“ملاعب محتلة”.. أذهلتني يا حمد
بقلم: صالح الراشد

النشرة الدولية –

عنوان فلسفي صادم، يحمل في طياته معانٍ عديدة وصور متعددة، فيجول الفكر باحثاً عن الرؤيا بين الألم والفرح والصور الجمالية، يجول بين الحُلم والماضي والحاضر وكابوس انتهى، يأخذنا في رحلة صعبة المعالم بين احتلال عسكري وآخر ثقافي، هو عنوان من كلمتين صاغهما فكر الكابتن الفيلسوف عدنان حمد تضمان بين أحرفهما أحداث العالم، وتوصفان العراق الأبي في لحظة ضعف نبتهل لله أن لا تتكرر.

جلست بين كوكبة من مثقفي بلاد ما بين النهرين ومجموعة من إعلاميي الوطن، وتركت خيالي يتنزه في حديقة العنوان “ملاعب مُحتلة”، وبدأت أحدث نفسي بصمت وأنا أُراقب الحضور المندهشين، وتساءلت ترى ماذا قصد الكابتن الدكتور عدنان حمد بعنوان كتابه، قلت لنفسي لعله استعاد ذكريات القهر النازي والفاشي والاستعمار البريطاني والفرنسي لدول العالم، وربما تشيلي في عصر الديكتاتور أوغستو بينوشيه حين حول هؤلاء الملاعب إلى سجون كبيرة وساحات للإعدام.

استدركت ذاتي ورجعت لأفكر وقلت لصمتي بما أن حمد خبير في مجال كرة القدم، فربما قصد احتلال الدخلاء من إداريين وأعضاء مجالس إدارات في الاتحادات والأندية العربية لكرة الإحتراف، وسيطرة محلليين هبطوا بمظلات ضبابية وتحولوا إلى خبراء بين ليلة وضحاها، وهؤلاء مجتمعين أبعدوا أصحاب الخبرات واحتلوا الإتحادات والأندية وشاشات الفضائيات، فأصبحت كرة القدم غريبة بإستعمارهم لها.

لحظات وملت صوب رفيقي المحامي فتحي العلان، وهمست في نفسي هل امتلك حمد الجرأة ليتحدث عن الملاعب بمعناها الشمولي، حين حول الغرب الفاسد المجرم الدول العربية إلى ملاعب، فيجربون في شعوبها أسلحتهم الحديثة وقدرتها على القتل والتدمير، رفضت الفكرة كون حمد يُدرك أنه سيصبح مطارداً كمظفر النواب الذي ارتقي لبيت الحق قبل يوم من توقيع الكتاب.

نظرت حولي فوجدت غالبية الحضور من الرجال، فتبسمت وقلت لعل الجنرال حمد قصد قلوب الرجال التي أصبحت كالملاعب تتسع لمئة معشوقة وخليلة، ورغم ذلك فإن إمرأة واحدة قادرة على احتلال ملعب القلب والسيطرة عليه، كما فعلت جولييت بروميو وعبلة بعنترة وليلي بمجنونها قيس، أخفيت ابتسامتي ونظرت بحذر وحمت الله بأن أحد منهم لم يقرأ ما يجول في خاطري.

نظرت صوب عدنان حمد الذي يشعر بالفرح بطفلة الأول، وقلت لذاتي انه سعيد للغاية وفرح باختيار العنوان المذهل، فحمد يُدرك أن الحارس المميز نصف فريق، والعنوان متعدد الأوجه نصف الكتاب، وقلت هذا القومي العربي لن يخرج بكتابه من بغداد حاضرة الأمة التي تحتل قلبه وفكره، تصفحت الكتاب على عجل فوجدت عاصمة الرشيد تنبض بين الصفحات وتهتف بكل قوة ساعود بغداد التي عرفتموها وسأخلع ثوب الإحتلال وأذنابه، وسأعود كما عهدتموني درة الأمة وسيفها وترسها، فأنا بغداد طريق العزة التي أسقطت الغزاة ولن تكون ملاعبي وأرضي محتلة.

غادرت المكان وبيدي كتاب ممهور بتوقيع الجنرال الفيلسوف، غادرت وكأني أحمل كأس العالم الذي يتنقل بين الدول، غادرت وأنا واثق أنني أحمل درة غالية لا تُقدر بثمن، فما خطته أنامل حمد كان شعوراً حقيقياً يلامس شغاف القلب لعشق العراق حتى النخاع، ولحلم بتحرير الأرض والإنسان حتى تعود بغداد كما عرفتها واحة أمن وأمان وسلام ونهضة وبنيان.

زر الذهاب إلى الأعلى