إذا كان نصر الله…صادقاً!
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

“التّحدي الداهم هو الأزمة الاقتصادية والمعيشية وأزمة الخبز والكهرباء وليس سلاح المقاومة” (الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، 20 مايو 2022)

موقف نصر الله هذا، صحيح من حيث المبدأ، فالدول التي تُواجه كوارث مالية واقتصادية واجتماعية، محكومة بإعادة ترتيب أولويّاتها، لأنْ لا صوت يعلو فوق صوت “البطون الخاوية”.

ويأخذ هذا الموقف مداه المنطقي، لأنّ الجميع، بمن فيهم أعتى مناوئي سلاح “حزب الله”، يدركون مدى ارتفاع كلفة السعي إلى “نزعه”، خصوصاً أنّ أبعاد كلمة “فشرتوا” التي كان قد نطق بها نصر الله، قبيل توجّه اللبنانيين إلى صناديق الاقتراع، تتكامل مع هذه “النصيحة” التي أعقبت صدور نتائج الانتخابات النيابية، حيث حصد “الثنائي الشيعي” كلّ المقاعد المخصّصة للطائفة الشيعية في البرلمان اللبناني، في ظاهرة فريدة من نوعها في أيّ نظام ديموقراطي يعتمد التمثيل النسبي.

مبدئياً، إذاً فدعوة نصر الله إلى إعطاء الأولوية لـ”البطون الخاوية” على حساب “سلاح المقاومة” صحيح، ولكن هل هو واقعي؟

لنبدأ، بالشكل، حيث يظهر أنّ دعوة نصر الله هذه، وردت ضمن كلمة ألقاها بمناسبة مقتل القيادي في “حزب الله” مصطفى بدر الدين، في دمشق، قبل ست سنوات.

وإذا كان بدر الدين، بالنسبة لـ”حزب الله” رمزاً من رموزه البطولية، فهو، بالنسبة لسائر اللبنانيين، رمز من رموز تحقيرهم على يد “حزب الله”، إذ إنّ هذا القيادي الذي تزعم الدعاية الإسرائيلية أنّ “الحرس الثوري الإيراني” هو الذي “صفّاه”، كان أبرز متّهم باغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري، وأحد أبرز المتورّطين بعمليات إرهابية استهدفت الكويت، حيث كان قد أودع في السجن الذي تمكّن من الهرب منه، أثناء الاجتياح العراقي.

وهذا يعني أنّ دعوة نصر الله، في الشكل، لا تتمتّع بخاصية مدّ اليد، بل تشوبها عيوب “القهر والإذعان”.

ولا يمكن قياس الإنتاجية الإيجابية للدعوات إلى تغيير الأولويات، إلّا على قاعدة “حسن النيّة” التي تتجسّد، في “التبادلية”، وهذا ما تفتقده دعوة نصر الله، لأنّها تقوم على “تنازل أحادي”، فهو فيما يدعو الآخرين إلى وضع ملف سلاح “حزب الله” جانباً، يضع حماية هذا السلاح وتمجيد “رموز التحدّي والقهر والإذعان” في رأس قائمة أولوياته.

وبناءً عليه، فإنّه، بالركون إلى الشكل، فإنّ دعوة نصر الله باطلة بطلاناً مطلقاً.

ولكن ماذا عن أساس هذه الدعوة؟ وهل صحيح أنّه يمكن إنقاذ لبنان، في ظلّ سلاح “حزب الله”؟

نظرياً، هذا ممكن، فالسلاح المخصّص لمقاومة دولة معادية لا يحول دون إصلاح الدولة ومكافحة الفساد ومدّ أواصر الصداقة مع مراكز القرار في العالم، وتنفيذ البرامج المتّفق عليها مع الصناديق والمؤسسات الدولية، وتوفير الاستقرار الجاذب للاستثمارات، وإحياء مختلف القطاعات الإنتاجية.

لكن، وعلى المستوى العملي، فإنّ المشكلة تبدأ، عندما يعدّل هذا السلاح وجهته، ويتحوّل من مقاوم إلى مدافع قبل أن يُصبح هجومياً.

وهذا التعديل يُلغي، عملياً، الوظائف المنوطة حصراً بالقوات المسلّحة اللبنانية، كما يصادر الصلاحيات التي أولاها الدستور، بشكل كامل لا يحتمل أيّ تأويل، لمجلس الوزراء.

وهذان الموجبان اللذان يُحدّدان ما إذا كان في لبنان دولة ناظمة، احتقرهما “حزب الله” بدخوله، على الرغم من رفض سائر اللبنانيين، إلى الحرب في كلّ من سوريا واليمن، وإلى المواجهات في البحرين، وإلى محور العداء لعدد من دول مجلس التعاون الخليجي، فعمّت لبنان الفوضى التي عادت وأنتجت الكوارث، على مستوى الوحدة الوطنية بداية وعلى المستويات المالية والاقتصادية والاجتماعية، لاحقاً.

وكانت غالبية الطبقة السياسية اللبنانية، أقلّه، منذ عام 2014، قد اعتمدت “وصفة” نصر الله، فوضعت موضوع السلاح جانباً، في سياق ما سمّاه بعضها “ربط النزاع”، وأعطت حاجات اللبنانيين الحياتيّة الأولوية.

ويكفي، في هذا السياق، العودة إلى خطابات رئيس “تيّار المستقبل” سعد الحريري، منذ تشكيل حكومة الرئيس تمّام سلام في بداية عام 2014 حتى تعليقه العمل السياسي في بداية عام 2022.

ويُجسّد المصير الذي انتهى إليه سعد الحريري، بصفته أكبر ضحايا “ربط النزاع”، الرمزية الحقيقية لمآلات دعوة نصر الله إلى وضع موضوع سلاح حزبه جانباً لمصلحة الملفات الحياتية.

لو كان نصر الله صادقاً في ما ذهب إليه، لقدّم مبادرة مبنية على اعتراف “ملطّف” بمسؤولية حزبه عن “جزء” من الكارثة التي ضربت لبنان وشعبه، ممّا كان من شأنه أن يعين الجميع على العودة إلى نظرية “ربط النزاع”.

مبادرة تتضمّن أقلّه الآتي:

1- إخراج سلاح “حزب الله” من صراع المحاور الإقليمية وحروبها، من دون أن يتنازل الحزب عن رأيه فيها، لأنّ لبنان لا يدفع ثمن مواقف “حزب الله” بل ثمن الأدوار التي يلعبها سلاحه، بما يتلاءم، بالمطلق، مع الأجندة التي يحملها “فيلق القدس” في “الحرس الثوري الإيراني”.

2- درس إمكان تسليم المحكوم عليهم بارتكاب الاغتيالات، كما هي الحال، في ملف الشهيد رفيق الحريري، والعمل على تسليم المطلوبين الذين حملت لوائح “الثنائي الشيعي” مرشّحين اثنين منهم، كما هي الحال في ملف تفجير مرفأ بيروت، وإزالة كلّ الغموض عن عدد من قضايا الاغتيال، كما هي الحال في ملف الشهيد لقمان سليم.

3- إطلاق البحث في الآليات الجدية لتوفير الإمكانات اللازمة للدفاع عن لبنان، في مواجهة العدو الإسرائيلي، وفي وجه كل من يمكن أن يشكّل خطراً عليه، الأمر الذي من شأنه أن يُترجَم باستراتيجية دفاعية واضحة المعالم، تتلاءم والمبادئ الدستورية.

في هذه الحال، تُصبح الدعوة إلى إعطاء الهموم المعيشية الأولوية المطلقة جدّية وصادقة، لأنّها تقوم على التفاهم والتّبادليّة.

مشكلة لبنان مع “حزب الله”، أو على الأقل هذا انطباع شرائح واسعة من اللبنانيين، أن الحزب يستغل “الشاردة والواردة” للدفاع عن سلاحه ولتبرير الأدوار التي يقوم بها وللتصلّب في نهجه، ملقياً كلّ أعباء “الإنقاذ” على كاهل تنازل الآخرين حصراً.

 

إنّ التجربة اللبنانية الممتدّة من عام 2014 حتى تاريخه، بيّنت أنّ نهج “حزب الله”، مهما امتدحه “أهل البيت” وتنازل أمامه “أهل الخصام”، جلّاب كوارث، وتالياً على هذا الحزب، حتى تُثمر دعوة نصر الله، إذا كانت صادقة، أن يُدخل تعديلات سريعة على سلوكه، لأنّه ليس بالترهيب أبداً تحيا الأوطان.

 

زر الذهاب إلى الأعلى