طفرة مطاعم جديدة تحرّك مياه الإقتصاد الراكد
النشرة الدولية –
نداء الوطن –
وسط «أجواء» تبشر بموسم صيف 2023 واعد بالسيّاح والمغتربين المقدّر عددهم بنحو مليون و200 سائح مقابل مردود بقيمة 3 مليارات دولار، كما يتوقّع وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال وليد نصّار، ما سيحرّك مستنقع مياه الإقتصاد الراكدة ولو لفترة قصيرة تمتد لشهرين، تَنْشط المؤسسات السياحية في البلاد في ظلّ حماس أصحابها لتوسيع إستثماراتهم واقتناص الفرصة لتحقيق أرباح افتقدوها في السنوات الماضية.
ومواكبة لهذا «الحدث» المرتقب من أصحاب المؤسسات السياحية الذين يحلمون بعودة لبنان الى الخريطة السياحية، هناك المطاعم الآخذة في الإنتعاش نسبياً، رغم تعاظم هول الأزمات المتدحرجة إقتصادياً ومالياً واجتماعياً وخدماتياً. ويعمد بعض أصحاب المطاعم الى فتح فروع جديدة، فيما آخرون يعيدون فتح تلك التي كانت مقفلة إما نتيجة الإنهيار المالي في البلاد الذي بدأ في 2019 أو بسبب انفجار مرفأ بيروت في 2020.
تعويل على المقتدرين والمغتربين
أجرت «نداء الوطن» جولة مناطقية على المطاعم التي تشهد فتح مؤسسات جديدة، فتبيّن أن المستثمرين اللبنانيين لا يزالون يؤمنون بعودة ليالي زمان مع تعويل على عودة اللبنانيين المقتدرين، المقدّرة نسبتهم بين 20 و 30%، الى السهر والإستمتاع باللقمة الطيبة وميزة تنوّع المطاعم في لبنان، معوّلين ايضاً على موسم الصيف الذي يردّ لهم الروح ويشكّل الأوكسجين الذي يحتاجونه للإستمرار والتوسّع في استثماراتهم، فيحققون أرباحاً ولو أقلّ من فترة ما قبل الأزمة.
الرامي: جاهزون لإستقبال صيف 2023
بداية اللقاء كان مع رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان طوني الرامي الذي وضع «نداء الوطن» في صورة ما يجري في القطاع، فقال: «وضعنا التحدّيات والصعوبات جانباً وأعلنّا جهوزية قطاع المطاعم والمقاهي والملاهي على مساحة الوطن لاستقبال صيف 2023، وذلك خلال لقاء أجريناه في حضور وزير السياحة وأصحاب مطاعم من مختلف المناطق اللبنانية». وتحضيراً للموسم «يتمّ العمل على فتح وإعادة فتح أكثر من 250 مرفقاً سياحياً (فنادق وبيوت ضيافة ومنتجعات سياحية ومطاعم وملاه ومقاه على مساحة الوطن)، اضافة إلى إعادة افتتاح كبريات الملاهي الليلية في وسط بيروت بعد إقفالها بسبب تفجير 4 آب 2020».
كيف تتوزّع المؤسسات مناطقياً؟
وتتوزّع المؤسسات السياحية تلك وتحديداً المطعمية، استناداً الى الرامي، مناطقياً كما يلي:
– %25 من الإستثمارات الجديدة في بيروت وتحديداً في مارمخايل والجميّزة، الحمرا ووسط المدينة.
– %50 من المؤسسات السياحية والمطعمية الجديدة ستفتح في جبل لبنان والبترون وانفة في الشمال، وبرمانا وجونية، وصيدا وصور…»
وبرأي الرامي: «بدلاً من الزحف نحو صندوق النقد الدولي لتحصيل 3 مليارات دولار، إذا تمّ اليوم انتخاب مشروع رئيس ومشروع دولة يمكننا ادخال 10 مليارات دولار الى البلاد».
ومقارنة مع فترة ما قبل الأزمة المالية التي بدأت في نهاية 2019، «كان يبلغ عدد المؤسسات التي تتعاطى المأكل والمشرب 8500 مؤسسة» بحسب الرامي، إلا أنه فور بدء الأزمة راح هذا الرقم يتضاءل فوصل في شهر آذار من العام 2022 الى 4500 مقهى وملهى وباتيسري». إلا أنه مع عودة الحركة السياحية الى البلاد في المواسم ودولرة الفواتير وزيادة عدد المرتادين الى المطاعم وفتح مطاعم جديدة، «إرتفع عدد المؤسسات التي تتعاطى المأكل والمشرب مجدّداً الى نحو 5000 مقهى ومطعم وملهى وحلويات عربية وسناك»، كما أكّد الرامي.
مشيراً الى أن نحو 180 ألف لبناني توجّهوا الى تركيا صيف العام الماضي، ومن المتوقع هذا العام عدم توّجه لبنانيين الى تركيا، كما أن عدداً من المغتربين اللبنانيين كان يقع اختيارهم على اليونان لقضاء عطلة الصيف، ومن المرتقب ان يغيّروا توجّههم نحو لبنان.
عمالة المطاعم 50% من إجمالي العمالة السياحية
وعن عدد العمالة في المرافق السياحية والمطعمية، قال: «كان عددهم قبل العام 2019 نحو 150 ألفاً، و50 ألف طالب يعملون في المواسم، ولكن بعد الأزمة انخفض العدد الى 80 ثم 70 ألفاً قبل أن يعاود ارتفاعه الى 100 ألف، علماً ان 50 ألف عامل يعملون اليوم بالقطاع المطعمي لوحده فقط اي ما يشكّل نحو 50% من العاملين في المؤسسات السياحية.
أما عن حصّة العمالة الأجنبية من ذلك الرقم والذي كان كبيراً قبل الأزمة المالية، فأشار الرامي الى أن «المؤسسات السياحية تبحث عن الجودة معتمدة على العمالة اللبنانية، إلا أن بعض «الدكاكين السياحية» كما أسماها تعتمد العمالة الأجنبية لفترة شهرين أو 3 اشهر. ويتركّز عدد مرتادي المطاعم خلال عطلة نهاية الأسبوع يومي السبت والأحد وخلال المواسم لفترة 80 أو 90 يوماً، ما يشكّل جرعة أوكسجين للمؤسسات السياحية». فالتسعيرة التي يتمّ تقاضيها اليوم للفرد الواحد تتراوح في مطعم لبناني بين 20 و 30 دولاراً و50 دولاراً كحدّ أعلى.
وتتوزّع تلك المطاعم في كل المناطق اللبنانية من الشمال الى جبيل فبيروت…، في جبيل يعدّ صاحب سلسلة مطاعم «أيلول» مارك عبود في حديثه الى «نداء الوطن»، العدة لفتح فرع ثان له في جبيل نظراً الى الصيفية الواعدة التي ينتظرها، وباعتبار جبيل منطقة سياحية. وسيشغّل ذلك المطعم اللبناني أقلّه 40 موظّفاً، جزء من العاملين فيه سيكونون من الطلاب اللبنانيين تحديداً في فترة الصيف فيما العمالة الأجنبية ستقتصر على التنظيفات وتحضير النرجيلة، المهمّة التي لا يرضى بها العامل اللبناني».
ماذا عن الأسعار؟
التسعيرة لدى المطاعم أصبحت بأكملها مدولرة ومن البديهي الإعلان عن الأسعار استناداً الى القوانين المرعية الإجراء. وبالنسبة الى رفع التسعيرة رأى أن معدّل الفاتورة في المطاعم اللبنانية يتراوح حالياً بين 20 و 50 دولاراً، عازياً سبب رفعها عن الأعوام السابقة الى ارتفاع كلفة المواد المستخدمة لتحضير الأطباق والتي زادت عن فترة ما قبل نهاية العام 2019. فالتسعيرة التي كانت قبل الأزمة على الشخص الواحد 80 دولاراً باتت اليوم 50 دولاراً وتلك التي كانت 50 دولاراً باتت اليوم نحو 20 دولاراً».
ورغم ارتفاع فاتورة المطاعم إلا أنها تبقى، استناداً الى ما أوضحه لـ»نداء الوطن» الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، «دون تلك التي كانت معتمدة قبل الأزمة، وتبقى تنافسية وأقل من تلك المعتمدة في الدول الأوروبية والخليجية والأميركية، ولكن اعلى من التسعيرة المحدّدة في مصر وتركيا». لذلك يبقى لبنان الوجهة الأنسب بالنسبة الى المغتربين والسيّاح لـ»صيفية 2023»!
عاد: لن نستسلم
ومن جبيل الى بيروت لا سيما الأشرفية ومارمخايل والجميزة، يلفت نظر المحدّق ورشات لمطاعم جديدة، صاحبة مطاعم Mon Maki à moi ندى عاد التي لديها فروع في ضبيه وجبيل (وفي فاريا وبرمانا في فصل الصيف)، تعمل لفتح فرعها الجديد في الجميزة الأمر الذي لطالما طمحت اليه، معوّلة هذه المرّة في «زمن الضيق» على المغتربين اللبنانيين المتعلقين بالعائلة وبجذورهم للقدوم الى لبنان والذين يشكّلون نسبة 70% من السيّاح بالاضافة الى التعويل على حبّ اللبناني للعيش، علماً أن لبنان خسر فئة السيّاح الخليجيين الذين كانوا يحركون عجلة المؤسسات السياحية وكان قدومهم محظوراً الى لبنان بسبب الأوضاع الأمنية التي نعيشها»، ولكنها لن تستسلم، معربة عن ثقتها أن «لبنان سينهض مجدداً عاجلاً أم آجلاً». لذلك تثابر عاد على الإستثمار في البلاد وفتح فروع جديدة، منوهة أن المطاعم اللبنانية لا تزال تحافظ على جودة ونوعية الخدمات التي تقدمها رغم هجرة الكفاءات».
من لبنان الى العالم
وهناك من يعمل على التوسّع نحو الخارج لتعريف سائر الدول على المطبخ اللبناني، فيحصّل العملة الصعبة متسلحاً بالعمالة وأصحاب الكفاءات اللبنانيين لتشغيلهم في الخارج بقدر ما تجيز له القوانين. ومن هؤلاء مطعم «لبنان» الذي باشر عمله منذ بداية العام في البترون وتوسّع بعدها نحو كازابلانكا والرباط ويعدّ العدّة للتوسّع نحو مصر وأبو ظبي وإسبانيا وتحديداً في منطقة ماريبا التي تفتح فيها المطاعم عادة موسمياً في فصل الصيف أي لفترة شهرين فقط.
وأشار المشرف العام في مطاعم «لبنان» روني عيّاش لـ»نداء الوطن» أنه وفق تلك المعادلة تسعى الإدارة الى استرجاع الكفاءات التي خرجت من لبنان سعياً الى مردود أفضل، والى تعريف سائر الدول على المطبخ اللبناني». وقال: «إن الرواتب ارتفعت واقتربت الى حدّ ما من القيمة التي كان يتمّ منحها في السابق. وبذلك من هاجر يمكنه العودة الى لبنان مع عودة الإستثمارات في القطاع ولو بكلفة أقلّ كونه يوفّر كلفة المسكن ويبقى في حضن العائلة.
تكاليف الكهرباء والمازوت
تُسعف كلفة العمالة التي لا تزال أقل من العام 2019 أصحاب المؤسسات المطعمية لتحقيق ارباح باتت بالنسبة اليهم تشكّل نحو 15% من نسبة كانت تصل في «أيام العزّ» الى 27%. ومقابل ذلك فإن كلفة المازوت والكهرباء باتت أعلى بكثير وتشكّل كما يقدّرها البعض بنسبة 40% من الكلفة. فإذا كانت كلفة المازوت لتأمين الكهرباء لأي مطعم قبل بدء الأزمة وارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي بكلفة تتراوح بين 2000 و 3000 دولار أي ما يعادل نحو 5 ملايين ليرة شهرياً، كما قال أحد أصحاب المطاعم، باتت اليوم تتراوح بين 7 و 10 آلاف دولار شهرياً. في حين أن الكلفة بالنسبة الى مستثمر آخر للمازوت تصل اليوم الى 25% مقابل 8% سابقاً.
رواتب الموظفين
تتنوّع رواتب العمالة بالنسبة الى المستخدمين في المطاعم بين رواتب شهرية أو على الساعة. وتبيّن لـ»نداء الوطن» أن الرواتب باتت مدولرة وارتفعت متخطّية نصف قيمة الراتب الذي كانت تتقاضاه في الفترة التي سبقت الأزمة، حتى أنها تخطّت هذا الرقم لتصل الى 90% أو حتى 100% لدى البعض خصوصاً المطاعم التي لديها اسم وتهتم بجودة الخدمات التي تقدمها وتريد الإبقاء على مستواها السابق الرفيع في الطعام.
بعض المطاعم خفّضت قيمة الرواتب التي كانت للنادل Waiter قبل الأزمة بقيمة 550 أو 600 دولار الى 350 أو 400 دولار شهرياً مع النقليات. في حين أن المطاعم المقتدرة وضعت حداً أدنى للراتب يبدأ بـ500 دولار وذلك حسب الخبرة التي يتمتّع بها على ان يصل الى 900 دولار.
أما الشيف الذي يتمتع بخبرة عالية والذي كان يتقاضى على سبيل المثال 1500 أو 2000 دولار في السابق أي قبل بدء الأزمة عاد اليوم يتقاضى راتباً أقلّ بقليل أو حتى الراتب نفسه حسب المطعم، علماً ان هناك مطاعم أو مقاهي تدفع رواتب للشيف العادي نحو 620 دولاراً.
وفي المقلب الآخر هناك مطاعم تستخدم موظفين يتقاضون راتباً على الساعة التي باتت بقيمة دولار، ويمكن الموظف العمل ساعات إضافية ليصل الى 10 او 12 ساعة، ما عدا «الإكراميات» التي تصل في موسم الذروة الى 100 دولار.