لماذا اختفت شتيمة السياسيين من خطاب الشارع اللبناني؟
بقلم: مصطفى أبو لبدة

إرم نيوز –

ألا يُلفت النظر أن الشتائم التي كانت تلونت بها شوارع الغضب اللبناني الموجوع، في حملة 2011 ثم في انتفاضتي 2016 و2019، غابت عن احتقانات الأسبوع الحالي، غيابا غير مفهوم كفاية؟!

عمليا، بدا غياب أو تغييب ظاهرة الشتائم من هتافات وشعارات الغضب الشعبي اللبناني، مع حادثة انفجار مرفأ بيروت سبتمبر 2020.

وكان التخريج الضمني لهذا الغياب هو أن وقْع انفجار الميناء أوجع من أن تشفيه شتيمة نابية بحق الطبقة السياسية.

ثم أن جلال الموت بالعشرات ممن قضوا بالحادث يلغي المتعة التي كان مشاهدو التلفزيونات يتسلون بها وهم يسمعون المسبّات الخادشة، إذ تقتحم الميكروفونات ولا تستثني أحدا من السياسيين وأهل بيته.

كان يمكن لحادثة ضرب وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض، مساء الأحد الماضي، أن تعيد لغضب الشارع اللبناني خصوصيته في لغة الخطاب السياسي العام، ما دام أن المسبّة هي أدب القهر..

لكن ذلك لم يحصل، تاركا المجال متاحا للجدل فيما إذا كانت الناس اختنقت باليأس والاستسلام وأصبحت على الحافة تنتظر الأسوأ، المؤكّد الذي لا تنفع معه المنشطات الصوتية التي يقرأها اخصائيو علم النفس في الشتائم.

بعض التفاصيل في حادثة ضرب الوزير ”التكنوقراط“ وتوريم وجهه، يمكن أن تفسّر لماذا كفّ ”الثوار“، نشطاء الحراك المدني، عن الشتائم واستبدلوها بما يعتقدون أنها رسائل أفصح.

فقبل يوم مما حصل، كانت منظمة الصليب الأحمر اللبناني أعلنت غرق مركب غير نظامي على متنه 80 شخصا على ساحل مدينة طرابلس التي كانت تسمى العاصمة الثانية للبلاد، واليوم توصف بأنها أفقر المدن على شواطئ البحر المتوسط. حمولةُ المركب كانت مواطنين وصلوا حالة اليأس من سلطة ودولة افتقدت بديهيات العيش الإنسانية.

أما وزير الكهرباء المقطوعة، فقد تصادف أنه كان يسهر مع أصدقاء له في المقهى عندما مرّت شبيبة ممن لم ينسوا مشاهد الذين قضوا غرقا أو الذين عادوا من رحلة الموت ولم يتخلوا عن حلم الهجرة.

فقد بثت التلفزيونات مشهدا لا يُنسى لرجل يتنفس اصطناعياً فيما هو يتقلب، ويشهق بالقول: ”ما عدتُ أستطيع العيش مع هؤلاء السياسيين في أرض واحدة“.

وفي لقطات أخرى ظهر بعض من نجوا من الموت وهم يتهمون العسكر من خفر السواحل بالمسؤولية العمدية عن الذي حصل، وكانوا في اتهامهم يُجبرون السياسيين أن يتسابقوا في إبراء الذمة والمطالبة بالتحقيق وبقصاص يعرف الجميع أنه لا يحصل.

شهود العيان على حادثة ضرب الناشط إيلي هيكل لوزير الكهرباء في الشارع العام، اتفقوا على معظم التفاصيل الصغيرة التي صنعت مشهدا من مفارقات اليأس والعبث، حيث لا تعود الشتيمة تكفي من يرون في أنفسهم ثوّارا، بينما يراهم الآخرون مخربين.

قال الشهود إن ضرب الوزير أخذ شكل رسالة من الشعب اللبناني لمسؤول ارتضى لنفسه أن يسهر فيما الناس تموت بعتمة الكهرباء المقطوعة.

تفاوت الشهود في وصف ما تعرض له الوزيرـ ضربٌ حقيقي أم مجرد ”دفشة“ لرجل قالت شبكة ”سي أن أن“ إنه كان ثملا.

وتفاوتت كذلك التقديرات في توصيف ما حصل، غضبا مشروعا أم زعرنة.

أما الشتائم الفظّة التي كانت تملأ شوارع الغضب اللبناني فقد غابت عن حادثة ضرب الوزير، مع أنها مناسبة نموذجية.

لم تفلت سوى مسبّة واحدة نصف بذيئة جرى رصدها في السوشال ميديا، وجّهتها ممثلة معروفة لإيلي هيكل طالته فيها بالقول: ”……أنت ومعلّمك وثورتك العورة“.

فقد تبين أن هيكل عضو في تنظيم اسمه ”حزب سبعة“ تأسس العام 2016 بشعارات ”التغيير الجذري لإنقاذ لبنان من حالة الانهيار الكامل الذي أحدثه سوء إدارة سياسية وأحزاب حكمت البلاد لثلاثة أجيال موسومة بالفساد والخطاب الطائفي والارتهان للأجنبي“.

في الدائرة السياسية الأوسع، يندرج حزب ”سبعة“ ضمن مناهضي حزب الله، بينما يُحسب الوزير المضروب على التيار الوطني الحر، حلفاء حزب الله.

وفي مثل هذه التوزيعة الطائفية التي تأخذ في اللعبة السياسية اللبنانية تجليات شيطانية في التطويع والمراوغة، لم تلبث حادثتا زورق الموت وضرب الوزير أن تجيّرتا سريعا إلى قضية أكبر وأشرس تعيد التذكير والتهديد بحرب أهلية.

دحرجة الأزمة وتكبيرها أخذ الشكل التالي: بدا الأسبوع اللبناني الحالي، بحادث غرق القارب الذي كان ضحاياه من الطائفة السنّية التي باتت بعد احتجاب سعد الحريري تعاني من الفراغ القيادي..

شهادات الناجين من الموت تحوّلت إلى وثيقة اتهامية مبدئية لقائد الجيش المرشح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات التي لم تعد بعيدة..

وقبل أن ينتصف الأسبوع كان الوزير المحسوب على التيار الوطني يتعرض للضرب من أحد نشطاء حراك لا يخفي مناهضته لحزب الله.

ولم ينته الأسبوع إلا وكانت حادثتا القارب والاعتداء على الوزير قد تحولتا الى فخّ يهدد بإلغاء الانتخابات البرلمانية المقررة الشهر القادم، ويلغي بالتبعية الانتخابات الرئاسية، ويفتح الأبواب على حرب أهلية لها أكثر من جهة تستعد لها.

هل يكفي هذا لتفسير ظاهرة اختفاء الشتائم النابية من الخطاب السياسي للشارع اللبناني؟ وهو الذي بات معلَّقا على الحافة بانتظار الأسوأ، ولم تعد فيه أي مسبّة للسياسيين- مهما كانت فاحشة – تتضمن ما هو جديد أو ما يمكن أن يُسلّي أو يشفي الغلّ.

زر الذهاب إلى الأعلى