العالم ولبنان… وحماية نتائج الإنتخابات
بقلم: خيرالله خيرالله

النشرة الدولية –

يبقى مجلس النوّاب اللبناني الجديد والإنتخابات التي أجريت يوم الأحد الواقع فيه الخامس العشر من ايّار – مايو 2022 ظاهرة تستحقّ التوقّف عندها طويلا. لا يعود ذلك إلى وصول هذا العدد الكبير من النواب المنتمين إلى تيّار التغيير، البرلمان فحسب، بل يعود ايضا إلى فقدان “حزب الله” أكثريته في المجلس مع ما يعنيه ذلك من رفض لبناني لسلاحه وسلوكه وثقافته.

من واجب المجتمع الدولي حماية نتائج الإنتخابات والنواب اللبنانيين الجدد الذين يواجهون بصدورهم العارية سلاح “حزب الله” بدل تركهم يخضعون لإبتزازه ولقدرته على فرض ما يريد، بدءا باغتيال رفيق الحريري وقبل ذلك… ثمّ منع أي تحقيق في تفجير مرفأ بيروت من دون حسيب او رقيب.

على الرغم من نتائج الانتخابات، لا يمكن الإستخفاف بنقاط القوّة التي لا يزال يمتلكها الحزب، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني والذي يعترف امينه العام حسن نصرالله بالصوت والصورة انّ كلّ ما لدى الحزب مصدره “الجمهوريّة الإسلاميّة” وأنّه مجرّد جندي في جيش الوليّ الفقيه. من بين نقاط القوّة تمكنه من الإستحواذ على جميع النواب الشيعة الـ 27.

هذا يعني انّ ليس مسموحا وجود أي نائب شيعي على خلاف مع الحزب يتجرّأ على طرح موضوع سلاحه غير الشرعي الذي لا مهمّة حقيقية له سوى حماية الفساد وإخضاع اللبنانيين لمشيئة ايران مع ما يؤدي إليه ذلك من عزلة عربيّة للبنان. يدفع اللبنانيون غاليا ثمن هذه العزلة التي جعلت من بلدهم بلدا بائسا لا طموح لدى شعبه، خصوصا الشباب سوى الهجرة.

استطاع “حزب الله” اخضاع المناطق الشيعية اخضاعا شبه كامل، على الرغم من وجود أصوات من داخل الطائفة معارضة له. استطاعت هذه الأصوات اسقاط مرشح درزي وآخر ارثوذكسي من التابعين للحزب في احدى دوائر الجنوب. وهذا انجاز بحد ذاته.

لن يكون احتكار التمثيل الشيعي كافيا للحزب في مجلس للنوّاب فيه أصوات قويّة ستطرح مجددا ملفّ تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب – أغسطس 2020 وظروف هذا التفجير. من بين هذه الظروف تخزين مادة نيترات الأمونيوم في احد عنابر المرفأ طوال ما يزيد على خمس سنوات. ثمّة أسئلة كثيرة مطروحة في شأن تفجير مرفأ بيروت وكيفية وصول النيترات اليه ومن امّن لها ملاذا آمنا في مرفأ بيروت ومن كان ينقل قسما منها إلى سوريا لتستخدم في صنع البراميل المتفجرة التي استخدمها النظام في حربه على شعبه. لم يكن صدفة وصول نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت بعد اضطرار النظام السوري إلى التوقف عن استخدام السلاح الكيميائي بعد صيف العام 2013.

لن يطيق الحزب ايّ احراجات من أي نوع في قاعة مجلس النوّاب. هذا ليس وقت الضغط النيابي من اجل متابعة التحقيق في تفجير المرفأ ومعرفة الحقيقة. السؤال إلى أي حد سيذهب الحزب الذي لديه خبرة طويلة في اسكات معارضيه بواسطة التفجيرات او كواتم الصوت في فرض حال من الرعب على النواب؟

سبق له ان فعل ذلك في مرحلة ما قبل تفجير رفيق الحريري وما بعدها، أي منذ محاولة اغتيال مروان حمادة في تشرين الأول – أكتوبر 2004. سبق له ان اخذ البلد إلى حرب صيف العام 2006 التي سبقها التخلّص من سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني على التوالي. لا يمكن تجاهل اغتيال النائبين وليد عيدو وانطوان غانم ثمّ بيار امين الجميّل بغية ترهيب كلّ عضو في مجلس النواب وتحويله إلى أداة طيّعة لديه… اداة لا تجرّؤ على انتخاب رئيس للجمهوريّة يعمل من اجل لبنان أوّلا. أخيرا، سبق للحزب انّ أفهم كلّ شيعي، عبر التخلّص من لقمان سليم، ان هناك ثمنا لا بدّ من دافعه في حال خرج عن الصفّ…

سيكون صعبا على “حزب الله” التعاطي مع مجلس للنواب لا سيطرة لديه عليه، خصوصا بعد وضعه اسسا جديدة للعمل السياسي، إن عبر ما كرّسه اتفاق الدوحة، أي ما يسمّى الثلث المعطّل، بعد غزوة بيروت والجبل في أيار – مايو 2008 أو عبر ايصال ميشال عون وصهره جبران باسيل إلى قصر بعبدا في 31 تشرين الأوّل – أكتوبر 2016.

ولد من نتائج الانتخابات شعاع أمل بأن اللبنانيين يرفضون سلاح “حزب اللّه”. لم يدع اللبنانيون فرصة الانتخابات تمرّ من دون تسجيل موقف على الرغم من قانون عجيب غريب أجريت الانتخابات على أساسه، وهو قانون فصّل أساسا على قياس “حزب الله”.

في نهاية المطاف، يبقى هل سيدعم المجتمع الدولي، المنشغل باوكرانيا، لبنان ويبني على ما حقّقته الانتخابات ام يترك “حزب الله” يتابع مسلسله الإنقلابي، عن طريق منع مجلس النواب الجديد من ممارسة أي دور رقابي. سيكون ذلك امتحانا للمجتمع الدولي، خصوصا للإدارة الأميركيّة. كانت التقارير التي تصل إلى وزارة الخارجية الأميركيّة من بيروت تفيد ان لبنان متروك لمصيره وانّ “حزب الله” ضمن سلفا أكثرية له في المجلس النيابي الجديد وان النتائج باتت معروفة سلفا.

فاجأ اللبنانيون العالم. قالوا لا لسلاح “حزب الله” ولثقافة الموت التي يحاول فرضها على البلد. كيف سيتعامل الأميركيون والأوروبيون مع الأمل الذي ولد من رحم الانتخابات النيابيّة؟ يُفترض في المجتمع الدولي عدم إدارة ظهره للبنان مجدّدا. هناك شعب لبناني مستعد للمواجهة. هذا ما فعله أبناء حيّ عين الرمانة، المسيحي قرب بيروت، عندما تصدّوا للحزب العام الماضي. رفض هؤلاء بشكل مكشوف هيمنة الحزب والإحتلال الإيراني.

اين سيقف العالم؟ هل يساعد لبنان ام لا؟ هل يترك ميشال عون وجبران باسيل يمارسان هوايتهما المفضّلة المتمثّلة في تهجير اللبنانيين، خصوصا المسيحيين من وطنهم؟ هل يترك لإيران ملء الحرّية في اخضاع مجلس النواب الجديد عن طريق ممارسة الضغوطات على النواب الجدد وافهمامهم ان السلاح المذهبي الميليشيوي اقوى من الانتخابات!

 

زر الذهاب إلى الأعلى