تصفية كبار تجار المخدرات في سوريا.. هل ينسحب على فروعهم في لبنان؟
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
لم يكن التطبيع مع النظام السوري من دون مقابل، ففي الإجتماع الذي عُقد في جدّة منتصف نيسان الماضي، بين مجموعة من الدول العربية من جهة وسوريا من جهة ثانية، ومن ثمّ في اجتماع عمان في الأول من أيار الحالي، وضعت الدول العربية أمام النظام السوري جملة شروط، أبرزها إلى جانب إعادةِ النازحين السوريين، إيقافُ تهريب المخدرات من أراضيها إلى الدول العربية. بدا ذلك واضحًا في البيان الختامي لاجتماع عمّان التشاوري، بحيث “تعهدت الحكومة السورية بالسعي لإنهاء تهريب المخدرات عبر حدودها” وفق ما ورد في البيان. بعد أيام قليلة على لقاء عمّان، بالتزامن مع عودة سوريا إلى الجامعة العربية، نقلت الصحافة خبر غارة أردنية بين منطقتي درعا والسويداء جنوب سوريا، استهدفت منزل الرجل الملقب “بأسكوبار السوري” مرعي الرمثان، أدّت إلى مقتله مع أفراد عائلته، بعد أن صنّفته عمّان كأهم مهرّب مخدرات يغمر الأردن ودول الخليج بآلاف الشحنات من الكبتاغون.
لم ينفِ او يؤكّد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي دور بلاده في تنفيذ الغارة، لكنّه شدّد على أنّ الأردن لن يتوانى عن حماية أمنه، موضحًا أنّه “في اجتماع عمّان، تمّ الإتفاق مع الحكومة السورية على تشكيل فريق سياسي أمني مشترك لمواجهة هذا الخطر والانتهاء منه بشكل كامل”.
هل الغارة التي حصلت غداة عودة سوريا الى الجامعة العربية هي ترجمة لمفاعيل اتفاق عمّان؟ وهل سيُعتمد أسلوب التصفية الجسدية لتجار المخدرات؟ وهل سينسحب الإتفاق ليطال الدول التي لطالما استخدمتها شبكات التهريب في تمرير المخدرات إلى الخليج، ومنها لبنان؟
رئيس مكتب مكافحة المخدرات السابق العميد المتقاعد الدكتور عادل مشموشي، رأى في حديث لـ “لبنان 24” أنه قد يكون حصل اتفاق ضمني بين سوريا والدول العربية، كأن تقول الحكومة السورية “اضربوا أنتم شبكات التهريب، كي لا نُحرج نحن بوجود وضع حساس داخل سوريا، وفي حال بدأ تطبيق هذا السيناريو فهو مقبول، وإن كنت كضابط أمني ضدّ التصفيات الجسدية، ومع توقيف هؤلاء ومحاكمتهم، من قبل القوى الأمنيّة المحليّة، وإذا عجزت القوى الأمنية السورية عن توقيفهم، ممكن أن تستعين بالقوات الأردنية جوًا. ولو لم يحصل اتفاقٌ على ضربهم، لكانت سوريا اصدرت موقفًا مغايرًا في اعقاب الغارة الأردنيّة”.
لبنان في قائمة الدول المتضررة من المخدرات
عن انعكاس الإتفاق على لبنان في الشق المتعلق بمكافحة شبكات تهريب حبوب الكبتاغون، لفت مشموشي إلى أنّ مكافحة المخدرات في أيّ دولة في العالم تنعكس على كلّ العالم إيجابيًا، فكيف بحالة الإتفاق بين سوريا والدول العربية، معتبرًا أنّه يجب الإستفادة لبنانيًّا من الإتفاق لتفعيل مكافحة المخدرات، لاسيّما وأنّ لبنان دولة متضررة من المخدرات، وكانت سببًا في تخريب علاقاتها مع أشقائها العرب “يجب أن نكون حذرين كي لا ينتقل هؤلاء التجار من سوريا الى لبنان ليصنّعوا هنا، وأن نحسن استغلال الفرصة لضرب تجار المخدرات وحماية الحدود، من هنا يجب تعزيز مكتب مكافحة المخدرات عديدًا وعتادًا”.
أضاف مشموشي “شخصيًا أقف ضد تصفية التجار، ومع ضربهم بيد من حديد، لو كنت مسؤولًا أمنحهم مهلة شهر لتسليم أنفسهم، أو البدء بملاحقتهم عبر مداهمات مكثّفة. بالمقابل في المسار القضائي لا يمكن إصدار عفو عام كل خمس سنوات، ويجب أن تتناسب العقوبة مع الخطورة الجرمية، إذ لا يجوز لتاجر مخدرات يدمّر البلد اقتصاديًا ويقتل الناس، ان يُحكم خمس سنوات”.
مفاعيل الإتفاق السوري-العربي في الشق المتعلق بكبح تصدير الكبتاغون، بدأت تُترجم على أرض الواقع. لكن القضاء على المخدرات تصنيعًا وتهريبًا عمليّة شائكة، ولطالما عانت دول الخليج من تبعات هذه الآفة وفق مشموشي “لم يعد سرًا أنّ سوريا شكّلت مصدر الكبتاغون المهرّب إلى الخليج العربي، وخصوصًا المملكة العربية السعودية بنسبة تراوحت ما بين 80 و90%، إن كان لجهة تصنيعها داخل سوريا أو لجهة تعاون سوريين مع تجار ومصنّعين لبنانيين في إنتاج هذه المادة وتهريبها إلى الخليج العربي. وبعد انكشاف عمليات التصدير هذه عملوا على تغيير الوجهة، عبر تمريرها من لبنان للتمويه حيال بلد المنشأ، ومن لبنان إلى السودان ودول أخرى، ومن ثمّ إعادة إدخالها عبر البحر إلى الدول الخليجية. هذا الموضوع شكل إرباكًا لدول الخليج لمساهمته في تفشّي آفة المخدرات وتدميرها للمجتمعات، بالمقابل شكّلت هذه التجارة لأصحابها عائدات ماليّة ضخمة، وورقة ضغط”.
تعاون أم ابتزاز؟
قبل أيام نقلت وكالة رويترز عن مصادر “أنّ السعودية عرضت أربعة مليارات دولار على الرئيس بشار الأسد، لتعويضه عن خسارة تجارة الكبتاغون في حال توقّف عن إنتاج الحبوب المخدرة وتصديرها”. لم ينف أو يؤكّد الخبر أيّ مسؤول في البلدين، إذا كان ذلك صحيحًا فهو مؤسف وفق مقاربة مشموشي، لافتًا إلى وجوب الفصل بين أمرين”هل تصنيع المخدرات داخل سوريا جاء نتيجة التفلّت الأمني وظروف الحرب، أم بغطاء من النظام؟ أعتقد أنّ هناك رؤوسًا كبيرة قد تكون من الدرجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، استفادت من هذا الوضع، ووقفت خلف التجار، ولكن إذا تبين فعلًا أنّ النظام ضالعٌ بقضية التهريب أو يؤمن تغطية، فذلك يشكل خطرً كبيرًا، وأيّ دولة تغطي المخدرات هي دولة غير متعاونة مع المجتمع الدولي في مكافحة الآفة. أضاف مشموشي “طلب الأموال لقاء التعاون في مكافحة هذه الآفة، واستخدامه كورقة ابتزاز حيال المملكة وغيرها، هو ابتزازٌ غير مسموح ولا يجب الإنصياع له، وأيّ دولة هي مسؤولة عن أيّ ظاهرة إجرامية تحصل على ارضها تجاه شعبها و الشعوب الأخرى، وعليها تحمّل مسؤولياتها، لا أن تستغل ذلك لتصدير هذه السموم إلى دول أخرى. ومن غير اللائق أن تدعي أيّ دولة عجزها عن إحكام سيطرتها على كامل ترابها إلّا إذا أخذت اموالًا لقاء ذلك، هذه مساومة على الإخلاقيات وتصدير للشر، وإن كان هناك اتفاق بهذا الإطار من تحت الطاولة فهو رضوخ لابتزاز معين، ولا يعمّر طويلًا، ومن خلاله تثبت الدولة أنّها كانت راعية لإنتاج المخدرات، إمّا للكسب المالي غير المشروع أو للضغط السياسي على الدول الأخرى. لكن إذا كان هناك نوايا حسنة، يكون الإتفاق بغاية الأهمية ويحقّق نتائج باهرة، كأن يكون هناك تعاون بين الدول العربية وأجهزة المكافحة في سوريا، وتعزيز تبادل معلومات بين هذه الدول، لمكافحة المخدرات”.
شبكات عابرة للحدود والمكافحة تتطلب تعاونًا دوليًا
تجار المخدرات يتعاونون مع باقي التنظيمات الإجرامية في أكثر من بلد، وتصبح هذه الشبكات عابرة للحدود والدول، من هنا لفت مشموشي إلى أهمية التعاون الدولي لتطويقها “كأن يحصل تعاون بين الدول المنتجة كسوريا، ودول العبور مثل لبنان والأردن والسودان، ودول الاستهلاك كدول الخليج، ويشمل التعاون التكاليف الماليّة المطلوبة للقضاء على الآفة. ومن المهم التركيز على البعد القضائي والأمني، لجهة التعاون بين الأجهزة المعنيّة في مكافحة المخدرات بين الدول، ومن المفيد أن تحصل اجتماعات على مستوى جامعة الدول العربية، تضم إدارات المخدرات والقوى الأمنية وممثلين عن القضاء، لاسيما وأنّ الجرم عابر للحدود الوطنية”.