التعليم المهني والتقني .. لنتفاءل بجهود وليّ العهد
بقلم: خولة العرموطي
النشرة الدولية –
من المبشّر أن نرى ولمرة نادرة استجابةً سريعة من وزارة التربية والتعليم والقطاع الخاص في البلاد للرؤى الملكية ورؤية سمو ولي العهد حول أهمية التعليم المهني وخلق فرصٍ تدريبية فيه، والأهم أن نرى خطةً تنفيذية، يُفترض أن يبدأ العمل بها العام الدراسي المقبل.
أتابعُ باهتمامٍ هذا الملف والذي جرى الحديث فيه مراراً خلال السنوات الماضية، بما في ذلك خطة الحكومة لتحديث القطاع العام التي أُطلقت العام الماضي، كمخرجٍ لأزمتي البطالة وعدم تواؤم مخرجات المؤسسات التعليمية مع سوق العمل، ولكن ما كنّا نراه بكل صراحة لم يتجاوز الاستراتيجيات التي طويت في الأدراج ولم يُنفّذ منها إلا القليل.
ما يختلف هذه المرة، من وجهة نظري، أن مؤسسة ولي العهد وشركائها العرب شكّلوا حلقة مهمة في الضغط لصالح تشبيك عمل مؤسسات مختلفة وإيجاد خطة واضحة المعالم والأهداف، كالتي أعلنت عنها وزارة التربية والتعليم قبل عدة أيام فقط وبالتزامن مع المناظرات التي تعقدها مؤسسة ولي العهد حول مجموعة قضايا تخصّ الشباب ومن ضمنها مناظرات التعليم الأكاديمي مقابل المهني.
من المشجّع جداً أن نتابع النشاط الأميري في هذا المحفل، فهناك رؤية وأدوات شبابية متنوعة ومتجددة تعمل على إيجاد طريقٍ لتحقيقها، وهو ما ليس بغريب على الأسرة الهاشمية. وكلّي أمل أن يسهم هذا النشاط والإرادة بتذليل العقبات التي كانت ولا تزال تعترض طريق التعليم المهني والتقني في البلاد.
ندرك جميعا أن التعليم المهني ومنذ عقود ظُلِم عبر نظرة مجتمعية تقلّل من شأنه وتنظر لمرتاديه كغير متعلمين بالقدر الكافي، ويتعامل المجتمع معهم على أنهم ممن لم يحالفهم الحظ بالوصول للتعليم الأكاديمي، متجاهلين أن الحرف والمهن المختلفة تتطلب مهارات تضاهي وأحيانا تتجاوز تلك التي تتطلبها المسارات الأكاديمية.
هذه النظرة أو “ثقافة العيب” تشكّل أخطر وأكبر العوائق بالإضافة لضعف البنى التحتية التدريبية والتعليمية لكثير من المهن في البلاد نتيجة نقص المحترفين من جهة وإشكالات الميزانيات وعدم توحد الرؤى من جهة ثانية.
النظرة المجتمعية المذكورة تحرم الطلبة من الشابات والشباب من اختيار مسارات حياتهم على أساس ما يحبونه أو ما يتقنونه، فيختارون ما يراه المحيطون بهم مقبولا، دون النظر إلى سوق العمل الذي بات متخماً بخريجي الجامعات العاطلين عن العمل، فيفضّل الشباب القبول المجتمعي على النجاح في الحياة المهنية، وأحياناً على تحقيق آمالهم الشخصية وإشباع مواهبهم.
في دولٍ أوروبية عديدة كفنلندا وألمانيا يتم حثّ الطلاب من سنوات مبكّرة على اختيار مسار حياتهم بحرية دون نظرة مجتمعية تتعامل معهم عن جهل على أن اختيارهم لتخصّص دون آخر هو فشل بشكل أو بآخر، بالإضافة إلى ذلك قد تضاهي رواتب العاملين في مساقات مهنية وحرفية كالحدادة والميكانيك وبعض التخصصات المتعلقة بالبرمجة والقطاع الصحي، رواتب نظرائهم من أطباء ومهندسين ومدرّسين وتتخطاها أحياناً.
للتغلب على النظرة المجتمعية، يحتاج شبابنا لنظامٍ يعزز مواهبهم بالدرجة الأولى سواء كانت بالاتجاه المهني أو حتى الأكاديمي ويقدّم لها الدعم لتتحول لاحقا إلى وظائف ومهن وحرفٍ يستفيد منها المجتمع بدلاً من أن نستمر في الدوران في حلقة مفرغة من البطالة والفقر وتضخم القطاع العام.
النظام الذي نحتاجه لن يحصل بيوم وليلة ولا بنسخِ أي نموذجٍ غربي أو عربي، بل يحصل بالمناظرات الشبابية والحوار مع القطاع الخاص والاشتراك معه في تنظيم القطاع المهني، بالإضافة للاستفادة من تجارب الآخرين، والأهم من كل ذلك يتحقق النظام المذكور بالاستمرارية وبعدم اعتماد أي خطة على شخص وزير أو رئيس يغيّرها من يأتي بعدهم.
لعلّ هنا تحديداً مصدر تفاؤلنا هذه المرة.
*العرموطي وزيرة سابقة ورئيسة لجنة المرأة في مجلس الأعيان