“الشرعيّة” الجديدة وقلب الطاولة على الحوثيّين
بقلم: خيرالله خيرالله

النشرة الدولية –

من الطبيعي وجود حملة حوثيّة (جماعة أنصار الله) على هانس غروندبرغ، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن. ذهب مسؤولون حوثيون إلى تذكير غروندبرغ بما حصل مع المبعوث الأممي السابق الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد الذي تعرّض موكبه في صنعاء لإطلاق النار عليه. كان ذلك في مثل هذه الأيّام من عام 2017، بعيد وصول ولد الشيخ أحمد إلى مطار صنعاء، لمقابلة مسؤولين حوثيين وآخرين من مساعدي الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي كان لا يزال حياً يرزق ومقيماً في العاصمة اليمنيّة.

وقتذاك، أراد الحوثيون توجيه رسالة واضحة، ذات طابع ابتزازي، إلى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة. فحوى الرسالة أنّهم غير راضين عنه من جهة، وأن عليه التعامل معهم بصفة كونهم السلطة الشرعيّة في صنعاء من جهة أخرى.

في الواقع، كانت لدى الحوثيين نقطة مهمّة تصبّ في مصلحتهم، وذلك عندما وقعوا “اتفاق السلم والشراكة” مع “الشرعيّة” اليمنيّة، ممثّلة بالرئيس السابق عبد ربّه منصور هادي. وقّع عبد ربّه الاتفاق مع الحوثيين في صنعاء، بمباركة الأمم المتحدة مباشرة بعد وضع هؤلاء يدهم على العاصمة في الحادي والعشرين من أيلول (سبتمبر) 2014.

المؤسف أن توقيع “اتفاق السلم والشراكة” تمّ بحضور ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر الذي ما لبث أن خلفه إسماعيل ولد الشيخ أحمد.

بعد فترة قصيرة من ممارسة “جماعة أنصار الله” الترهيب على إسماعيل ولد الشيخ أحمد، فهمت الأمم المتحدة الرسالة فاستبدلت به البريطاني مارتن غريفيث الذي راعى الحوثيين وتعامل معهم على قدم المساواة مع “الشرعيّة”. يؤكّد ذلك التوصل إلى اتفاق استوكهولم أواخر عام 2018، وهو اتفاق استفاد الحوثيون منه إلى أبعد حدود، بتكريسه سيطرتهم على ميناء الحديدة على البحر الأحمر. كذلك، أوقف الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة أي هجوم على الميناء ذي الموقع الاستراتيجي المهمّ.

خلاصة كلّ التجارب التي مرّ بها اليمن منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء، قبل ثماني سنوات، ثمّ اغتيالهم علي عبد الله صالح بغية تصفية حسابات قديمة معه، بمجرّد محاولته في مرحلة معيّنة إيجاد توازن معهم، أن ليس في الإمكان التعاطي معهم بطريقة عقلانيّة. بكلام أوضح، يستحيل التفاوض مع “جماعة أنصار الله” التي ليست سوى أداة إيرانيّة في ظلّ توازن القوى القائم حالياً.

في النهاية، لم يقبل الحوثيون هدنة الشهرين، التي بدأت مطلع شهر رمضان، إلّا بعد سلسلة الهزائم العسكريّة التي تلقوها عن طريق قوات العمالقة التي أخرجتهم من محافظة شبوة في كانون الثاني (يناير) الماضي.

منذ بدأت الهدنة والحوثيون يعيدون تنظيم صفوفهم بهدف استعادة المبادرة، خصوصاً أنّهم يعرفون أن قوات العمالقة، وهي في معظمها جنوبيّة، لا تنوي التوغّل في أي محافظة شمالية، بما في ذلك مأرب. اكتفت هذه القوات بفكّ الحصار عن مدينة مأرب التي كانت “جماعة أنصار الله” تخطّط لاقتحامها بغية توجيه ضربة قاضية إلى “الشرعيّة” السابقة، رغم قنوات التفاوض السرّية معها.

هناك الآن “شرعيّة” جديدة في اليمن، على رأسها رشاد العليمي، تحيط به شخصيات يمتلك معظمها وزناً في اليمن. العليمي شخص عاقل، كما أنّه رجل حوار يفهم في السياسة ويمتلك علاقات جيّدة مع معظم القوى الفاعلة على الأرض. يفترض أن يكون هناك إدراك لدى الرئيس اليمني الجديد نفسه ولدى القوى المحيطة به، أكانت يمنيّة أو إقليميّة، أن الحوثيين عبر تحذيرهم الموجّه إلى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، وهو أقرب إلى تهديد، إنّما يستهدفون “الشرعيّة” الجديدة أوّلاً وأخيراً.

أخذت “جماعة أنصار الله” ما يكفي من الوقت لإعادة تنظيم صفوفها عسكرياً. اكتشفت في الوقت ذاته، أو لا تريد معرفة، أن ليس لديها أي مشروع سياسي أو اقتصادي أو حضاري باستثناء الشعارات الفارغة التي تطلقها والخرافات التي تروّج لها، في المناطق التي تسيطر عليها، في طليعتها صنعاء.

الحوثيون في طريق مسدود عسكرياً وسياسياً. ولكن ماذا عن “الشرعيّة” الجديدة؟ هل في استطاعتها قلب الطاولة في اليمن؟ مثل هذا التطور ممكن شرط تحقيق شرطين. أولّهما السيطرة على المناطق التي تتحكّم بها هذه “الشرعيّة” الجديدة. هذا يعني توفير الطمأنينة للناس الموجودين في هذه المناطق. أمّا الشرط الثاني، فيتمثّل في القدرة على تغيير ميزان القوى عسكرياً. مثل هذا التغيير، في حال حصوله، هو اللغة الوحيدة التي تفهمها “جماعة أنصار الله” التي كانت تعتقد أن ليس هناك من يستطيع الوقوف في وجهها عسكرياً، وأنّ لديها ما يكفي من القوات لإلحاق الهزيمة تلو الأخرى بـ”الشرعيّة”. هذا ما حصل فعلاً عندما كان عبد ربّه منصور على رأس “الشرعيّة” طوال عشر سنوات، وكان حلفاؤه (الإخوان المسلمون) في حالِ تواطؤٍ مع الحوثيين في كلّ ما له علاقة بالجمود العسكري على غير جبهة، بما في ذلك جبهتا مأرب وتعز.

هل تستطيع “الشرعيّة” الجديدة صنع فارق؟ سيتوقف الكثير على ما إذا كان يمكنها إحداث أي تغيير في ميزان القوى عسكرياً. عندئذ، يمكن الكلام عن مرحلة جديدة في اليمن لا يعود فيها الحوثيون قادرين على تهديد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة وابتزازه…

Back to top button