“علقت قلبي يا سعد في فرنسا”
بقلم: سعد بن طفلة العجمي

كانت بالنسبة إلى كثيرين من جيلي بلد الثورة فهل هي كذلك عند الجيل الخليجي الحالي؟

النشرة الدولية –

سأترك للقارئ الكريم حرية الانتقال عبر فضاء الشبكة العنكبوتية للقراءة في تحاليل نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي انتهت الأحد الـ 24 من أبريل (نيسان)، بإعادة انتخاب الرئيس إيمانويل ماكرون لولاية ثانية أو التنقل بين الفضائيات والإذاعات للاستماع إلى الخبراء في الشأن السياسي الفرنسي.

تتشكل الصورة النمطية حول دولة ما، بحسب الخبرات الفردية والجمعية مع تلك الدولة، وهناك قصص أو حوادث أو قصائد أو صور يمكن أن تشكل الصورة التي تتبادر إلى الذهن حين يأتي ذكر ذلك البلد، وهي تختلف من شخص إلى آخر ومن تجربة إلى أخرى، فصديقي يوسف مثلاً يكره كل شيء يتعلق بفرنسا، البلد والناس واللغة وذكر اسمها، لأنه مع وصوله للمرة الأولى إليها لتمضية شهر العسل مع عروسه في الثمانينيات، سُرق منه كل شيء في مطار شارل ديغول وبقي وعروسه عالقين في المطار ليوم وليلة بلا مال ولا جوازي سفر، وحتى بلا لغة يتفاهمان عبرها مع الفرنسيين، وقد ساعده عربي في الاتصال بالسفارة التي ساعدته في استصدار جوازين مؤقتين وتذكرتي سفر ليعودا إلى الكويت على الطائرة الأولى المغادرة.

وكانت تجربتي بزيارة فرنسا كأول بلد أوروبي أزوره قبل حوالى نصف قرن مختلفة عن تجربة صديقي يوسف.

ويروي من عايش المرحوم بركة السدير السعيدي بالجهراء، والد الإعلامي والباحث الكويتي صالح السعيدي، أن الراحل كان مستغرباً مشاركة فرنسا في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 إلى جانب بريطانيا وإسرائيل، وكان يردد “إلا إنت يا فرانسا شيجيبك لهالسوالف؟”، أي وما دخلك أنت يا فرنسا بهذه الأزمة كي تكوني طرفاً في الهجوم على مصر؟ وتساؤله عن فرنسا يفترض أن إسرائيل عدو وبريطانيا موجودة في منطقة الخليج كدولة انتداب واستعمار، أما فرنسا فكانت بعيدة نسبياً في بلاد الشام وشمال المغرب العربي، ومن هنا جاء تعجب بركة السدير الذي يعكس عدم احتكاك أهل الخليج بفرنسا تاريخياً، ولأمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة شهيرة مطلعها:

سلام من صبا بردى أرقُّ

ودمعٌ لا يكفكف يا دمشق

إلى أن يقول:

دم الثوار تعرفه فرنسا

وتعلم أنه نورٌ وحقُّ

وهذه القصيدة كانت من القصائد المقرر حفظها في المدارس الابتدائية حين كنا صغاراً، وهي تعزز صورة فرنسا كدولة استعمارية تسفح دماء العرب في سوريا وفي المغرب العربي، وكانت الكويت حكومة وشعباً من الداعمين للثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، وأذكر أن الفيلم الأول الذي شاهدته في حياتي خلال ستينيات القرن الماضي كان فيلم “معركة الجزائر” الذي عرض على جدار “نادي الشهداء الرياضي” (الجهراء حالياً)، لعدم وجود دور عرض للسينما في قرية الجهراء حينها.

وغنى الشيخ إمام كلمات استهزاء وسخرية للشاعر الشعبي أحمد فؤاد نجم عن الانفتاح المصري على الغرب أيام الرئيس أنور السادات، كانت الأغنية في مناسبة زيارة الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان وزوجته لمصر عام 1975 ومطلعها:

فاليري جيسكار ديستان

والست بتاعه كمان

هيجيبوا الذيب من ذيله

ويشبّع كل جَعان

أثناء دراستي في فرنسا قبل أكثر من 40 عاماً، كان التواصل يتم في الغالب بالرسائل والمكاتيب لصعوبة الاتصالات آنذاك، وقال والدي رحمه الله قصيدة يعبر فيها عن شوقه لي وتعلقه بفرنسا بسبب وجودي فيها على الرغم من كرهه لها:

علّقت قلبي يا سعد في فرنسا

ومن أولٍ هي عندي أبغض الناس

دموع عيني كنها دموع خنسا

اسهر توالي الليل والبال محتاس

قالوا لي انس قلت يا كيف بنسى

النوم هاجرني ولا جاني نعاس

نماذج وتجارب لم تكن في الغالب إيجابية شكلت الصورة النمطية لفرنسا على الصعيد الشخصي والجمعي، وتحسنت خلال السبعينيات والثمانينيات لارتباطها بالموضة، وبريجيت باردو وآلان ديلون والجبن المتعدد الأشكال والألوان، ولكنها تراجعت ثانية بعد صور الاستهزاء الكاريكاتورية بالإسلام وإرهاب بعض المسلمين هناك وصعود اليمين المتطرف الذي يعكس أزمة الليبرالية الديمقراطية الغربية بين مبدأ الاندماج والتعددية الثقافية.

كانت فرنسا بالنسبة إلى كثيرين من جيلي بلد الثورة ومبادئها الثلاثة، الحرية المساواة والإخاء، فهل هي كذلك بالنسبة إلى الجيل الخليجي الحالي؟ أشك في ذلك.

Back to top button