الموت يزحف إلى تعز من الطرقات الجبلية الوعرة خلال العبور من المحافظة المحاصرة وإليها

النشرة الدولية –

عند طريق جبلية وعرة وغير معبدة، تتحرك مركبات وشاحنات محملة بالبضائع بحذر وبطء شديدين للخروج من مدينة تعز في جنوب غرب اليمن المحاصرة من المتمردين الحوثيين.

تتوقف المركبات في بعض الأحيان للسماح لمركبات أخرى بالمرور من الجهة المقابلة، بينما تبدو الطريق مزدحمة رغم خطورتها.

ودخلت هدنة لمدة شهرين حيز التنفيذ في الثاني من أبريل الماضي برعاية أممية في اليمن لتمثل بارقة أمل في الصراع بعد حرب منهكة متواصلة منذ أكثر من سبع سنوات بين القوات الحكومية اليمنية والحوثيين المدعومين من إيران.

ومن بنود الهدنة البحث في فتح الطرق في تعز، للتخفيف من معاناة السكان. وبعد مرور شهر على الهدنة، لم يحرز أي تقدم بشأن فتح الطرق المؤدية إلى تعز، ما يعني أن السكان مازالوا مضطرين لاستخدام الطرق البديلة الخطرة.

وتعز هي إحدى أكثر المدن تأثّرا بالحرب منذ بداية النزاع في منتصف 2014. وتخضع المدينة التي تحيط بها الجبال ويسكنها نحو 600 ألف شخص، لسيطرة القوات الحكومية، لكن المتمردين يحاصرونها منذ سنوات ويقصفونها بشكل متكرر.

واستحدث سكان المدينة طرقا بديلة مع إغلاق كافة الطرق التي تربط تعز بالمحافظات المجاورة. ومن بينها “طريق الأقروض”، وهي طريق جبلية وعرة.

ويقول السائق بسام كليبان إن هذه الطريق لم تكن قبل الحرب تستخدم للوصول إلى القرى الريفية، موضحا أنه لم يسبق له والمئات من سائقي سيارات نقل المسافرين والبضائع أن مروا من هذه الطريق الوعرة التي تعد عبر وصفه مشقة كبيرة ومعاناة كبيرة للمسافرين وخاصة منهم المرضى وله أيضا، فهو يحتاج لصيانة سيارته بشكل مستمر ويكلفه ذلك الكثير من المال.

ويضيف أن الوصول إلى منطقة الحوبان والمناطق الريفية شرق مدينة تعز لم يكن يستغرق ساعة واحدة في أكثر الأحوال إلى أبعد المديريات.

ولا يضمن هذا الشريان الوحيد أدنى مقومات السلامة للأفراد ومركباتهم، مما يتسبب بأضرار عديدة على المواطنين وممتلكاتهم والمسافرين وحركة النقل، في ظل تفاقم معاناة الناس بشكل كبير، وهو ما يعتبره مهندس الطرقات وائل المعمري طريق “الموت والفناء”، بالنظر إلى ارتفاع عدد الحوادث المرورية على هذا الطريق، ومعاناة المرضى أثناء محاولاتهم اليائسة للتنقل من وإلى تعز، ومن يفقدون حياتهم في مواسم الأمطار لاضطرارهم للمجازفة بحياتهم وحياة أطفالهم؛ حيث يخاطرون مرغمين بالمرور في وديان وشعاب ومرتفعات هذه الطريق البالغة الخطورة.

ولأن هذه الطريق جبلية وعرة ولم يتم تعبيدها أو توسعتها وصيانتها منذ سنوات، فقد تسببت بالكثير من حوادث انقلاب السيارات وسقوط ضحايا من المسافرين وخسائر مادية للسائقين.

وكانت الطريق من مدينة تعز إلى الحوبان، البوابة الشرقية للمحافظة، تستغرق 15 دقيقة، لكنها اليوم تستغرق وقتا طويلا قد يصل لثماني ساعات بحسب ظروف الطقس والازدحام.

ويصف عبده الجعشني الذي يعمل سائق سيارة مواصلات في تعز خطورة الطريق، مشيرا إلى أنها “متعبة لكل من السائق والراكب”.

ويقول “الركاب يتعبون، خصوصا الأطفال أو النساء، يجلسون في الازدحام ثلاث أو أربع ساعات بسبب ضيق الطريق”، مشيرا إلى أنه لا يخرج للعمل إلا مرة كل عدة أيام.

ويصف معاناة السائقين بسبب وعورة الطريق ما يؤثر على السيارات “التي لا تصمد أكثر من أربعة أشهر”، بالإضافة “إلى ارتفاع أسعار البترول والزيوت”.

وقال الناشط الجمعياتي في منطقة الأقروض خالد سفيان العامري “يكاد لا يمر يوم واحد دون حادث مروري نشاهده على امتداد هذه الطريق أو نسمع به من شهود عيان”، مشيرا إلى أن متوسط الحوادث الشهرية يتعدى 40 حادث انقلاب سيارات وتعطل شاحنات نقل للبضائع، وليست هناك إحصائية رسمية حول عدد الوفيات نتيجة انقلاب سيارات النقل عبر هذه الطريق، إلا أن العامري يوضح أن عدد الضحايا من المسافرين يصل إلى عشرة أشخاص شهريا، إصاباتهم تتفاوت بين الخفيفة والمتوسطة.

وفي بداية أبريل الماضي بعد الإعلان عن الهدنة، دعت مجموعة من منظمات المجتمع المدني في اليمن الأمم المتحدة إلى التسريع في الاتفاق على فتح الطرق في تعز.

وقالت المنظمات في بيان مشترك “كل يوم يمر من الهدنة يسقط فيه ضحايا مدنيون في الطرق الجبلية الوعرة، والمشاهد المروعة للمركبات والشاحنات التي تتهاوى بالناس والبضائع في المنحدرات تفوق الوصف”.

وعبّرت السفارة الفرنسية في اليمن الأربعاء على حسابها على تويتر عن “قلق عميق إزاء حصار تعز المستمر منذ سنوات والذي يتسبب بمأساة إنسانية للعديد من سكانها”.

ويقول عبدالله راجح إن زيارة أقاربه في الحوبان أو حتى في محافظة إب القريبة تشكل “معاناة كبيرة بسبب وعورة الطريق والازدحام وأيضا الغلاء”، ولكنه يوضح “لا توجد طريق بديلة أو حل لزيارة أهلنا إلا عن طريق هذه الطريق الوعرة بسبب قطع الطريق الرسمية”.

ويسيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء ومناطق أخرى في شمال البلاد وغربها، بينما تأخذ الحكومة اليمنية من عدن مقرا مؤقتا. وتسبّب النزاع بمقتل أكثر من 377 ألف شخص بشكل مباشر أو بسبب تداعيات الحرب، وفق الأمم المتحدة.

وكغيره من سكان تعز، يأمل راجح في أن تسفر الهدنة عن فتح الطرق، موضحا “نحن نتمنى نجاح الهدنة لفتح الطرق، وإذا لم يتم فتح المعابر، سيتحمل المواطن تداعيات ذلك. هذه المشاكل والمتاعب يتأثر بها المواطن فقط”.

وأضاف “نأمل ونتمنى أن تستمر الهدنة لأنها ستخفف عن المواطنين. الوضع أصبح كارثيا في مدينة تعز.. ولم نعد نزور أهلنا كثيرا”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى