وفاء الصانع بصمة في «ذاكرة وطن»
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
علاقتي بالمكتبة المركزية لم تنقطع منذ أواخر السبعينيات، ولي فيها صداقات متصلة، فضلاً عن ترددي عليها باستمرار، مع أن الاسم تغير إلى «المكتبة الوطنية»، فهذا المكان يعني لي الكثير، زاده قرباً ثلة من الزملاء، ارتبطت بهم بحكم المهنة والحاجة إلى ما تحتويه من مراجع، وواحدة من القيادات التي تولت إدارة «المكتبة المركزية» المرحومة وفاء عبدالرحمن الصانع التي رحلت عن دنيانا قبل أيام.
من الصعب أن تغادرنا دون أن نستذكر ما قامت به وما أضافته إلى هذا «الملجأ الأخير» كما يحلو لها أن تسميه، وتقصد بذلك أي مكتبة وطنية، عندما اختيرت مديرة للمكتبة المركزية، لم تهبط على هذا المكان بالباراشوت، بل جاءت من خلفية أكاديمية ومتخصصة عملت لأشهر بمكتبة الكونغرس الأميركية، بعد أن نالت شهادة الليسانس بالأدب الإنكليزي من إحدى الجامعات الأميركية.
كنت ألتقي بها في مبنى المدرسة المباركية وهي كخلية النحل لا تتوقف عن الحركة والمتابعة، وفي أغلب المرات كان النقاش يدور حول ما تطمح إليه بتوفير المقومات الضرورية للمكتبة الوطنية، من مفهرسين وفنيين وتجهيزات مكتبية، وكان همها، وهي عضو في «اللجنة الفرعية المكلفة بوضع القواعد التنفيذية لحماية المؤلف وقانون الإيداع»، أن تسهم بمعرفتها وخبرتها بقانون حماية الملكية الفكرية بصورته الحضارية، وقد عملت بكل إخلاص وجدية على أن تكون الكويت في طليعة الدول التي أخذت بالترقيم الدولي المعياري للكتاب، وكانت اللبنات الأولى لهذا المشروع تتم بأيدي كفاءات وطنية، ومن شأن ذلك حفظ حقوق المكتبة بنسختين من كل كتاب يدخل الترقيم الدولي.
من محاسن القدر أن يكون عبدالحميد الصانع وسلطان إبراهيم الكليب، من أوائل الذين أسندت إليهم في عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح إنشاء أول مكتبة كويتية سنة 1923 والتي تأسست بمشاركة، سليمان خالد العدساني، وزيد محمد الرفاعي، ومرزوق الداود البدر ورجب بن سيد عبدالله الرفاعي وعبدالرحمن خلف النقيب ومشاري الحسن البدر وعلي الفهد الخالد، والشيخ يوسف بن عيسى القناعي.
ويبدو أن لأسرة الصانع الكرام ولغيرهم من العوائل الكويتية نصيبا رحبا من المساهمة في بنيان هذا الصرح، فالمرحومة وفاء عبدالرحمن الصانع أكملت هذا المشوار بعد أن قرر مجلس الوزراء عام 1979 تسميتها باسم المكتبة المركزية، واتخذت منذ عام 1982 من مبنى المدرسة المباركية العريق مقراً لائقاً بها، وتوليها لإدارتها والإشراف عليها، وأصبحت تبعية المكتبات العامة تؤول إلى المجلس الوطني للثقافة، بشكل كامل اعتباراً من عام 1980.
وفي الفترة التي تولى فيها الصديق الدكتور سليمان العسكري، أمينا عاما للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، تبلورت فكرة «المكتبة الوطنية» وكان المجلس الجهة المنوط بها هذا المشروع، وبالتوازي مع هذا التوجه كان للمرحومة وفاء الصانع مساهمات فيما يختص بالميزانية والتعاقد مع مكتب استشاري بعد أن تقرر أن يكون المبنى الجديد في الأرض الملاصقة للمتحف الوطني وهو المكان الحالي الذي تعمل فيه.
ودون التقليل من جهود ومشاركات الآخرين وعلى كل مستوياتهم الوظيفية وممن سبقها أو أتى لاحقاً، فقد أعطت صورة نموذجية للسيدات الكويتيات اللواتي تركن بصمات في عالم المكتبات والكتب، والمكتبة الوطنية لها تاريخ عريق يحتاج إلى صفحات للحديث عنه.
المكتبة الوطنية التي صدر بإنشائها مرسوم أميري بتاريخ 29 مارس 1994 كان لها مجلس استشاري يختص بوضع رؤية ورسالة وإبرام مذكرات التفاهم والاتفاقات وغيرها من الأمور التنظيمية التي افتتحت رسمياً عام 2011.
الحقيقة التاريخية أن «المكتبة المركزية» كانت حلقة في الوسط بتاريخ المكتبات، فالتفكير في هذا مشروع بدأ منذ عام 1978 عندما قام السيد «باركر» والسيد «ديفيز» بناء على طلب من المجلس الوطني للثقافة لدراسة وتقييم مكتبة وطنية واقتراح السبل الملائمة بشأنها.
حصة المرأة الكويتية في سيرة المكتبات الوطنية ممهورة بأسماء لا تنسى في كتب التاريخ لا سيما ما جادت به المرحومة شاهة حمد الصقر عام 1935 عندما تبرعت بدكان كانت تملكه في قيصرية التجار ليكون المقر الجديد للمكتبة، أعقبها تأجير لجنة المؤسسين عدة دكاكين بجوارها لتوسيعها، كما جاء في كتيب «ذاكرة وطن» والخاص بتاريخ المكتبة الوطنية.