مطامع إيران في الأردن.. السياحة الدينية “حجة”
بقلم: عمار الهندي
النشرة الدولية –
صُدمت كما غيري من الأردنيين بمقال “سياحة دينية .. أين المشكلة” كتبه زيد النابلسي عضو لجنة للإصلاح السياسي.
قرأت المقال، تمعنت في حسن نوايا الكاتب، وحرصه على حياة الأردنيين وضرورة إنعاش اقتصادنا، لكن عجبتُ كيف طالب الأردنيين بضرورة التخلي عن ما أسماها “الأوهام والهواجس والفوبيا غير المبررة” تجاه السياحة الدينية الإيرانية للأردن.
سأفترض جدلاً بأن محاولة “إغراء” الأردنيين بأموال إيران وعوائد السياحة الدينية لم تأت على حساب إخفاء حقائق ووقائع أقدمت عليها طهران تجاه الأردن مست الأمن القومي الأردني وكادت تعرضه لخطر حتمي.
هذه ليست المحاولة الأولى من هنا وهناك للتسويق للفوائد المادية في فتح باب السياحة الدينية أمام الحجيج الإيرانيين لأضرحة الصحابة جنوب الأردن وخصوصاً “الكرك”، وليس سراً أن النظام الإيراني تعهد في عرض أهملته الدولة الأردنية بأن يمدنا لثلاثين عاماً بالنفط بأسعار لا تذكر مقابل هذه السياحة، وليس سراً أيضاً بأن التواجد العسكري الإيراني في سوريا والعراق بدأ بحجة السياحة الدينية للمقامات والعتبات المقدسة.
قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني لم يخفِ في آذار ٢٠١٦ أطماعه في الأردن بل قالها صراحة واعتبرها من بين الدول التي تتوافر فيها شروط تصدير “الثورة الإيرانية” وأن على طهران أن تسرع في السيطرة على الأردن، ولم يكن يقصد بالشروط سوى المقامات المقدسة لديهم وخصوصاً مقام الصحابي الجليل “جعفر الطيار”، كواجهة لمطامع أكبر إحداها الموقع الاستراتيجي للأردن في المنطقة.
سليماني نفسه وقبل مقتله، وقف في حزيران ٢٠١٧ على الحدود الأردنية السورية ومن خلفه عناصر الحشد الشعبي وأشار بيده إلى نقاط المراقبة للجيش الأردني وكأنه أراد القول بأنه إما أن نأتي من بوابة “السياحة الدينية” أو من خلال المناظير العسكرية التي كان يحمل إحداها في يده حينها.
ما كشف عنه السفير الأردني سابقاً في طهران بسام العموش يجسد يأس نظام الملالي في عبور الأردن من بوابة الدبلوماسية، حينما عرضت طهران عليه بصفته سفيراً بناء مطار في الكرك يستقبل كل يوم ألف إيراني ورد عليهم بضرورة توقيع اتفاقية أمنية تضع النقاط على الحروف قبل أي شيء، كانت إجابة طهران عليه بأنهم “ذهبوا ولم يرجعوا” على حد تعبيره.
تيقنت طهران أن بوابة الدبلوماسية للحصول على “السياحة الدينية” للتغلغل في الأردن مغلقة ولا تنفع فيها الصيانة، لذا فكرت بخيار آخر يتمثل بزرع عملاء لها مدربين من الحرس الثوري الإيراني للتجسس، لا بل وعلى صنع المتفجرات الفتاكة، و”ثغرة عصفور” شمال الأردن كانت شاهداً في نيسان 2015 حينما عثرت الأجهزة الأمنية على 45 كيلوغراماً من مادة (RDX) شديدة الانفجار بحوزة العراقي النرويجي ” خالد الربيعي” الذي أقر في التحقيقات بأنه عميل لطهران ومجند من المخابرات الإيرانية وعمل في محطات التنصت للحرس الثوري بهدف التجسس على الجيش الأردني.
جربت طهران إيجاد موطئ قدم لها في الأردن وتصدير ثورتها من خلال السياحة الدينية عبر الدبلوماسية ولم تفلح، ومن خلال التجسس وزرع العملاء وتحضير المتفجرات ولم تفلح، ولا يبدو أن محاولات الملالي في طهران ستتوقف، وفي ضوء ذلك كله، تخرج أصوات من داخل الأردن تفتح بوابة جديدة للمحاولات الإيرانية سندفع ثمنها غالياً إن لم تصمت.