صوتُكَ ثروةٌ ! فما هو الثمن؟
بقلم: اكرم كمال سريوي
النشرة الدولية –
الثائر نيوز –
لعلَ أبرزَ ما يميّزُ الانتخاباتِ النيابية في لبنانَ، هي العبارةُ التي أُطلِقتْ في عهدِ الانتدابِ الفرنسي، في انتخاباتِ آب ١٩٤٣، إبانَ التنافسِ الفرنسي البريطاني على دعمِ المرشحينَ المؤيّدين لهم. حيثُ اتّهم الفرنسيون البريطانيين برشوةِ الناخبينَ، وقالوا: “إن الجنرالَ سبيرز يجولُ في القرى والمدنِ اللبنانية، حاملاً أكياسَ الذهبِ، ليوزّعها على الناخبين” .
منذُ ذلكَ التاريخِ وعِباراتٌ مثل “المال الانتخابي” و “الرُشا الانتخابية” باتت سِمةً عامةً مشتركةً بين كافةِ الانتخاباتِ التي جرتْ في لبنانَ حتى اليوم. والآنَ طبعاً يكثرُ الحديثُ عن الرشوةِ الانتخابية التي بات لها أشكالٌ متنوعةٌ، بدءاً من الحصولِ على وظيفةٍ، إلى الترقياتِ، إلى مناقلاتِ الموظفين في الإداراتِ العامةِ والحصولِ على هذا المركزِ أو ذاك، وصولاً إلى مساعداتٍ عينيةٍ، مثل توزيعِ المازوتِ، والموادِ الغذائيةِ، والدفعِ نقداً، وقد وصلَ ثمنُ الصوتِ التفضيلي الواحدِ في انتخاباتِ عام 2018 إلى ألفي دولار.
رَغمَ أنَّ الديمقراطيةَ (حكم الشعب) هي في الأصلِ نتاجُ الفلسفةِ اليونانيةِ، فإن سقراط وأفلاطون وأرسطو وجّهوا انتقاداتٍ كبيرةً للديمقراطية التي اتّبعتها أثينا، في القرنِ الخامسِ قبلَ الميلاد. وكان الحاكمُ كليستنس أوّلَ من أنشأ مجلِساً للشورى، وأمرَ بعده بركليس بانتخابِ جمعيةٍ وطنيةٍ، وبلغت أثينا في عهدهِ مجدَها الذهبيِّ، في حين كانت إسبارطة تشهدُ انهيارَ الدكتاتورية.
وكونَ إجماعُ الشعبِ على كافةِ مسائلِ الحكمِ أمراً شِبهَ مستحيلٍ، تم اعتمادُ نظامَ التصويتِ من قِبَل الأفرادِ، على أن تسيرَ الأقليةُ وفقَ رأيِ الأكثريةِ، وذلكَ كوسيلة لحل الخلافات بطريقة سلمية، بدلَ الاحتكامِ إلى القتالِ والعنفِ. ومفهومُ الأكثريةِ يعني أكثرَ من نصفِ عددِ الناخبين، وليسَ أكثرَ من نصفِ عددِ المقترعينَ فقط.
لقد تَمَّ تشويهُ الديمقراطية في التطبيقِ، وعارضَ أفلاطون مبدأ المساواة بين اللامتساوين، بإعطائهم نفس حق الانتخاب، وأيّدَ حُكمَ النخبة، في حين رأى أرسطو أن عدمَ اشتراكِ جميع أعضاء الشعبِ في التصويت، يُؤسس لسيطرةِ الأوليغارشيةِ (أقلية من أصحاب المال والنفوذ) على الحكمِ، والتي لا بُدَّ أن تتحول لاحقاً إلى دكتاتورية.
هذا هو جوهرُ الموضوعِ . فإن امتناعَ قسمٌ كبيرٌ من المواطنينَ عن المشاركةِ في الانتخاباتِ، يُفسحُ المجالَ لوصولِ أقليةٍ غوغائيةٍ إلى الحكمِ، تحتَ ستارِ أكثريةٍ موهومةٍ زائفةٍ . وفي الحقيقة عادةً ما تكونُ هذه الأكثريةُ من المقترعين، أقلُ من ثلثِ الناخبين الفعليين. فلو كانت نسبةُ الاقتراعِ في بلدٍ ما 40% مثلاً فيمكنُ الفوزَ بأكثريةٍ بسيطة هي 21% من عددِ الناخبين فقط.
في أولِ قانون انتخابٍ لبناني في عهدِ الانتداب، والذي أصدره السكرتير العام للمفوضيةِ الفرنسيةِ في لبنانَ روبير دوكيه، بالقرار رقم 1307 تاريخ 10 آذار 1922، تضمّنَ بنداً في غايةِ الأهميةِ، بحيث اشترطَ القانون للفوز في الدورة الانتخابية الأولى، أن يحصلَ المرشّحُ على أكثرَ من نصفِ عددِ الأصواتِ، وعلى أن لا يقلَّ عددُهُم عن ربع عددِ الناخبينَ المسجلينَ في الدائرة.
يُعتبرُ هذا البندُ من أهمِّ القواعدِ التي أقرّها هذا القانون، وكان يهدفُ إلى ضمان صفةِ الشرعيةِ التمثيليةِ للنائب، بحيث لا يمكن أن يفوزَ المُرشّحُ بالمقعدِ، فيما لو حصلت مثلاً حالاتُ احتجاجٍ شعبيٍ ومقاطعةٍ للانتخاباتِ، على غرارِ ما حصلَ في لبنانَ في انتخاباتِ عام 1992، في ظلِّ المقاطعةِ المسيحية، حيث لم تتجاوزْ نسبةُ المقترعينَ المسيحيينَ 13% ، وفاز بالمقاعدِ مرشّحونَ بعددٍ هزيلٍ من الأصوات.
اعتبرت بعضُ الدولِ أنَّ المشاركةَ في الانتخاباتِ هي واجبٌ وطني، وليس فقط حقاً للناخبِ، وإذا كان إلزامُ الناخبين بالمشاركة يلقى معارضةً شديدةً، فإنَّ الاستنكافَ والامتناعَ عن المشاركةِ له ثمنٌ باهضٌ على الوطنِ والمواطنين.
قد يغترُّ بعضُ المواطنيينَ في ظلِّ الأزمةِ الاقتصاديةِ الخانقةِ، ويعمدُ إلى بيعِ صوتهِ بسعرٍ بخسٍ، يتراوحُ بينَ ” كرتونة إعاشة” و “برميل مازوت” ومئة أو ألف أو ألفي دولار، لكن بهذه الأموالِ هو فعلياً يبيعُ كرامتَهُ ومستقبلَهُ ومستقبلَ أولادهِ ووطنه.
صوتُكَ حقٌ لكَ كي تشاركَ في الحكمِ وصنعَ مستقبلِ الوطنِ وتقريرَ مصيره.
صوتُكَ ثروةٌ لأنَّ عليهِ يتوقّفُ مُستقبلُ أبنائِكَ ومستقبلُ الوطن.
لا تبيعوا أصواتَكُم بثمنٍ بٍخسٍ ولا تخونوا الوطن.
المشاركةُ في الانتخاباتِ حقٌ وواجب.
شاركوا في الانتخاباتِ واختاروا الأكفأ ومَنْ يُمثّل طموحاتِكم وقناعاتِكم.
شاركوا في الانتخاباتِ بكثافةٍ مهما كانت النتائجُ. فإن مُشاركتَم ستُعطي صورةً واضحةً عن إرادةِ الشعب.
لا تقفوا مكتوفي الأيدي وتُلقوا باللّومِ على الأخرين.
كُنْ أنت المبادرُ واصنعْ مُستقبلَك
صوتُكَ ثروةٌ ومستقبلُ الوطنِ بين يدَيك.