“عمّان 2121”.. كل شيء ثابت على حاله حتى المسرح

النشرة الدولية –

يرسم الإنسان الكثير من التوقعات للمستقبل، فالمئة عام الواحدة كافية لتغيير كل شيء على هذه الأرض بدءا من السلالات البشرية وصولا إلى التقنيات والابتكارات. لكن توقعات الأجيال الحالية للغد تبدو في أغلبها متشائمة، فإن نجت أمنا الأرض من كوارث تغير المناخ والحروب المشتعلة هنا وهناك، فلن تنجو من آفات تعشش في الرؤوس فتسجن الشعوب في الفقر والمرض والاستبداد وتجعل حياتهم اليوم نسخة مكررة كل يوم.

هذه الفكرة تناقشها مسرحية “عمّان 2121: مستقبل مش مجهول” والتي عرضت منذ فترة على خشبات المسارح الأردنية وروجت مقاطع منها على مواقع التواصل الاجتماعي.

تتحدث المسرحية التي تصنّف ضمن الكوميديا السياسية عن حال المواطنين في الأردن بعد 100 عام، مع الإسقاط على المشاكل الحالية التي يعيشها المواطنون، مثل صعوبة الزواج وغلاء المعيشة، وتأثير تقلبات الحالة الجوية في البنية التحتية لعمّان وغرق الأماكن المنخفضة مثل وسط البلد حيث تستحضر المسرحية عمّان كمدينة عائمة في كل زمان.

كما يتحدث العمل عن الفنون المنتشرة في القرن المقبل، وعن أغاني المهرجانات المتوقع ظهورها، ومصير وسائل الإعلام والأخبار في ظل تطويع وسائل التواصل لتصبح مصدر المعلومة الأسرع.

وتسخر المسرحية من أزمات القروض البنكية وصعوبة سدادها، ومن ظاهرة التسول التي تطورت لتنضوي تحت شركات رسمية لتوظيف المتسولين، في حين ستكون الحياة داخل السجون وليس خارجها، وستصبح الوحدات السجنية مقسمة بين سجون خاصة بالعائلات وسجون شعبية (حارات داخل السجن الواحد)، لكنها تخرج أيضا من العالم البشري لتستبق ما سيكون عليه حال الروبوتات البشرية أو البشر الآليين، فالروبوت في عمّان 2121 مثله مثل المواطنين، سيكون فقيرا لا يملك ما يكفي لصيانته.

تطرح المسرحية فكرة أن العالم الخيالي بعد مئة عام من اليوم، سيكون هو الحقيقة والمنطق، في حين ستنتشر أجهزة الاتصال عن طريق التخاطر وأجهزة الهولوغرام.

و”عمّان 2121: مستقبل مش مجهول” من تأليف محمد الزريقات وإعداد وإخراج فراس كنعان، وتمثيل عدد من الوجوه الجديدة، وهي من إنتاج فرقة مسرحية جديدة تدعى “زووم إن فوكس”، اشتق اسمها من تسليط الضوء على قضايا المجتمع.

 

ويتضمن العمل فريقين أحدهما اختص في الغناء والآخر في التمثيل، وقام العرض على تنوع الشخصيات واللهجات كما استعرض مواهب في الرقص والتقليد محاولا البحث في المستقبل بكل أبعاده وبطريقة كوميدية ساخرة.

وحتى وإن استشرفت المستقبل وتطرقت -كوميديا- لصورة عمّان بعد مئة عام، إلا أن المسرحية ظلت تحوم حول فكرة العنوان “مستقبل مش مجهول”.

نحن اليوم نعيش في عصر تقني، غزت فيه التكنولوجيا كل المجالات، حتى الفنية منها، فصرنا نشاهد عروضا موسيقية وتشكيلية ومسرحية تطوع التكنولوجيا من أجل الإبهار والابتكار، لكن هذه المسرحية ظلت تقليدية، كحال أغلب المسارح العربية، تتمسك بالمساحات المفتوحة للأداء التمثيلي وبديكورات بسيطة وعادية ومكررة، وبأزياء وسينوغرافيا وإخراج نمطي لا جديد فيه. وربما يكون ذلك مقصودا لأن مستقبل عمّان في العام 2121 ليس مجهولا. لكنه عموما، يسلط الضوء على تأخر المسرح العربي عامة والمسارح المحلية ومن بينها المسرح الأردني في توظيف التقنية ومزجها لمواكبة الحركة المسرحية العالمية المنساقة بسرعة هائلة نحو “مسرح تقني” لا ينقصه سوى روبوتات تعوض الممثلين الآدميين.

والتماهي مع التكنولوجيا لم يعد ترفا الآن، والأكيد أنه لن يكون ترفا في المستقبل، وعليه فإن الحديث عن المستقبل مسرحيا لا يكون مقنعا ومنطقيا إذا لم يكن حديثا مرفقا بإبهار تقني على مستوى سينوغرافيا العرض وكل تفاصيله الجمالية التي من شأنها الإيحاء بالزمان والمكان.

صحيح أن العالم العربي يسير ببطء في ما يتعلق بالتقنية، واستخدامه لها، لكن مئة عام كافية لتجعل من التقنية أمرا متاحا بكثرة، تساعد الإنسان في شؤون حياته اليومية وتضفي على أعماله الفنية المزيد من الجمالية، وفي المسرح قد تكون التكنولوجيا وسيلة فنية وجمالية وفكرية وتقنية لإيصال الموضوع بشكل متكامل فضلا عن كونها سترتبط ارتباطا وثيقا بالرؤية الإخراجية الإبداعية.

وما دام الإنسان هو المتحكم في عملية الإنتاج المسرحي ككل، لن تسيطر التقنية على هذا المجال، بل سيوظفها أكثر لتطويره كما سبق واستفاد من الخشبة الكهروميكانيكية والدوارة ومن الصالات والمقاعد المتحركة والإضاءة بمختلف تقنياتها والشاشات الخلفية وما يتبعها من تقنيات.

وانطلاقاً من أن المسرح كائن حي يتفاعل مع المتغيرات التي من حوله، لم يكن يوماً بمعزل عن هذه المبتكرات التكنولوجية الحديثة، سيكون أي حديث مسرحي عن التقنية والمستقبل دون انصهار شبه كلي فيه، مجرد كلام مكرر لا يستفز مخيلة المتلقي ولا حتى يقنعه بأنه بصدد مشاهدة عمل يستشرف الغد بكل احتمالاته.

ويتساءل الفنانون والمسرحيون منذ سنوات عن وضعية الثقافة في الغد وكيف ينتج الفعل الثقافي والفني في عالم التكنولوجيا والعولمة، ومدى استجابة الآلة وتطويعها في الإبداع، لكن المسرح الأردني الذي تراجع عن حضوره المعتاد، يظل بعيدا عن مثل هذه التساؤلات، فقد سجن في العملية الإبداعية التقليدية وانساق وراء الأغراض الربحية والتجارية، ودفعه غياب السياسات الثقافية إلى الانشطار، فهاجر أبناؤه بينما غير آخرون تخصصاتهم بحثا عن المال.

وخرج المسرح الأردني من المنافسة الفنية لصالح الفنون المرئية الأخرى منها التلفزيون والسينما ومواقع التواصل التي تطوع التقنية أكثر في إنتاجاتها، وصار “أبوالفنون” فعلا نخبويا فقط لا يمكن أن يجاري السائد في المجتمع ويقدم قضايا الناس بالشكل المناسب، وخير دليل على ذلك غياب المسرح اليومي وعروض المسرح الموسمية التي يشتهر بها الأردن بين الدول العربية.

وفي حين أن مسرحية “عمّان 2121: المستقبل مش مجهول” أرادت الحديث عن المستقبل السياسي والاجتماعي الثابت على حاله في المستقبل، إلا أنها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كشفت أن كل شيء ثابت على حاله في الأردن حتى المسرح.

زر الذهاب إلى الأعلى