معركة طرابلس تفرض توافقاً ليبياً مفاجئاً في اجتماعات القاهرة

النشرة الدولية –

النهار العربي –

حدث تقدم مفاجئ في الوضع الليبي عكسه حوار القاهرة برعاية أممية. فقد نجحت اجتماعات الفرقاء الليبيين، التي تستضيفها القاهرة في تذليل الكثير من الخلافات بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، والتوصل إلى حزمة مبدئية من التوافقات في شأن المسار الدستوري، ما يمثل اختراقاً في ملف الاستحقاقات الانتخابية المجمدة منذ أن تأجلت نهاية العام الماضي.

وبينما مثل التوافق بين ممثلي المجلسين المجتمعين في القاهرة، والذي أعلنت عنه المستشارة الأممية ستيفاني وليامز في اليوم الختامي للجولة الثانية، “خطوة إيجابية”، تحدثت مصادر مطلعة لـ”النهار العربي” عن أن الصدام المسلح الذي جرى فجر الثلثاء الماضي في العاصمة طرابلس بين حلفاء رئيس الحكومة المكلف من قبل البرلمان فتحي باشاغا، وأنصار رئيس حكومة “الوحدة الوطنية” عبد الحميد الدبيبة، “كان دافعاً رئيسياً نحو حصول التوافق وتقديم تنازلات من الطرفين”.

وقالت المصادر إن “كل الأطراف، بمن فيهم الجهة المنظمة أو المستضيفة ولاعبون دوليون آخرون، رأوا في تلك الحوادث مقدمة لانفجار العنف مجدداً في ليبيا، وبالتالي كان من الضروري الضغط باتجاه حصول اختراق في ملف الانتخابات، وإجرائها قبل نهاية العام الجاري، باعتبار ذلك مخرجاً لتسليم السلطة”.

ومع ذلك، فإن المخاطر لا تزال قائمة والتساؤلات لا تزال مفتوحة على مصراعيها، إذ لم يجر التوضيح جدياً ما إذا كانت المواد الدستورية التي جرت مناقشتها مقدمة لدستور جديد للبلاد سيتم الاستفتاء عليه، أم أنها مجرد قاعدة دستورية سيتم الاكتفاء بتصويت مجلس النواب لتمريرها. كما أنه لم يجر التطرق إلى آلية التعاطي مع أزمة الحكومتين، خصوصاً مع عبد الحميد الدبيبة المتمسك بممارسة مهماته من طرابلس، بل يمضي في اتجاه موازٍ وتصعيدي ضد “البرلمان” عبر إعلانه منفرداً وضع مشروع قانون لتنظيم انتخابات تشريعية، سيسلمه إلى المفوضية العليا للانتخابات، مهدداً بأنه إذا لم تعلن فتح باب الترشيح سيطيحها ويُشكل مفوضية جديدة لتنظيم الانتخابات.

وما زاد من اللغط في المشهد الليبي، تسريبات خرجت خلال الساعات الأخيرة تحدثت عن توافق جرى بين رئيسي مجلس النواب عقيلة صالح والأعلى للدولة خالد المشري، عن تشكيل حكومة مصغرة (ثالثة) بدلاً من حكومتي باشاغا والدبيبة ستوكل إليها مهمة الإشراف على الانتخابات.

الأمر الثالث الذي عكسته بجلاء حوادث طرابلس العاصفة، والتي لا تزال تبعاتها قائمة على الأرض، يكمن في الوضع الأمني، وضمان عدم تكرار تعطيل القوى المسلحة في الغرب الليبي المضي في عملية الانتخاب عند الوصول إليها، خصوصاً في ظل رفض تلك الأطراف شخصيات بعينها، وضغطها لوضع نصوص تقصيها من الترشح.

ووفقاً للبيان الختامي لاجتماع القاهرة، والذي صدر مساء أمس الجمعة، فإن المشاورات التي جرت على مدار ستة أيام كانت إيجابية، وجرى “تحقيق توافق حول عدد من القضايا الرئيسية المرتبطة بالمسار الدستوري”. وأوضحت وليامز أن لجنة المسار الدستوري المشتركة تمكنت من التوصل إلى “توافق مبدئي حول 137 مادة” دستورية. وعبرت عن سعادتها بحصول اتفاق على الباب الثاني المعني بالحقوق والحريات، فضلاً عن البابين الخاصين بالسلطة التشريعية والقضائية، باستثناء عدد قليل من المواد لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، داعية إلى “مواصلة المشاورات للتوصل إلى توافق نهائي بشأن المواد المتبقية”.

ولفتت ويليامز إلى أن “كل ما يجري هنا هو عمل مستمر (لم يكتمل)، غير أنه ينبغي أن نتذكر دائماً أن الشعب الليبي يتطلع إلى هذه اللجنة بكثير من الآمال والتوقعات بأن عملكم سيفضي إلى اتفاق كامل، يمكّن من إجراء انتخابات وطنية جامعة وشاملة في أقرب وقت”، قبل أن تُكرر تنويهها بأن هذه الانتخابات “ستحقق تطلعات أكثر من 7 ملايين من مواطنيكم الليبيين الذين يتمتعون بحق أساسي معترف به دولياً في الذهاب إلى صناديق الاقتراع لانتخاب من يمثلهم في الانتخابات الرئاسية والتشريعية. ولا يمكننا أن نخذلهم. نحن بحاجة إلى إنهاء هذه الفترة الانتقالية الطويلة، وعلينا القيام بذلك ضمن إطار دستوري ثابت”.

وأعلنت عن عودة اللجنة المشتركة للاجتماع في القاهرة مجدداً في 11 حزيران (يونيو) المقبل.

من جهته، قال رئيس وفد مجلس النواب في اجتماعات المسار الدستوري سليمان الفقيه، أن مجلسي النواب والأعلى للدولة “سيُحددان موعد إجراء الانتخابات في وقت قريب”، مشيراً إلى أنه سيجري “حسم التوافق حول بعض المواد الخلافية، بين وفدي البرلمان والأعلى للدولة في اجتماعات حزيران (يونيو) المقبل”، لافتاً إلى أن “الاختلاف يدور حول عدد قليل من مواد المسودة الدستورية، لكنها مهمة جداً وأبرزها صلاحيات الحكومة”.

وأضاف أن “الهدف هو التوصل إلى قاعدة دستورية متوافق عليها، والانتخابات وسيلة لكن الهدف هو القبول بنتائجها، والوصول بليبيا إلى الاستقرار والوحدة”.

بدوره، سارع فتحي باشاغا إلى الترحيب بـ”التقارب الحاصل بين مجلسي النواب والدولة بشأن الاستحقاق الدستوري، الذي سيكفل انتقال السلطة وفق انتخابات تتجسد فيها إرادة الشعب الليبي”.

وقال في تغريدة عبر “تويتر”: “ندعم أي توافق يحصل بين السلطات التشريعية المعنية في هذا الخصوص”.

في المقابل، انتقد رئيس حزب “التجديد” الليبي سليمان البويضي، التأخير في حسم المواد الدستورية التي ستُجرى على أساسها الانتخابات، داعياً كل القوى السياسية إلى “الوقوف صفاً واحداً لانتزاع حقوق الليبيين من الأجسام السياسية القائمة والتي تحاول الالتفاف على تعديلات صنعتها لتمدد بقاءها”.

وشدد البويضي الذي كان أعلن ترشحه في الانتخابات التي جرى تأجيلها، على “حق ملايين الليبيين في التصويت لاختيار ممثليهم عبر صناديق الاقتراع”، داعياً إلى “التفكير جدياً في مسار حقيقي يتجاوز الأجسام السياسية القائمة، ويعجل بإجراء الانتخابات، والتي يمكن إنجازها حتى في وجود حكومتين من خلال المؤسسات الأمنية القائمة”.

أما عضو “الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور” نادية عمران، فاعتبرت أن اجتماعات القاهرة “عبث بالمسار الدستوري، ولن نقبل بأي مخرجات منها”. ورأت أن الهدف من تلك الاجتماعات هو “التمديد والإطالة لعمل البرلمان والأعلى للدولة”. ورجحت عدم حصول “توافق بين لجنتي النواب والدولة في القاهرة، ولن تكون هناك مخرجات يمكن البناء عليها”.

زر الذهاب إلى الأعلى