الوطن ليس بخير.. ولكن!
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

دأبت القبس على التصدي لأعقد القضايا وأكثرها خطورة من خلال افتتاحيات مميزة، كان آخرها ما نشر الخميس الماضي، حيث حذّرت من أن ما يتم تداوله اليوم في الدواوين والمجالس الخاصة، عن وضع الدولة، بلغ مراحل متقدمة، وبصورة غير مسبوقة، مع اتفاق شبه تام على أن الوطن يسير نحو المجهول بلا خطة ولا مشروع وطني شامل، وكل ذلك نتيجة سوء أداء الحكومات التي أفقدت الكويت هويتها. وأن الجهاز الحكومي يعاني من فراغ، لأن معظم الوزارات حالياً بلا وكلاء أو وكلاء مساعدين، علاوة على وجود أكثر من 160 وظيفة قيادية شاغرة، وأننا أمام جمود قاتل بات يكبّل الحياة، ويحرم الدولة من التطوّر.

***

مع اتفاقنا مع روح الافتتاحية، وضرورة الاستعجال في ملء الشواغر الوظيفية العليا، إلا أن الخطورة الأكبر تكمن في الطريقة التي ستتبع في ملء هذه الشواغر!

فقد دأبت حكوماتنا، في السنوات الثلاثين الماضية، على اختيار حاملي شهادات الدكتوراه والماجستير، من موظفي الحكومة لملئها، وثبت تالياً أن نسبة عالية من شهادات هؤلاء لا تساوي شيئاً، أو أنها على الأقل غير معتمدة، وبعض حامليها لا يزالون في وظائفهم.

أو يتم ملء الوظائف العليا بنظام الأقدمية، والذي لا يضمن غالباً أن الأقدم هو الأفضل. أو، وهذا هو الأكثر شيوعاً، اختيار هؤلاء بناء على ترضيات سياسية، أو نتيجة ضغوط من نواب! وهنا تكمن المشكلة. فقلة من النواب ستحترم نفسها ولا تتدخل في التعيينات، لكن الأغلبية التي جاءت بأصوات القبيلة والطائفة والحزب الديني لن تتردد في المطالبة بتعيين من ينتمي لها في هذه المناصب، بصرف النظر عن كفاءتهم، وبوجود هؤلاء يستحيل تحقيق أي تقدم أو تنمية!

وعليه نحن بحاجة إلى ثورة إدارية وأخلاقية في طريقة ملء الشواغر الوظيفية، بحيث يقتصر شغلها على من ينجح في اجتياز اختبارات كفاءة سرية ونزيهة، تبيّن قدرات كل مرشح، وهذا لا يمكن تطبيقه بغير منظومة أخلاقية متفق عليها، بعيداً عن أجندات مراكز القوى.

كما أن المشكلة الوطنية الأساسية الأخرى التي يجب التصدي لها فوراً تتعلق بتغلغل الأحزاب الدينية في مختلف مفاصل الدولة. فلا يمكن إطلاقاً تحقيق أي نوع من «التقدم الحقيقي»، مثل الذي حققته شقيقاتنا، بغير استبعاد ممثلي القوى الأصولية من مراكز اتخاذ القرار!

كما أن تغلغل ممثلي هذه الأحزاب في أوساط الأغلبية الأكثر تكاثراً، والأقل تعليماً وثراءً، خلق إعاقة حقيقية لأي تقدم تعليمي أو اقتصادي نوعي. فكيف يمكن، على سبيل المثال، تحقيق سياسة خصخصة ناجحة وتوزيع عادل للثروة إن كانت الأمور تدار بفتاوى تحرم الاكتتاب باسم شركات معينة، أو إصدار فتاوى رسمية تحدد «البيت» مكاناً، وليس العمل؟

إن التقدم الاقتصادي الذي ننشده، وإصلاح نظام التعليم الذي نبتغيه، والرغبة في مواكبة العصر، والتوق للانفتاح على العالم، والشوق للحاق بالدول الأخرى، والحنين لعودة انتصاراتنا في الفروسية وكرة القدم والمسرح وبقية الإبداعات الأخرى، غيرها الكثير، تتطلب الحد من نفوذها المتزايد، فهذه الجهات لا همّ لها غير مخاطبة غرائز من انتخبوها، فاستعادة الأمجاد الرياضية ليست من همومهم، وتحرير الاقتصاد من طبيعته الريعية ليس من اهتماماتهم، وتطوير التعليم لا يشغل بالهم، وهبوط مستوى الدولة في مختلف المؤشرات العالمية، وانخفاض تصنيفها الائتماني لا يعني لهم شيئاً، فهمومهم تنحصر في منع إعلان غير إسلامي، وحجاب غير ديني، وذراع نسائية مكشوفة، واختلاط في لعبة رياضية، وجملة في مسلسل تلفزيوني هابط!

***

الكويت ليست بخير، ومستقبلها في خطر، وقد تأخرت كثيراً في كل مجال «بلا استثناء» وإجراء الإصلاحات، ومحاربة الفساد، وتحقيق التنمية، وزيادة موارد الدولة غير النفطية، والأهم من ذلك تطوير التعليم وجعله عصرياً، أمور بالغة الحيوية، ولا يمكن أن تتحقق والدولة مرهونة للقوى الدينية المتخلفة! فنفوذها في ازدياد، وهذا يجعل «قوى اتخاذ القرار» رهينة أمرها، مستجيبة لمطالبها، وهنا مكمن الخطر الحقيقي والأكبر على نهوضنا.

Back to top button