيفة العمومية، الحكومة بالعجز الفادح عن ضبط الأسعار والتضخم وتحسين المستوى المعيشي للجزائريين، وقال في بيان له إن القرارات الأخيرة الصادرة عن الحكومة بخصوص خفض نسب الضريبة على الدخل، وتعديل الشبكة الاستدلالية لأجور الطبقة العاملة، لم يكن لها أي أثر على القدرة الشرائية للموظفين والعمال.
ويشكل التهديد بالإضراب المذكور امتحاناً صعباً للحكومة الجزائرية، كونه يتزامن مع توقيت صعب وحرج للغاية، لأنه يتزامن وأواخر شهر رمضان، حيث تشهد هذه الفترة إقبالاً كبيراً على بعض الخدمات العمومية كمراكز البريد، إذ يتسلم ملايين العمال والمتقاعدين رواتبهم الشهرية.
ويعتبر هذا الإضراب ليومين كاملين أول إنذار من الشركاء الاجتماعيين للحكومة، بعد أشهر من الصمت بسبب التراكمات المتسارعة للأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها البلاد، وهو ما أنهك فئات واسعة من المجتمع وأصبح الجميع يشكون من ارتفاع المعيشة وغلائها، حتى من الأساتذة والأطباء وأيضاً المسؤولين في وظائف عليا في الدولة، وتراجعت الطبقة الوسطى إلى حد كبير، وهو ما توقعه البنك الأفريقي للتنمية في دراسة له أجراها عام 2013، حيث قال إن 27 في المئة من الطبقة الوسطى في البلاد مهددة بالفقر.
ويُجمع عدد من الوسطاء على ضرورة حرص الحكومة الجزائرية على احتواء موجة الغضب قبل أن تتحول إلى انفجار اجتماعي لا تُحمد عقباه، ويكمن الحل المستعجل في نظرهم بمراجعة الرواتب، وتحوّل الحكومة التدريجي من نظام الدعم الشمولي إلى نظام التحويل النقدي المستهدف لمستحقي الدعم فقط، وهو مشروع تنوي النائبة في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري) زكية بوقطوشة تقديمه على مستوى الهيئة التشريعية.
رفع الدعم
وتكشف بوقطوشة في حديث لـ”النهار العربي” أن الهدف من هذا المشروع هو تقييم واسع لسياسة الدعم الحكومي من حيث فعاليتها المالية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى تقديم بدائل إصلاح هذه السياسية بما يخدم استدامتها وكفاءتها المالية والاقتصادية والاجتماعية، وتخفيف آثارها السلبية على اقتصاد الجزائر.
وتقول إن “من سلبيات سياسة الدعم الشمولي أنها تخدم الأغنياء وأرباب العمل أكثر من الفقراء، وهو مرتفع التكلفة”، لافتة إلى أن هذه السياسة “أدت إلى تشوّهات في الأسعار وتشوّهات قطاعية أخرى، بإزالة الاستثمار المحلي الخاص للمواد المدعومة أو الإنفاق على حسابات قطاعية أخرى”.
ومن الأسباب الأخرى التي تدفع الحكومة إلى إعادة النظر في هذه السياسة، تذكر زكية بوقطوشة أن الدعم “يشجع التوسع في استهلاك المواد المدعومة إلى حد الإفراط والتبذير، فربع إنتاج الخبز يرمى اليوم بين النفايات، إضافة إلى تهريب هذه المواد نظراً لفارق الأسعار مع دول الجوار، فالدعم الشمولي خلق عادات غذائية سيئة، ولا طريقة أخرى لتهذيب سلوكيات الأسر سوى جعلهم يصلون إلى مرحلة إدراك قيمة الأكل من خلال قيمته المادية الحقيقية، وبالتالي يحسنون التصرف والتفكير في تدابير الاستهلاك المدروسة”.
ومن أبرز الأهداف التي سيتم تحقيقها من هذا المشروع، تذكر بوقطوشة “وصول الدعم لمستحقيه، وترشيد الاستهلاك وضبطه، والقضاء على التهريب وعلى الفواتير الوهمية والإنتاج غير الحقيقي، والقضاء على المضاربة وفتح باب المنافسة والاستثمار المحلي والأجنبي، والقضاء على التبذير مع ربط الأسعار بالأسواق العالمية، لأن رفع الدعم سيجر المؤسسات الناشطة إلى دخول البورصة والقضاء على الاحتكار من جذوره، مع إيجاد فرص عمل قد تصل إلى حد القضاء على البطالة نهائياً”.
وخلصت دراسة سابقة كانت قد أجرتها نقابة “سناباب” بعد قيامها بمسح علمي لنماذج من الطبقة العاملة، إلى ضرورة توجيه الدعم المقدر بـ17 مليار دولار سنوياً لمستحقيه من الفئات الفقيرة والضعيفة، وألا يقل دخل الأسرة الجزائرية الواحدة عن 500 دولار، وفقاً لمعايير البنك الدولي في تحديد مستوى خط الفقر.
وذكرت الدراسة أن الحد الأدنى للرواتب المقدر بنحو 150 دولاراً أميركياً، يعتبر الأضعف مقارنة ببعض الدول العربية والأفريقية، ويجب أن يُرفع الحد الأدنى إلى مستوى 500 دولار للفرد الواحد.
وشددت النقابة على ضرورة مراجعة سياسة الأجور وتحديد المقاييس بين القطاع الاقتصادي وقطاع الوظيفة العمومية، والفرق الموجود بين القطاعين، مع إعادة تعريف الأجر بالنسبة إلى القطاع الأول والراتب بالنسبة إلى الثاني.