لبنان أكبر بكثير من جميع اللبنانيين وأصغر بكثير من أن يقسَّم
بقلم: هالة نهرا
النشرة الدولية –
البوصلة –
لبنان أكبر بكثير من جميع اللبنانيين وأصغر بكثير من أن يقسَّم؛ وقد قال لكم جبران خليل جبران: “الويل لأمّةٍ مقسَّمةٍ وكلٌّ ينادي أنا أمّة”؛ غير أنّ الحكمة طارت من معاجمكم وقواميسكم وعقولكم ولا منهجية فكرية أو ثقافية وطنية لديكم ولا تقدّرون العواقب وتتحلّون باختلالٍ إدراكيّ رهيب! إنّ أيّ طرحٍ تقسيميّ في الإعلام راهناً أو أيّ تلويح أو تهديد بالطلاق بين المسلمين والمسيحيين يشفّ عن مشروع خراب علنيّ مرفوض ويهدّد الكيان برمّته والسلم الأهليّ، وهو مشروعٌ رجعيٌّ ماضوي طائفي بغيض ونحن في القرن الحادي والعشرين فبدلاً من نسج طرحٍ وطنيٍّ إيجابيٍّ ورؤية جامعة على نوْل التقدّم والعصرنة والتحديث والتطوير والتغيير نحو الأفضل المدنيّ المتمدّن المتحضّر نراهم يمعنون بوصفهم أضداداً معاً في إرجاع لبنان إلى الوراء وفي إغراقه في حُفَر ومستنقعات وأودية التخلّف (والضدُّ المافياويّ يُبرز ضدَّه المافياويّ ويصبّ لدى ضدّه في الكثير من الأحيان في التواطؤات على الشعب والوطن رغم الصراعات على الحصص والكراسي ويبرّر وجود نقيضه الطائفيّ الناتئ) حتى أمسى لبنان في فجوةٍ مع الزمن وصار زمنه ملامساً للقرون الوسطى، ما يناسب مصالح أفراد يحرّكهم خارجهم كالدمى على حساب مصلحة كلّ الشعب والبلد، وقد قاد ذلك بلدنا نحو الهاوية ونحو حرب أهلية دموية إجرامية لم يستفد من عِبَرها أهل المنظومة المافياوية ولم يتّعظوا وما تعلّموا شيئاً من دروس الماضي الأسود -وأركان النظام الطائفي المتخلّف الفاسد أيضاً بطبيعة الحال حُكماً- لئلا تتكرّر الحرب ولا ميزان قوى لحرب أهلية حالياً وما من قرارٍ خارجيّ حتى الآن، بل الأرجحية للعكس، وإنّ التلويح بالطلاق هو لشدّ العصب الطائفي محلّياً وتوتير المناخ وهذه لعبة خطيرة جداً تُبقي لبنان في جوٍّ مشحون لتقسيم الشعب عَمودياً في اصطفافاتٍ وتنافرات بدلاً من أن يتوحّد حول قضاياه الوطنية والاقتصادية- الاجتماعية ومصالحه المشتركة المصيرية، ويمكن أن تقود نحو الأخطر في فتنٍ قادمة تُبقي الوضع “على صوص ونقطة” وهذا مرفوض كلّياً لأننا نريد الأفضل للبنان الحبيب ولشعبه الحبيب. لقد تعبنا كثيراً من مناكفاتكم وصراعاتكم كلّكم وتواطؤاتكم ونكاياتكم وديماغوجيتكم وفشلكم المدوّي في كل شيء وكذبكم وتمثيلكم على الشعب ودفع اللبنانيون الثمن باهظاً؛ إنّ الثمن يتكثف في أعمارهم المهدورة وحيواتهم المهدورة وجنى أعمارهم المنهوب وخراب بيوتهم ودمارها واهتراء البلد وهلاكه الجهنميّ وأنتم أدمنتم الدوران في حلقة مفرغة ومروحة المماطلات، وبلادة التفكير والحركة، والتذاكي، والتشفّي، والعرقلة، والنفاق، حتى دخلنا مرحلة الشلل السياسي بفضل جهودكم “العظيمة” في لجّة الانهيار المرعب ولا تستطيعون الاتفاق على شيء سوى النهب والاستمرار بالنظام الطائفي والألاعيب المافياوية.
من المعيب أن نسمع خطابات وأحاديث متلفزة في العام 2023 تذكّر بلغة الحرب وبمشاريع بائدة وفي المقابل ثمة مشاريع نقيضة طائفية ومذهبية موغلة في الظلام والتأخّر والاعوجاج العقليّ. إنّ الحياة تسير إلى الأمام والعالم يتقدّم كثيراً وأنتم تعرقلون لبنان وقيامته في ظلّ دولة القانون والمؤسسات التي نتوق إليها؛ دولة الرعاية الاجتماعية، وعرقلتم حيوات الشعب وحرمتم الإنسان من حقوق الإنسان ونهبتم الدولة والشعب واقترفتم الفظائع والكبائر بحق البلد وشعبه. آن الأوان أن تستعملوا وتستخدموا عقولكم فإنّ الله قد خلق عقلاً للإنسان لكي يستعمله ويفكّر وإنّ السحر الشيطانيّ سينقلب على الساحر والساحر هو المنظومة اللعينة والتاريخ سيذكُر التاريخ ومزابله الفائضة، والنصر للضوء الغامر والفجر الآتي والتقدّم والتطوّر وللبنان ولكلّ محبٍّ صادقٍ شفاف وداعمٍ له ولمشروع الوطن الحصين ولوحدته ووحدة شعبه وتقدّمه، ولاستقرار البلد وازدهاره ووجوهه المُشرقة، ووجهه الحضاريّ العظيم الخالد.